الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاشة الصغيرة و(نوستالجيا) الأبيض والأسود

بواسطة azzaman

الشاشة الصغيرة و(نوستالجيا) الأبيض والأسود

عبدالرزّاق الربيعي

 

في طفولتنا، كانت الشوارع تخلو من المارّة، عندما يبدأ بث برنامج أو مسلسل محبّب للجمهور، يومها كان التلفزيون نجم المقاهي، والبيوت المرفّهة، وله الصدارة في مجالسها، وما يبثّه من برامج مهما كانت بسيطة وعابرة تشكّل مادّة لأحاديث الناس، وكان الإقبال على اقتناء الأسر لأجهزة التلفزيون يزداد ويكون على أشدّه قبل بدء الشهر الفضيل، حرصا من الجمهور الواسع على مشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية، التي تبلغ ذروتها بعد انطلاق اطلاقة مدفع الإفطار، حتى صارت البرامج الرمضانية ترتبط في ذاكرة أبناء جيلي، والأجيال التي سبقتنا باللونين: الأبيض والأسود، الذي يعود اختراعه إلى عام 1884 م على يد الألماني بول نيبكو، كون البثّ في التلفزيونات العربية كان في الستينيات حتى منتصف السبعينيات لصيقا بهما، قبل أن يبدأ البثّ بالألوان، ويتغيّر وجه الشاشة الصغيرة، حتى صارت الألوان أشد سطوعا، فبدت ألوان الحياة من حولنا باهتة، وهذا شدّنا للشاشة أكثر، وأضعف افتتاننا وبهجتنا بألوان حياتنا، وأذكر أن المقاهي كانت تعلّق بعد بدء البث بالألوان لافتة تقول" لدينا تلفزيون ملون"، والبعض قام بلصق نايلون شفاف على شاشات الأبيض والأسود حمراء فاتحة ليوهم الرائي ونفسه بأن البث ملوّن،  حتى بدأت الأجهزة الملونة تنتشر، فيما آلت أجهزة الأبيض والأسود إلى المخازن، وحين يتم عرض أغنية أو فيلم من زمن الأبيض والأسود تكتب عبارة تنبّه المشاهد أن المادة المعروضة غير ملوّنة لكي لا تأخذه الظنون بعيدا، ويظن أن خللا حصل في الجهاز، أو البثّ .

ومع تغيّر وجه الحياة اليوم، بفضل القفزات التكنولوجية، بقي انشداد أبناء جيلي، كما أحسب، للشاشة الصغيرة يرتبط بالأبيض والأسود ليس من باب الحنين إلى الماضي "النوستالجيا" -هذا المصطلح الذي نسج من كلمة يونانيّة الأصلبل لأننا نجد فيها متعة، وفائدة صرنا نفتقدها في برامج تلفزيوناتنا اليوم، لقد كانت المسلسلات، والأفلام تحتشد بنجوم الفن الجميل، وتعرض مقطوعات موسيقية، وندوات تخاطب عقل المشاهد ووجدانه، كما يعرض مسرحيات كوميدية هادفة، وبرامج تثقيفية غنية بمحتوى، وتكتب تايتلات البرامج، والمسلسلات، بخط جميل ، وحتى شارات البدء والختام في المسلسلات فيها رسالة، وجمال صوت، وتقدّم ملخصا للفكرة العامة لتلك المسلسلات ذات المضامين الراقية، والأداء المتقن .. أما برامج الأطفال، فرغم أن المساحة المخصصة لأكبادنا التي تمشي على الأرض كانت ضيّقة، لكنها كافية لجعل الأطفال يلتصقون بالتلفاز بانتظار برامجهم بشوق كبير، لأن معظمها فيه تسلية ومتعة وفائدة سواء بالأغاني، أو البرامج.. كلّ ذلك كان قبل أن تنصرف الأنظار إلى معطيات تكنولوجية قلّلت اهتمام الناس بالتلفزيون، ربما لأنّ تركيز الجمهور، قبل بدء البثّ الفضائي، كان منصبّا على قناة واحدة أو اثنتين، وكانت الجهات الرسمية تهتمّ بها بشكل أكبر. . واليوم، ونحن نقلّب صفحات الذاكرة، لا يمكننا الجزم بأن التلفزيون فقد نجوميّته، بدليل هناك برامج ومسلسلات ماتزال تحظى بمشاهدات عالية خصوصا في شهر رمضان، ولكن لكي يبسط  هيمنته مجدّدا، ويسترد جمهوره الذي فقده، على الفضائيات في كل مكان أن تقدّم برامج تشدّ الجمهور،  ومعرفة أسرار تلك الخلطة السحريّة التي تجعلنا رغم مرور عقود على انتاج تلك البرامج، والمسلسلات، نستمتع بمشاهدتها حين يعاد عرضها وإن كانت باللونين : الأبيض والأسود !

 


مشاهدات 675
أضيف 2023/04/14 - 10:29 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 8:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 325 الشهر 7893 الكلي 9369965
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير