بيت السناري نموذج للرؤية المعمارية العريقة

الأمكنة التاريخية والتراثية في القاهرة بين محنة الجغرافيا وحيرة التاريخ

القاهرة - حمدي العطار

الى" بيت السناري" انطلقنا اليوم وكأننا نريد احياء التراث او تصفح التاريخ، حتى نصل إليه كمكان جغرافي يقع مقابل السيدة زينب (ع) وكأنه قد اختار المكان المناسب للتخليد والاستذكار!ما ان تخطو يقدميك هذا البيت تكون قد انتقلت من بوابة الجغرافيا الى مدخل التاريخ  الذي يرجع فيك الى مرحلة الدولة العثمانية والمماليك في مصر وانت تغذي السير وكأنك برفقة سفراء الفرنجة للقاهرة! يقودهم الوزير (شادر ) بنفسه الى بيت رائع الجمال عظيم الزخرفة بالخشب على النوافذ الطويلة والعريضة والابواب التي تحولت الى لوحات تشكيلية لا تقل عنها في الجمال تلك المحجرات.

*السناري الانسان قبل ان يكون المكان

كيف يمكن ان يتحول الانسان الى مكان ؟ بالتأكيد هناك صعوبة وجهد وعمل دوؤب، فالبعض يبحث عن الخلود في المعمار ويخسر كثيرا ولا يحظى بأسم يحفر في ذاكرة التاريخ، لكن السناري وبكل سلاسة واريحية اكتسب الاسم والشهرة والمكانة التراثية ليمتد عبر مراحل تاريخية ويصل الى الحاضر عبر جلسات وفضاء ثقافي وادبي لا يقدر عليه الا المثقفون والادباء المصريون وهم ينفضون التراب من قبور العظماء ليجعلوهم احياء في الحاضر!

يذكر أن الامير (ابراهيم كتخدا السناري) المسئول الأول عن بناء منزل السناري، من أصل سوداني وخاصة من برابرة دنقلة من السودان، وقد أتى إلى مصر، وكان في بداية مجيئه الى مصر يعمل بواب بمحافظة المنصورة- البلد الوحيد الذي يمكن ان يتحول فيه الانسان من نكرة الى علم من اعلام المدينة هو مصر- لفت أنظار الأمراء، حتى وصل إلى أنه صار ادم مصطفى بك الكبير، وأيام قليلة من خدمته صار أهم مساعديه بعد تعلمه التركية، أخذ إبراهيم كتخدا السناري، في التنقل بين المناصب الملكية، حتى أصبح له شأن عظيم وصارله حاشية،  ومبعوثون وأتباع بين الشعب وبينه، وذكر بعض المؤرخين  أنه كان يعمل بالسحر مما ادى إلى وصوله لهذه المكانة.

بيت السناري

يرجع أصل بيت السناري، إلى العصر العثماني بعد أن قام  ببناءه إبراهيم كتخدا السناري، والذي اعتبره  العلماء التاريخيين فيما بعد أحد أروع أمثلة العمائر السكنية، بخلاف العثور على وثيقة تؤكد أثرية هذا المنزل. وترددت أقوال كثيرة عن ارتباط هذا المنزل بالحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر في عام 1798 إلى 1801? إذ شارك عدد من المهندسين والرساميين في إنشاء وعمارة هذا المنزل حتى وصل الينا  بهذا الشكل  الآثري.

واليوم ما ان تدخل منطقة السيدة زينب (ع) حتى تدور الأقوال بين الناس عن (بيت السناري) والذي يقع في أول شارع الكومي، وتشير المصادر عن ارتباط هذا المنزل بالحملة الفرنسية  التي جاءت إلى مصر ." حصل بين السناري على تابعية مكتبة الإسكندرية، وعلى هذا بدأ ظهور أسم المنزل بين الكتاب والشعراء ومتلقوا الثقافة في مصر، فقد عمل القائمين على مكتبة الاسكندرية بعد تابعية المنزل لهم، على نشر الوعي الثقافي والفني والعلمي  في المناطق المحيطة بالمنزل من خلاله، وتشجحع الشباب على معرفة المعلومات الثقافية والآثرية في مصر.

يتكون بيت السناري من جزأين:الجزء الغربي ويشمل المقاعد وقاعات الإستقبال ، والجزء الشرقي ويشمل الغرفة الثانوية، للمنزل مدخل كبير يطل على حارة (منج) وهو مدخل حجري يؤدي المدخل على ممر مرتفع يفضي على الفناء الداخلي الذي يتوسطها نافورة وتطل الواجهات الداخلية على الصحن وقد ازدانت الواجهات الحجرية بالنقوش المنحوته ولها مكانيين للاستقبال، والمنزل له باب غني بالزخارف ويؤدي سلمه إلى بابين.كما يحتوي بيت السناري على عدة أشياء تاريخية شاهدة على تاريخ مصر العريق، أولها متحف بونابرت والذي أقيم على يد "جلياردوب"، لتخليد ذكرى نابليون ويضم هذا المتحف مكتبة نابيلون  بونابرت قائد الحملة الفرنسية، وكذلك صورة حجرية من حجر رشيد..ويتمتع بيت السناري بأهمية تاريخية غير عادية، لأنه كان مبعثا لنهضة علمية وثقافية عظيمة، وجرت فيه أول محاولة للكتابة عن مصر بشكل علمي من خلال علماء الحملة. فلقد وضع علماء الحملة الفرنسية فيه كتاب "وصف مصر" الذي يعد أشمل وأقيم موسوعة تحدثت عن مصر في التاريخ الحديث، والتي أهديت  لمكتبة الإسكندرية نسختها الأصلية.

وكانت وزارة الثقافة المصرية أصدرت قرارا بتسليم بيت السناري لمكتبة الاسكندرية، وتم تجهيزه  ليصبح مركزا ثقافيا كبيرا للعلوم والثقافة والفنون ، بهدف إحياء المجمع العلمي المصري القديم الذي أسسه نابليون بونابرت في هذا المنزل.

وبيت السناري من البيوت الذي يسكنها التاريخ وله روح وفعاليات ثقافية في الوقت الحاضر، ونحن شاركنا في جسلة ادبية لمناقشة رواية (الرجل الرمادي) للروائي " نشأت المصري".

وجبة عشاء فاخرة

على انغام مباراة كرة القدم نهائي اندية افريقيا تناولنا وجبة فاخرة في مطعم (عرفه) فطائر متنوعة مع البسبوسة واقداح الشاي بالنعناع ، والقهوة المصرية ، لنحتفل بفوز نادي الاهلي بالبطولة وتعم الاحتفالات والغناء والرقص في الشوارع!