الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طابور من أصحاب الشهادات في كليات الفنون بلا منجز ذاتي

بواسطة azzaman

منظّرون في المسرح العراقي ما بين الكلام الحاضر والفعل الغائب:

طابور من أصحاب الشهادات في كليات الفنون بلا منجز ذاتي

 

مروان ياسين الدليمي

 

لم أفهم،كيف يمكن لأكاديمي أن يطرح كتابا،يطرح من خلاله رؤى في جانب من جوانب التمثيل أو الإخراج المسرحي،بينما لايوجد في سيرته الذاتية،تجارب مسرحية مهمة،كان فيها ممثلا أومخرجا .. !؟. ولو نظرنا في سيرته لن نجد سوى عمل أو عملين لم يكن فيها ممثلا رئيسا،أو مخرجا لأعمال تركت أي أثر فني،حتى لدى الجمهور المحلي،فالتنظير في مجال الفن لايأتي إلاّ بعد تجارب عملية متراكمة،وفيها اشتغال على أفكار وطروحات جديدة ،وليس عبر سيرة باهتة،تخلو تماما من أي حضور متفرد ومتميز عن الآخرين .

في العراق هذه الحالة باتت ظاهرة متفشية بين أساتذة  يحملون شهادات عليا في الفنون المسرحية،لكنهم بلا تجارب مسرحية،إلاّ أنهم وعبر فن الاقتباس ولصق الأفكار المنتزعة من هنا وهناك بأدوات الوصل،يطرحون علينا كتبا بعناوين كبيرة جدا،يمكن أن تخدع من لايعرفهم .المحك الحقيقي لهؤلاء عندما نشاهد لهم تجربة،عندها سنكتشف المسافة الشاسعة والمخيبة ما بين الكلام المكتوب والفعل الملموس .

قبل أيام قليلة قرأت اعلانا حول اصدار كتاب جديد عن فن التمثيل في المسرح  في (فيسبوك)،ما لفت انتباهي هو عنوان الكتاب الغريب والغامض،وبدا لي عنوانا كبيرا جدا،حتى أنني وجدت نفسي عاجزا عن حل ما فيه من الغاز في الصياغة والمفردات،ولاأظن أن واحدا من اساطين المسرح،مثل غروتوفسكي وبروك،تجرأ ليكتب مثل هذه العنوان،مع أن الشخص المعني،أعرفه جيدا،لايوجد في تاريخه أي عرض مسرحي..! . فمن أين جاء العنوان الفخم، ومن أين جاء التنظير إذن ! ؟ .

التنظير في المسرح مرتبط بالمشغل الإبداعي على خشبة المسرح بشكل متلازم ،والعمل على الخشبة يسبق التنظير،بمعنى أن هناك تجربة تتشكل عبر عدد من العروض المسرحية لفترة من الزمن يرافقها معاينة تأملية وقراءة عميقة لتفاصيلها،وهي تخضع للتغيير والحذف والتعديل والتجريب وامتحان الرؤى مع الممثلين وبقية مكملات العرض.

مفاهيم جديدة

كل المنظرين والباحثين في عالم المسرح والفنون الابداعية عامة من المستحيل أن يتوصلوا  إلى افكار ومفاهيم جديدة دون أن يكون في سفر عملهم مخاض حقيقي،تتجادل فيه الافكار مع التجربة العملية،فالفراغ إن لم تُخلق فيه حياة متخيلة من قبل الفنان،لاينشا عنه سوى فراغ .

ليس منطقيا أن يكون مصدر النظريات المسرحية خيال مجرد من العمل الدؤوب،لابد للمسرحي من أن ينغمر بوعيه وأفكاره وتطلعاته وأحلامه، داخل  مصهر الاشتغال اليومي عبر التمارين التي يجريها مع الممثلين،وبقية فريق العرض من التقنيين، فمن خلالها تتشكيل الأفكار في رأسه ،ويعمل على اختبارها عبر الأفعال والصور في منظومة المسرح، ومن خلال ما يتجلى من نتائج عبر اختبارات التجربة،ستتكشف الأخطاء ومن ثم يتم التوصل إلى الأفكار الجديدة.

كلما أتأمل عناوين كتب المنظرين الذين أعنيهم أصاب بالدهشة،لأنها فضفاضة جدا،مقارنة مع ضألة تجربتهم . أليس من الأجدى أن يكونوا واقعيين ومتواضعين مع أنفسهم،على الأقل في اختيار العناوين ؟

ماذا لو تطرقنا إلى محتوى كتبهم ؟ عندها لن نحتاج إلى وقت طويل حتى نكتشف ، أن كل جهدهم يتمثل في اقتباس هذه الجملة من هنا وربطها بتلك الجملة التي تم اقتباسها من هناك.

هناك جيل مهم من الرواد في تاريخ المسرح العراقي،كان قد تلقى المعرفة الأكاديمية في موسكو وأمريكا ولندن وألمانيا،أمثال قاسم محمد وإبراهيم جلال وعوني كرومي وجاسم العبودي،وهذه النخبة كان لها الفضل في أن تضع اللبنات الأولى للمسرح في كلية ومعهد الفنون الجميلة في بغداد،والى جانب محاضراتهم في هاتين المؤسستين قدموا عديد العروض المسرحية التي لازال بعضها عالقا في ذاكرة المسرحيين،ومنهم من كان يحمل تجربة ثرية انتظمت فيها الأفكار،وتجلى فيها التفرد في الأسلوب والمعالجات الفنية،ومع ذلك لم يتجرأ أي واحد منهم ان يطرح كتابا يقدم فيه نفسه باعتباره منظرا وفيلسوفا في المسرح،كما هو الحال هذه الأيام مع من يحملون شهادة دكتوراه وليس في جعبتهم أي تاريخ شخصي على مستوى العروض،لا باعتبارهم مخرجين ولا باعتبارهم ممثلين .

شهادات عليا

نحن اليوم أمام طابور من أصحاب الشهادات العليا الذين يدرِّسون في كليات الفنون الجميلة التي انتشرت في معظم محافظات العراق بعد أن كانت هناك كلية واحدة في العاصمة العراقية بغداد،إلاّ أنهم بلا أي منجز ذاتي مهم ،لكنهم وعبر فن الاقتباس والتلصيق،لايترددون في أن يطرحوا أنفسهم باعتبارهم علماء في المسرح،وحقيقة دافعهم لاصدار كتبهم مرتبطة بالحصول على الترقية العلمية /الوظيفية من كلياتهم ،لكي ينالوا الامتيازات المادية .

الأكثر غرابة في الموضوع أن  يتم دعوتهم إلى المهرجانات المحلية والعربية ليكونوا ضمن لجان تحكيم العروض ..!

قد تكون إدارة المهرجانات العربية تجهل حقيقتهم،وتنبهر بعناوين أبحاثهم وكتبهم المدونة في سيرتهم الورقية،وربما تكون معذورة في دعوتهم،هذا إذا استبعدنا ما يتم عقده من صفقات تحت الطاولة،لأجل أن يتم دعوتهم ، ولكن ما العذر الذي بين أيدي منظمي المهرجانات المحلية،الذين يعرفون الواقع المسرحي العراقي،ولديهم تصور واضح حول  من له صلة حقيقية بالمسرح ،ومن ليس له صلة به ،سوى لقبه العلمي  ؟ .

المشكلة في مَن أعنيهم،وهم اليوم يزدادون عددا،أنهم جاءوا إلى كليات الفنون الجميلة، بعد أن كانت معدلاتهم المتدنية لاتسمح بقبولهم في أية كلية عند تخرجهم من الدراسة الإعدادية،فما كان أمامهم سوى كلية الفنون التي تسمح بقبولهم،والله أعلم بطبيعة اللجان التي منحتهم شهادة القبول بعد اختبارهم، وكيف كان الاختبار،ومن اختبرهم .  بالتالي ليس مستغربا في ظل هذه الاعداد الكثيرة من المقبولين في كليات الفنون ،وخاصة في قسم المسرح ،أن نرى المشهد يتصدره من لاصلة له بفن المسرح .

الحل لهذه الظاهرة،بالعمل على أن يكون شرط المعدل العالي مفتاح الدخول إلى كلية الفنون،باستثناء من كان موهوبا، وفي رصيده مشاركات مسرحية، كما كان معمولا به في اختبارات الكلية حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، وإلاّ ستتكدس كتب التلصيق المسرحي على الرفوف، وما من أثر ملموس لمؤلفيها في الحياة المسرحية .

 

 


مشاهدات 649
أضيف 2023/02/01 - 2:40 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 226 الشهر 226 الكلي 9362298
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير