الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 مراد هوفمان.. دبلوماسي إجتذبه الفن الإسلامي   5-5

بواسطة azzaman

شخصيات عرفتها 12

 مراد هوفمان.. دبلوماسي إجتذبه الفن الإسلامي   5-5

صلاح عبد الرزاق

هوفمان:  حوالي ثلاثمائة ألف تركي.

            •           كانت هذه الوضعية في السابق، ولكن قبل سنتين صدر تشريع جديد جعل الحصول على الجنسية أيسر من قبل.

هوفمان:  كثير من الأتراك لا يريدونها، فهم أناس محافظون.

مواطنة أوربية إسلامية   

- إذا أراد المسلمون أن يثبتوا للعالم بأنهم مواطنون جيدون في الدول الأوربية، فبامكانهم القيام بذلك عملياً وليس بالقول والادعاء. بامكان المسلمين المشاركة في النقاشات العامة واقتراح حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الغربي كالمخدرات والجريمة والبطالة واللاأمن وغيرها. فيجب علينا كمسلمين المشاركة في كل القضايا التي تهم المجتمع الذي نعيش فيه. أنا أقيم في هولندا وأرى بوضوح بأننا لو شاركنا المجتمع همومه فإن الهولنديين أو الألمان أو الانكليز أو الفرنسيين وبقية الغربيين سيرون هذه المشاركة ويقبلونها، ثم سيقتنعون بأننا ، أي المسلمين، مواطنون صالحون لأننا نشاركهم في مواجهة مشاكلهم.

وٍاعطيك مثالاً: في هولندا، بدأ مشروع بسيط لكنه أعطى نتائج رائعة انعكست ايجابياً في الاعلام سواء داخل هولندا أو بين الدول الأوربية الأخرى. قامت مجموعة من الآباء المغاربة بتشكيل دوريات تتألف من رجلين تجوب في محطة القطار المركزية في روتردام، مهمتها فتح حوار مع الشباب المغربي الذي يتسكع في المحطة والأماكن القريبة منها، ويستفسرون منهم عن أسباب وقوفهم ، ويقدمون النصيحة إليهم بضرورة البحث عن عمل أو الالتحاق بدراسة أو مهنة شريفة. هؤلاء الشباب يقفون عادة على شكل مجموعات صغيرة، متورطون في بيع المخدرات وأعمال غير قانونية أخرى. إن تجمعهم يخلق حالة من عدم الشعور بالأمن والاطمئنان للمسافرين الهولنديين الذي يترددون على محطة القطار. بعد بضعة أسابيع نجح المشروع واختفت مجموعات الشباب المغربي المتسكع، وصار الجو أكثر هدوءاً وأمن وأسعد ذلك الناس والشرطة والحكومة الذين عبروا عن امتنانهم لجهود الآباء المغاربة. بعد بضعة أشهر نال هؤلاء الآباء جائزة أوربية قيمتها خمسة آلاف دولار باعتباره أفضل مشروع اجتماعي.

 

هوفمان:  نعم، قد يكون المسلمون ذوي فائدة للمجتمع الغربي. في ألمانيا نجد أن الجيش الألماني مرتاح جداً من المسلمين الألمان الذي يخدمون فيه. فغالبيتهم من الأتراك وهم لا يتناولون الخمر، فيحافظون على وعيهم وانضباطهم طوال الوقت، وهذا مفيد في الجيش.

            •           بامكان المسلمين المشاركة في الأعمال التطوعية الكثيرة والمنتشرة في الغرب.

هوفمان:  نعم في الاعمال الاجتماعية بشكل عام. يجب أن نثبت بأننا أيضاً نقدم المساعدة لغير المسلمين. كما يجب أن ننتقد ما يحدث في العالم الاسلامي، إذا كان ذلك الشيء سيئاً. عندما يحدث شيئاً سيئاً مثل الهجوم الارهابي على السياح في مصر، لماذا لا نقول بوضوح للعالم: إنه أمر سيئ وهو غير إسلامي.

    

حوار حول التشيع

 

تطرقنا أثناء الحوار إلى قضية الشيعة حيث شعرت أن لديه فكرة مبسطة تلقاها من بعض المشايخ وتعلمها من الكتابات المعادية لفكر أهل البيت (ع). وكنت أتوقع منه الرأي الرصين باعتباره مفكراً وذي مستوى أكاديمي عالي أن يبني قناعاته على المنهج العلمي المستند على الموضوعية والحيادية واعتماد المصادر الصحيحة قبل الاستنتاج أو الحكم على أية قضية، لكن فوجئت بتعميم ساذج وأحكام مسبقة تجاه التشيع، مع أنه يفترض به كونه لم يولد في بيئة مسلمة ولم يتلقن أفكاره من أبويه، بل درس الاسلام عن علم وقناعة ثم اعتنقه، وأن يكون بعيداً عن الانحياز الطائفي. فقد رأيته يكرر بعض المغالطات التاريخية والاتهامات العقائدية دون أن يكلف نفسه للتعرف على وجهة النظر الأخرى ، أو يراجع مصادر عديدة كما هي عادته. فقد راجع أكثر من خمسة عشر تفسيراً حول آية القوامة على النساء وآية الحجاب.  

خلفيات القضية

في كتابه (الاسلام هو البديل) وفي فصل (جمهورية أم ملكية؟ : شيعة أم سنة) يطرح أسئلة تاريخية مثل: ماذا كان قد حصل للإسلام لو تسنى لعلي بن أبي طالب ، وهو المرشح للخلافة، أن يكون حاضراً عند اختيار أبو بكر خليفة للمسلمين (في السقيفة)، بدل أن يتفرغ ويأخذ على عاتقه القيام بدفن الرسول (ص)؟ وماذا سيحصل لو كان لعلي أن يخلف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بدل عثمان بن عفان؟ هل كان أحد يذكره حين يتحدث عن قضية اغتيال الخليفة الثالث، حيث كان لهذه القضية ظل كثيف رافق عهد الخلافة؟ أو هل كان عندها لعلي أن يكون من غير عمد مؤسساً للحزب الذي نشأ عنه في وقت متأخر فرقة إسلامية هي فرقة الشيعة؟

يتحدث عن مناقب الإمام علي (ع) الذي (كان بلا شك أقرب الناس إلى شخصية الانسان الكامل). ثم يستنتج أنه (لو كان لعلي ان يكون أول خليفة للمسلمين، لكان له كثير من الأسباب الجلية التي تثبت شرعية خلافته بما فيها الأقدمية في الاسلام والفضل والمناقب) لكن هوفمان يستدرك بقوله (ومع ذلك نرى أن انتخابه ذاك لكان وضعاً لأسس المبدأ "الملكي" في الاسلام).

يعبّر هوفمان سياسياً عن اعجابه بالاسلام السني و (على قدرته على احياء المبدأ الديمقراطي الشمولي وتثبيته)، ولم يوضح معالم الديمقراطية سوى في قضية اختيار الخليفة. وهي قضية عليها مناقشات واعتراضات كثيرة، تاريخية وفقهية وسياسية، لأن كل خليفة قد اختير بطريقة غير ديمقراطية. فالخليفة الأول انتخب عبر السقيفة التي لم يحضرها سوى مجموعة من الأنصار وثلاثة من المهاجرين فقط. والخليفة الثاني تم اختياره بطريقة التزكية السياسية أي ولاية العهد، دون أخذ رأي المسلمين. والخليفة الثالث تم ترشيحه من خلال لجنة تضم ستة أشخاص فقط عينهم الخليفة عمر قبل وفاته، ومنع بذلك مشاركة بقية  المسلمين وفيهم الصحابة الكبار في تعيين الخليفة. لكن هوفمان بقي يردد الأقوال المعروفة التي تبرر كل تصرف وسلوك للصحابة بأنهم على صواب وحق، ولم يتعب نفسه في قراءة التاريخ الاسلامي سياسياً بتمعن ومن وجهات نظر مختلفة، ثم يقرر بعدها فيما إذا كان النظام الراشدي ديمقراطياً، وفق المعايير التي يتبناها أم لا.

وعلى فهمه الخاطئ لنظرية الامامة يبني هوفمان رأيه الذي يقول أن الرسول (ص) ألغى العامل العائلي والانتساب القبلي بالنسبة لعرب الصحراء، ليستبدله بمبدأ (الأمة) الثوري، الأمة ذات الرباط الأيديولوجي والأخوة في العقيدة. وقد يكون مفهوم الأمة على هذا الأساس صحيحاً لكن قضية الإمامة موضوع آخر. فلو راجع هوفمان احتجاجات المهاجرين، الذين تولوا الخلافة، على الأنصار بأنهم انما يطالبون بها لقربهم من الرسول (ص) وأن عشيرة الرسول (ص) أي قريش أولى بهذا الأمر من غيرهم. فهم اذن احتجوا بالقرابة وليس بالكفاءة أو بانتخاب الناس لهم. من المؤسف أن يتنازل هذا المفكر عن أبسط القواعد العلمية في تقييم الأمور. ومن المفارقات أن علي (ع) هو الخليفة الوحيد الذي يمكن تطبيق مفهوم الانتخاب الديمقراطي على بيعته، فقد انتخب من قبل جميع الصحابة في بيعة علنية في المسجد وأمام الجميع. ولم يمارس (ع) سلطته حتى جاءته البيعة من بقية الأقاليم الإسلامية، من مصر واليمن والعراق وخراسان وغيرها.

ورغم استنتاجه بأن (حق الخلافة انحصر في المكيين ، وبالخصوص بقريش ومن بينهم بالذات بالعائلات شبه الأرستقراطية منهم مثل بني أمية (عثمان)، لكن لم ينتقدها أو يشكك في المفاهيم التي اعتمدتها في استلامها للسلطة. ولكنه من أجل التشكيك بالخط العلوي يعزو إلى الشيعة أنهم (يعترضون على  الرأي القائل بمساواة جميع المسلمين بالنسبة لأمر الخلافة. وأنهم يرجحون الكفة لصالح عائلة الرسول (ص) عن سائر قريش، وهذا يعني واقعاً أن تكون الخلافة لعلي بن أبي طالب ولأبنائه من بعده. وقد أدت هذه الرؤية إلى تعميق الخلاف بين علي وعثمان حتى لو برأنا عثمان من تهمة سياسة المحسوبية ومحاباة الأقارب).

من جانب آخر لم ينتقد هوفمان الاسلام السني الذي شرّع للملكية منذ عهد معاوية وحتى سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 ? فابتعد عن مناقشة واقع تاريخي وسياسي وفقهي امتد اربعة عشر قرناً ،  و بقي يناقش نظرية الامامة عند الشيعة ، وهي لم تتحقق وفق المفهوم الشيعي.

إن هوفمان يعتقد أن تمسك الشيعة بأحقية علي بن أبي طالب بالخلافة إنما يعود بسبب قرابته من الرسول (ص) وهذا خطأ فادح يرتكبه هوفمان ومن يرى رأيه، لأنه لو كان النسب الهاشمي وحده هو السبب في اعتبار علي (ع) الأولى بالخلافة أي كونه بن عم الرسول (ص)، لكان يمكن ترشيح أخيه عقيل بن أبي طالب أيضاً. كما أن هناك أبناء عمومة آخرين للرسول (ص) مثل عبدالله بن عباس (رض). أما  لو كان باعتباره صهر الرسول (ص) فقد صاهره عثمان بن عفان، كما أن الرسول (ص) قد صاهر أبا بكر وعمر حين تزوج ابنتيهما عائشة وحفصة. إن الاعتبار الأول في أولوية علي (ع) بالخلافة هو النص القرآني وأحاديث الرسول (ص) الكثيرة التي تؤكد هذا المعنى إضافة إلى تنصيبه الصريح في غدير خم بعد عودة الرسول (ص) من حجة الوداع. (هناك مصادر كثيرة حول هذا  الموضوع فلتراجع).

 فهنا يبدو هوفمان يأخذ بظواهر الأمور ونتائج الأحداث دون أن يتعمق في أسس الخلافة وشروطها عند الشيعة، واحتجاجاتهم من القرآن الكريم والسنة النبوية. فهو يعتقد أن نظام الامامة الشيعية نظام وراثي لأن الأئمة ينحدرون من أب واحد، دون مراجعة النصوص النبوية في الامامة. كما أن هوفمان لم يلتفت إلى أن الأنبياء كلهم ينحدرون من عوائل معينة، ثم ينتسبون كلهم إلى إبراهيم (ع). فهل تعتبر النبوة نظاماً وراثياً لأن يوسف ابن يعقوب، ويعقوب ابن اسحاق، واسحاق ابن ابراهيم، ويحيى بن زكريا، وسليمان ابن داود، واسماعيل ابن ابراهيم، وهم أنبياء أبناء أنبياء؟ وهناك أنبياء أخوة مثل موسى وهارون، اسحاق واسماعيل (ع). فالقرآن يؤكد على القرابة النسبية بين الأنبياء، يقول تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (آل عمران: 33-34)? و (ولقد أرسلنا نوحاً وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب، فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) (الحديد: 26). فكما أن الله سبحانه وتعالى يختار الأنبياء وفق معايير ومواصفات خاصة، كذلك يختار الأئمة (ع) وفق معايير إلهية. وهذا ما يعرف بالاصطفاء الالهي.

 

ويخلط هوفمان الأمور حين يتحدث عن الفرق الشيعية كالدرزية والبكتاشية والألهية والعلوية. ويتحدث عن عقائد منسوبة لبعض الفرق ثم يضعها تحت عنوان (الشيعة) ليدرج تحته كل رأي شاذ وعقيدة باطلة. فهو يقول أن الشيعة (قد أضفوا على أئمتهم العصمة المطلقة أخلاقياً وعقائدياً، وهم يكونون بذلك قد رفعوهم منزلة الرسول (ص) نفسه). هكذا بلا مصدر أو رأي عالم شيعي معتبر. ثم يطلع علينا بفرية أخرى هي أن الشيعة يعتبرون علياً (صديق الله) مما يجعل من الصعوبة بمكان عدم رؤية تفضيله على الرسول (ص) عندهم). وأن اعتقادهم بغيبة الامام المهدي (ع) يجعلهم يعتقدون بالدولة (الكنسية اللاهوتية) على أنها النظام السياسي الوحيد ذو الصفة الشرعية. ويتهم هوفمان الشيعة بأن إيمانهم بزواج المتعة (يعارض القانون العائلي في القرآن نصاً وروحاً). ولم يكلف نفسه في قراءة كتاب شيعي واحد عن هذا الأمر قبل أن يبني رأيه الذي اعتمده على أعداء أهل البيت (ع) .

ويخرج علينا هوفمان بأكذوبة جديدة هي أن (لفقهاء الشيعة أن يقرروا الأخذ بظاهر القرآن أو الأخذ بباطنه. وهذا ما قد يشجع على انتشار الفهم النخبوي المتخم بالسرية والصوفية للقرآن، ويساعد على نشوء طبقة رجال دين تذكرنا بإكليروس المزدكية وقسمات مانوية). فهو يريد ربط التشيع بالحالة الايرانية سواء قبل الاسلام من خلال التذكير بمزدك وماني أو من خلال التاريخ الحديث عندما ينقل بعض مواد الدستور الايراني. وهذا ما سينصب عليه حوارنا .

التشيع وإيران

 ما زال الكثيرون يعتقدون أن أصل التشيع قد بدأ في إيران، وأن الشيعة الأوائل كانوا من الفرس، متناسين بذلك حقائق تاريخية في أن التشيع بدأ عربياً ، ومازال كثير من الشيعة من العرب كما في العراق والبحرين والسعودية ولبنان واليمن وعمان وجنوب إيران. سألت هوفمان:

- لقد تطرقت أثناء حديثك لبعض القضايا المتعلقة بالشيعة. وأعتقد أنه ليس لك اطلاع مناسب حول الشيعة، وأن معلوماتك قد أخذتها من منظور سني. وهذا ما أبعدك عن الموضوعية والحيادية في التقييم والبحث. أنت تعلم أنه منذ قرون وحتى الآن مازال هناك صراع طائفي بين السنة والشيعة، يقوى أحياناً ويخبو أحياناً. ويتعرض الشيعة لهجمات واسعة من قبل الوهابية على الخصوص. وهناك تأليفات كثيرة تتضمن شتى الاتهامات والمغالطات. أعتقد أنك لك تقرأ كثيراً في مصادر شيعية، بل قرأت عن الشيعة من مصادر سنية. أسألك مثلاً هل تعرف السيد محمد باقر الصدر؟ وهل اطلعت على آرائه في الفلسفة والاقتصاد؟

هوفمان (يتهرب من السؤال) : لقد قرأت كتاباً واحداً عن علي (ع) من تأليف العلامة محمد حسين الطباطبائي. أنا لا أتقبل أن يرفع علي إلى مرتبة الوحي، وحتى في الأذان عند القول : علي ولي  الله. أعتقد أن نظرية الامامة تعيد الاسلام إلى شكل من أشكال النظام الملكي، لأن الحاكم إذا جاء عبر علاقة الدم، فعلاقة الدم هي فكرة ملكية.

أنا لا أعتقد بأشياء كالغيبة لأن ذلك مثل المعجزات. وأنا أعتقد أن شيئاً ما مفقود في التشيع. أعني : كيف يمكن أن نلطم على موت شخص كالامام الحسين (ع) قبل 1400 عام؟ ما حدث للحسين كان مريعاً جداً ، فقد كان رجلاً صالحاً، وأن ما حدث له لا يمكن تبريره. لقد حدثت في العالم مآسي كثيرة ولم يحزن عليها المسلمون العاديون سوى ثلاثة أيام، ثم تستمر الحياة.

هناك فرق بين السنة والشيعة: الشيعة تمثل حركة اجتماعية ثورية والسنة تمثل حركة مؤسساتية. ما أحبه في الشيعة هو نقدهم للأنظمة السياسية. أما السنة فيرون أن الاسلام يرى أنه لا يمكن أن يكون المسلم مسلماً إذا لم يطع الأمير.

 

- ولكن الحركة الثورية عادة ما تكون معارضة سياسية. لقد نمت ظاهرة التوجه الثوري بين الشيعة بسبب القمع الذي تعرضوا له من قبل السلطات الحاكمة على مر العصور. كل الدول الاسلامية اضطهدت الشيعة، من الأموية والعباسية إلى العثمانية. إذن الاتجاه الثوري هو نتيجة قمع تاريخي طويل مورس ضد الشيعة.

هوفمان: في البداية كان سياسياً ثم تحول إلى ديني وتفسيري. كتب المستشرق الأمريكي (هارجسون) كتاباً من ثلاثة أجزاء حول تاريخ الاسلام. كتب يقول أن : الشيعة انتقام الايرانيين من حكم العرب، لأن إيران لها تاريخ رائع وانجازات فكرية عظيمة. وأن كل الديانات في العالم وجدت في إيران، كالمزدكية والزرادشتية والغنوصية وعبادة النار ، وغيرها. وبمصطلحات الادارة والثقافة والفكر والأدب، كان الإيرانيون متفوقين على العرب.

- هذه الرؤية تخالف الحقائق التاريخية تماماً. وأنا أتعجب كيف تقبلها دون التحقق منها. هل تعلم بأن إيران تحولت إلى المذهب الشيعي في القرن السادس عشر فقط، وليس في عصر الخلفاء الراشدين أو الدولة الأموية أو العباسية!! أي أنها قبل  خمسة قرون كانت على المذهب السني، وأن غالبية فقهاء وعلماء أهل السنة من الإيرانيين.

هوفمان: أنا أعلم ذلك، ولكن الفرس تعرضوا للاهانة لأن العرب فتحوا بلادهم.

- هذا التفسير لا علاقة له بالحقائق التاريخية.

هوفمان: على أية حال، كل شخص يعتنق الاسلام يحافظ على بعض الأفكار السابقة في ذهنه.

- وهذا ينطبق على المسلمين الأوربيين وعلى المسلمين السنة الآخرين من العرب والترك أيضاً.  وأنت تعلم أن أصحاب الصحاح كانوا من الفرس كالبخاري والترمذي وابن ماجة والنسائي وغيرهم. فعلى اعتبار أن التشيع انتقام الفرس من العرب، سيكون التسنن انتقام الفرس من العرب أيضاً لأن الفرس كانوا كلهم سنة أيضاً ولمدة ألف عام.

هوفمان: التشيع ليس انتقاماً. المستشرق الأمريكي أراد الاشارة إلى أن فكرة (النظام اللاهوتي) أي المؤسسة الشيعية قد تطورت في إيران، وهي ما نراه اليوم.

- وهذا خطأ آخر. أريد مناقشة علمية. ما أشرت إليه يتناقض والحقائق التاريخية تماماً. إن نشوء الشيعة كتيار سياسي واضح كان في الكوفة في العراق، حيث كانت تسكنها قبائل عربية جاءت أغلبها من اليمن. لقد تطور ونما التشيع في مناطق عربية من الدولة الاسلامية كالكوفة والبصرة وبغداد وحلب في سوريا (دولة الحمدانيين) ، وفي مصر (الدولة الفاطمية).. إذن كانت كلها خارج نطاق فارس. وكما ذكرت آنفاً حتى القرن السادس عشر كانت إيران سنية المذهب. وأنت تعرف أن تطور المذاهب الاسلامية استكمل في القرون الهجرية الثلاثة الأولى. إذن التشيع نشأ وتطور بين العرب وفي بيئة عربية وليس بين الفرس ولا في إيران. لا يمكن اعتبار شخصيات كبيرة من الصحابة بأنهم غير عرب كالامام علي (ع) وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر ومالك الأشتر وغيرهم. لقد قرأت كثيراً من هذه الآراء ولكنها لا تصمد أمام النقد التاريخي. كما لا يمكن اثباتها تاريخياً.

المؤسسة الدينية الشيعية

هوفمان: ولكن المؤسسة الشيعية تختلف لأن في أنحاء العالم الاسلامي يسمى رجل دين بالشيخ، اما في إيران فيسمى آية الله.

- الاسلام السني له مؤسساته أيضاً. في الدولة العثمانية كان هناك منصب شيخ الاسلام. وكانت هناك مؤسسة دينية تضم آلاف المشايخ على مختلف الدرجات والطبقات، ويخدمون في الدولة العثمانية. وكان هناك مشايخ قضاة في الجيش العثماني، وكان هناك مستشارون حكوميون، وخطباء وأساتذة. وفي مصر هناك مؤسسة دينية هي الجامع الأزهر التي تضم الآلاف من رجال الدين والطلاب والمشايخ. ونفس الشيء حدث في العهد الصفوي الذي حكم إيران وأدخلها في التشيع، فقد تطورت المؤسسة الدينية وتوسعت في انشاء الحوزات العلمية ونظمت إدارتها ومواردها وعلاقاتها سواء بالسلطة أو الأمة. وأصبحت تضم آلاف الطلاب والأساتذة ، وصارت فيها مراتب وألقاب لتمييز العلماء والفقهاء. فلماذا لا تعترض على لقب (شيخ الاسلام) مثلما تعترض على لقب (آية الله)، فكلاهما لقب علمي ومجازي.

هوفمان: ولكن هناك اختلاف بين المشايخ الشيعة، فبعضهم يرتدي عمامة سوداء والبعض الآخر يرتدي عمامة بيضاء. إن اللون الأسود والأبيض يرمز إلى عقيدة النور والظلام الفارسية القديمة، عقيدة ماني.

- لا أعتقد أن قضية الملابس تهمك إلى هذه الدرجة. هي عادة اعتاد الشيعة عليها لتمييز السادة من ذرية الرسول (ص) الذين يحظون باحترام خاص. ولا تأثير لها لا في العلم ولا في اللقب ولا في تولي المناصب العلمية في الحوزات أو السياسية في السلطة والدولة.

هوفمان: ولكنك يمكنك أن تشاهد قليلاً من الأكليروس، وقليلاً من المانوية، وقليلاً من الغنوصية في الاسلام الشيعي أكثر من الاسلام السني. وكذلك الفكرة التي تقول أنك إذا كنت من نسل النبي محمد (ص) فأنت لديك حظاً أوفر لفهم الاسلام والقرآن وقراءة ما بين السطور، أي القراءة الباطنية.

- بعض المستشرقين الغربيين يرددون هذه المقولات الخاطئة، أمثال الفرنسي هنري كوربان Henry Corbin (1903-1978)  الذي يلصق بالشيعة توجهات باطنية وغنوصية وغيرها، ولكن هل اثبتها؟ أم أخذ يردد أقوال بعض الفلاسفة المتكلمين والشعراء الإيرانيين أمثال حافظ الشيرازي  وسعدي الشيرازي  وكلاهما من أهل السنة وليسا من الشيعة، فقد عاشا في إيران قبل أن تتحول إلى التشيع، كما أن الشاعر الإيراني الشهير سعدي الشيرازي من مريدي الصوفي السني الشهير عبد القادر الكيلاني.

لقد عاش الشيعة حالة الأقلية المذهبية في محيط سني سواء من حيث السكان السنة أو السلطة السنية. فلذلك سعى الشيعة إلى تنظيم مؤسساتهم الدينية بأنفسهم حتى باتت المؤسسة الشيعية ذات تأثيرات اجتماعية-دينية وكذلك سياسية-اقتصادية في الجماعة الشيعية. لقد افتقد الشيعة الحماية السياسية والاجتماعية فتعرضوا للاضطهاد السياسي والحرمان الاقتصادي والاجتماعي، لذلك كان عليهم أن ينظموا شؤونهم للتغلب على تلك الظروف القاسية. إن تنظيم وتقوية المؤسسة الشيعية تعود لأسباب سياسية وتاريخية، وهي تمثل رد فعل منظم على التهميش والاقصاء والعزل السياسي والاجتماعي.

هوفمان: لقد كنت بين الشيعة في البحرين فقط. وهم يعتقدون بأن صلاة الشيعي خلف الامام السني باطلة.

- هناك اختلاف في الاجتهاد، وهناك فتاوى متنوعة بصدد هذه القضية. فالامام الراحل الخميني قد أصدر فتوى يوجب فيها على الحجاج الشيعة الصلاة خلف السنة وبل وحتى الوهابية الذين يعادون الشيعة كثيراً. واليوم كل شيعي يؤدي مناسك الحج يصلي خلف الأئمة السنة.

ومع ذلك مازال بعض السنّة يهاجم المعتقدات الشيعية، فهم يوزعون الكتب والكتيبات التي توجه الاتهامات الخاطئة للشيعة. وبعض أئمة الجمعة والجماعة السنة يهاجمون الشيعة في خطبهم ومحاضراتهم، سواء في العالم الاسلامي أو في الغرب. ويقود الوهابيون السعوديون هذه الحملات ويولونها ويدعمون من يهاجم الشيعة. في هولندا تلتقي بالمغاربة وهم على المذهب المالكي، يصرحون بأن الشيعة كفار. فهم متأثرون بالحملات الوهابية المستمرة ضد الشيعة.

حول السيدة عائشة وأبو هريرة

هوفمان: السنّة يأخذون حوالي ألف حديث عن عائشة. فإذا فقدناها، فقدنا قدراً كبيراً من المعرفة حول الوضع المنزلي للرسول (ص) . وأنا لا أعارض قبول حديث يرد عن عمر أو أبو بكر.

- كلا، القضية ليست هكذا، فالشيعة  يقبلون حديث عمر ولكنهم يؤكدون على مدى صحة الحديث سواء في المتن أو السند. وأنت تعلم أن هناك أناس كثيرون قاموا بوضع آلاف الأحاديث ونسبوها إلى الرسول (ص). ولذلك أسس علماء السنة كتب الرجال وتراجم سلسلة رواة الأحاديث، ثم ميزوا بين الموثوق به والكاذب والوضاع. فهذا يشير إلى حقيقة أن الكذب على الرسول (ص) ووضع الحديث أمر واقعي.

لقد أمضى أبو هريرة مع الرسول (ص) سنتين فقط، فكيف تمكن من رواية آلاف الأحاديث؟ وكثير من هذه الأحاديث لم يسمع بها أحد غيره . فالخليفة عمر لم يرو أكثر من ثلاثمائة حديث. أما أبو بكر الذي هو أكبر الصحابة سناً ورافق الرسول (ص) من بداية الوحي في مكة وحتى وفاته، لم يرو سوى أحاديث قليلة. وكان النبي قد أبعده عن المدينة لكثرة مضايقته للناس والالحاح بالسؤال وطلب الحاجة. وأما الخليفة عمر فقد منع أبو هريرة من رواية الحديث . وفي أحاديث أخرى يروي أبو هريرة أنه أخفى بعض الأحاديث خوفاً من معاوية.

هوفمان: عندما زرت السعودية، وسألت الفقهاء مرة ومرتين: كيف صارت أحاديث عائشة تختلف عن أحاديث أبو هريرة؟ ألم يأخذا من نفس المصدر؟ إن لم يكونا قد شاهدا الرسول (ص)؟ فكانت الاجابة في كل مرة أكثر احباطاً لقد قالوا: أنت لا تتحدث مع المرأة بنفس الطريقة التي تتحدث بها مع الرجل. كان الرسول (ص) يحدّث عائشة وكانت ربما أكثر فهماً وعقلاً من أبي هريرة. أليس ذلك محزناً؟

- لقد رأيت بعض الأحاديث المروية عن السيدة عائشة تتعلق بحادثة الاسراء والمعراج حيث تقول: ما فارقنا جسد الرسول (ص).

هوفمان: ولكنها لم تكن متزوجة من الرسول (ص) آنذاك.

- إذن أنت فهمت ما أعني: كيف يمكنها التحدث كشاهد عيان عن شيء لم تشهده؟

هوفمان: هي لم تقل: أن جسد الرسول لم يفارقني، ولكنها قالت أن جسد الرسول لم يفارق فراشه.

- لقد قالت بذلك باعتبارها شاهد عيان على الحادث.

هوفمان: ربما سمعت منه ذلك، ولكنها بالتأكيد لم تكن شاهد عيان، بل نقلت الرواية كما سمعتها.

- ها قد بدأنا بالتبرير غير العلمي.

بعد انتهاء الحوار نهض هوفمان وقدم لي نسخة من كتابه (الإسلام في الألفية الثالثة ، ديانة في صعود) ثم أخذ قلناً وكتب لي إهداء جاء فيه :

(بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الأخ عبد الرزاق

مع أطيب الأمنيات

مراد هوفمان

إسطنبول ، 30 تموز 2001 )

 

ثم رافقني أثناء نزولي من الشقة وودعني في الشارع بأطيب الكلمات .


مشاهدات 826
أضيف 2023/01/03 - 4:45 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 6:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير