الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تمرد فاغنر وتداعيات خصخصة الحروب

بواسطة azzaman

تمرد فاغنر وتداعيات خصخصة الحروب

 عماد علو

المقدمة

شاهد العالم بذهول في الأسبوع الأخير من شهر جزيران/يونيو 2023? مجموعة فاغنر - وهي شركة شبه عسكرية مدعومة من الكرملين - تشكل تحديًا مباشرًا للمؤسسة العسكرية الروسية. بقيادة مالك فاغنر يفغيني بريغوجين، سار 25000 مقاتل معظمهم من روسيا من الأراضي الأوكرانية نحو موسكو، واستولوا على القيادة العسكرية في ثلاث بلدات روسية قبل الانسحاب. "لم يكن هذا انقلابًا أو محاولة فعلية للاستيلاء على السلطة السياسية"، كما تقول مولي دنيجان من مؤسسة RAND? والخبيرة في مجموعات المرتزقة الروسية. "لقد كانت مسرحية قوة مسرحية لبريغوجين." وعلى الرغم من التمرد، تعد مجموعة فاغنر مصدرًا مهمًا للدخل بالنسبة للكرملين ومن المرجح أن يظل عاملاً. ومع ذلك، يمكن لروسيا إعادة تسمية المجموعة، أو تنصيب قيادة جديدة، أو حتى سحب مقاتلي مجموعة فاغنر من أوكرانيا للحد من خطر حدوث تمرد آخر. الأهم من ذلك، قد يكون لهذا الخيار الأخير تداعيات كبيرة على قدرة روسيا على خوض حرب برية بشكل فعال في أوكرانيا.. على كل حال فقد اثار تمرد مجموعة فاغنر الجدل مرة أخرى حول الجوانب القانونية والسياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة لبيان مدي شرعية وجود هذه الشركات وشرعية المهام التي تقوم بها، في اطار الاتجاهات الأخيرة في العالم الغربي لخصخصة الحروب! وأسباب نشأة وظهور هذا النوع من الشركات العسكرية الدولية وهو ما سنحاول القاء الضوء عليه في هذه المقالة.

متى ظهرت الشركات العسكرية الدولية الخاصة؟

أنشئت أول شركة عسكرية خاصة من قبل (جيم جونسون)، العضو السابق في الفرقة البريطانية الخاصة، وكانت الشركة تختص بتأمين الحماية الأمنية الخاصة للشخصيات والشركات، ولكن سرعان ما انتقلت انشطتها إلى المشاركة في النزاعات والحروب كما حدث في انجولا وزائير ثم انتقلت الفكرة إلي أمريكا وبدأوا في تأسيس شركات أمن خاصة وكانت أهمها (كي بي أر) المملوكة من طرف (هاليبرتون) في عام 1962م، ثم نوعت نشاطها في عام 1980م، وقد تطور هذا السوق وتلك التجارة من خلال إقامة علاقات بأجهزة المخابرات البريطانية والأميركية ووزارة الدفاع الأميركية. وكانت أبرز الشركات العسكرية الدولية الخاصة مثل شركات كي بي أر، بلاك ووتر، دين كورب وهي قادرة على تقديم عاملين على خطوط الجبهات الأمامية والخلفية، والجيش الأميركي هو الزبون الأهم في العالم لهذه الشركات، ففي حرب الخليج الثانية(1991م) قامت شركات اللوجستيك بتحصيل مبالغ مالية كبيرة نظير توظيفها ما يعادل(1%) من القوة العسكرية الأميركية ويحصلون يوميا علي ثلث موازنة الجيش الأميركي في العراق والبالغة 30 مليار دولار سنوياً، حيث يشغلون(10%) من القوة العسكرية الأميركية وتعد شركة (كي بي أر) الأكثر أهمية من بين شركات اللوجستيك في العراق حيث تشغل نحو 50 ألف مرتزق بعضهم للقتال لكن الأغلبية تعمل في الخدمات اللوجستية من طباخين وسواقيين وميكانيكيين والتموين وكان لديها عقد مع "البنتاجون" يصل إلى(11) مليار دولار. ثم تطورت هذه الشركات فنشأت شركات عسكرية (قطاع خاص) في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وغيرهم من الدول، تقدم خدماتها لمن يطلبها نظير المال، مثل قلب نظام حكم ما (تكرر هذا السيناريو كثيرًا في أفريقيا) أو حماية رئيس دولة أو القيام بحرب صغيرة من الباطن ضد دولة مجاورة، وربما حماية آبار بترولية أو مناجم ماس.

اتجاهات خصخصة الحروب

كان ظهور الشركات العسكرية الدولية الخاصة بمثابة انقلاب كبير في شكل الحروب المعاصرة، فلأول مرة في تاريخ الدولة المعاصرة، تتنازل الحكومات طواعية عن أحد أهم حقوقها وهو احتكار استخدام القوة بشكل شرعي وإعطائه للشركات العسكرية الدولية الخاصة، من خلال استبدال الجنود في أي مكان في العالم بمدنيين يملكون بنادق مؤجرة ولا يخضعون لأي من الإجراءات العقابية وفق المعايير العسكرية المعروفة والمتفق عليها على مستوى القانون الدولي. فقد عملت الحكومة الأمريكية عل تشجيع انشاء الشركات العسكرية الدولية الخاصة، واستخدمتها في شن حروب فيما وراء البحار بدون الحاجة للحصول علي موافقة من الكونجرس الأمريكي، وبدون علم وسائل الإعلام ويستخدم البنتاغون حاليا حوالي(700.000) عنصر من هذه الشركات وتدر صناعة الخصخصة العسكرية ربحا سنويا يقدر(100) بليون دولار من عمليات عسكرية أمريكية في حوالي خمسين دولة، وهذه الشركات الخاصة تحكمت في شن الحروب إلى الدرجة التي يصعب على الجيش الأمريكي أن يشن حربا بدون الاستعانة بمجهودات هذه الشركات، وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن حوالي ثلث الميزانية التي خصصت للعمليات العسكرية في العراق عام 2003-2004? والبالغة (87 بليون دولار) جرى إنفاقها علي عقود مع الشركات العسكرية الدولية الخاصة .

ماذا بعد تمرد فاغنر؟

منذ تأسيسها في صيف عام 2014? خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تحولت ميليشيا روسية أسسها الضابط الروسي المتقاعد ديمتري أوتكين، من مجرد مجموعة مرتزقة تساعد الجيش الروسي، وتقدم خدماتها في الميدان، ليتولى قيادتها وادارتها لاحقا" يفغيني بريغوجين. شاركت روسيا حربها في جزيرة القرم، ولم تزل المجموعة نشطة حتى الوقت الراهن في العديد من الدول حول العالم. وبعد نحو عام ونصف من الحرب الأوكرانية، اكتسب مقاتلو مجموعة فاغنر "سُمعة سيئة" كما هو حال قائدهم باعتبارهم الأقسى بين أولئك الذي يقودون الغزو الروسي لأوكرانيا، وتُقدِّر الاستخبارات الغربية أن فاغنر تضخمت صفوفها مؤخرا بسبب تلك الحرب إلى نحو 50 ألف مقاتل، بما في ذلك عشرات الآلاف من السجناء السابقين الذين تم تجنيدهم من السجون في جميع أنحاء روسيا، وهو أكبر رقم وصلت إليه على الإطلاق. وعلى الرغم من نجاح موسكو في احتواء تمرد مجموعة فاغنر من خلال وساطة بيلاروسيا، فإن ما حدث سيكون له تأثير هائل ليس فقط على روسيا وسياستها الداخلية والخارجية، بل حتى على مجمل الشركات العسكرية الدولية الخاصة في بقية دول العالم، ودور ومهام تلك الشركات التي تشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة وتقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت وحماية الأشخاص وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء وفي بعض الحالات المشاركة في القتال.

الخاتمة

     مما سبق يتبن أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة اثر ظهورها وانشائها على شكل الحروب المعاصرة، وأثرت أدوارها على قواعد الاشتباك في الحرب وكذلك الى الالتفاف على القوانين والاتفاقات والمواثيق الدولية فيما يتعلق بحماية المدنيين في مناطق النزاعات والحروب، وخلقت بؤرا" خطيرة للتوتر في العديد من دول العالم. وما حصل من تمرد لمجموعة فاغنر في روسيا سيدفع العديد من الحكومات الى إعادة النظر في قانونية وشرعية أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة. 

{مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية


مشاهدات 624
أضيف 2023/07/07 - 8:41 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 10:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 304 الشهر 7872 الكلي 9369944
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير