الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
يوم إلتقيت السياب وقرأت له

بواسطة azzaman

يوم إلتقيت السياب وقرأت له

 

 علي حداد

 

      لم ألتق السياب في حياته ، فقد توفي في 24/12/ 1964م  وكنت حينها في التاسعة من عمري . لقد تأخر لقائي به إلى مابعد أربع عشرة سنة قادمة ، لأتعرفه في شعره حسب، وأتعلق به وأديم قراءته باندهاش وإعجاب كبيرين ، حتى أني ـ وفي السنة الرابعة من دراستي الجامعية في قسم اللغة العربية ـ دخلت في حوار غير متكافئ مع أستاذ الأدب الحديث حينذاك الدكتور (عناد الكبيسي) ـ أطال الله بعمره ومتعه بالعافية ـ الذي أغضبه أني اعترضت على تناوله تجربة السياب كاملة في أقل من نصف محاضرة . لقد رأيت أن ضخامة تجربته ومغايرتها وتنوع مكتنزاتها جديرة بأكثر من محاضرة ، وإن من الإجحاف تناولها بهذا الاجتزاء الزمني المحدود.

      ويوم نشر الشاعر الراحل (سامي مهدي) دراسته المطولة عن السياب في مجلة (آفاق عربية)، متوقفاً عند ثقافته ، واصفاً إياها بالتقليدية ، وعند إمكاناته في اللغة الأنجليزية التي رآها محدودة ، وإن شعره لايستوفي منطلقات الحداثة إلا بمساحة بسيطة. يومها أثارني ذلك ، فعدت إلى المصادر والمراجع التي تبنت الحديث عن حياة السياب وشعره ـ وما أكثرها ـ استقصي المتعلق بتفصيلات ثقافة السياب المتسعة وقراءاته في اللغة الأنكليزية وترجماته منها ، فاستخلصت ذلك كله في دراسة مطولة ، عنونتها بـ (غصن أخضر .. أوراق متناثرة) ، وأوصلتها باستحياء متردد إلى مجلة (الأديب المعاصر) لسان حال اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ، فكانت فرحة غامرة أنها سرعان ما نشرت لي ، وأنا الذي كنت أعايش غضاضة تجربتي في الكتابة النقدية.

وفي مرحلة الدراسات العليا بقي المنجز السيابي شاغلي ، فكان اهتمامي بدراسة تجربته الشعرية وتمايزها في مسيرة الشعرية العراقية والعربية بعامة ، سواء في رسالتي للماجستير (أثر التراث في الشعر العراقي الحديث) أو أطروحة الدكتوراه (الشاعر العراقي الحديث ناقداً(.     وطيلة السنوات الأربعين اللاحقة ظل السياب ـ حياة وشاعرية ـ هاجس تناول أقف عنده كلما أستعيدت ذكرى رحيله عن الدنيا في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأخير لكل سنة، وراحت البحوث والمقالات والدراسات السيابية عندي تترى، مندرجة في عشرات من كتبي التي تناولت فيها الشعر العراقي الحدبث بعامة ، وأخرى خاصة بالسياب وحده مثل: (بدر شاكر السياب ، قراءة أخرى،عمان 1998 م) و(هو الذي رأى ... وقال ـ بدر شاكر السيّاب في متونه وشجونه ، الكويت 2016م ).

(2)

تتواتر على الباحث والقارئ الفاحص في مسيرة عمره القرائي المتواصل كتب ودواوين شعر وروايات كثيرة ، يمر على بعضها مروراً عجلاً ، ويكتفي بالمرة الواحدة من القراءة لبعضها الآخر. غير أن هناك أخرى سواها يستحيل وجودهاعدة قرائية لا يستغني عنها في كل الأحيان والأماكن ، لما فيها من عمق خصيب وتجليات بوح ، ومدد لاينقطع تأمله ومقاربته والكتابة عنه. وإذا كانت لكل دارس حصته المرجعية من تلك الكتب فلا أظن أن ناقداً حصيفاً أو باحثاً رصيناً في المنجز الشعري الحديث لايحمل شعر السياب على متن تلقيه الدائم . وهذا ما كان لي مع ديوانه ـ الصادر عن دار العودة بجزآين ـ الذي لا أنقطع عن التردد الدائب عليه ، حتى أني ـ وحين غادرت العراق عام 1995م ـ كنت أحمله معي . ولما أعترض ضابط التفتيش في الحدود على إخراجه رجوته أن يسمح لي به ، أو يأمر بإعادتي من حيث أتيت معه . وقد استغرب عرضي ، في ذلك الزمن الذي كان لايجتاز الحدود فيه إلا من أوتي حظاً طيباً، وقال أن بإمكاني أن أحصل عليه من مكتبات البلد الذاهب إليه ، فأخبرته أن نسخة الديوان هذه رافقتي منذ عشرين سنة ، وهي ممتلئة بالإشارات والملاحظات التي لا غنى لي عنها . وهكذا اقتنع وأعاد دسّ الديوان في حقيبتي محاذرا ألايراه الآخرون.   

(3)

أتساءل ـ كغيري ـ ممن شغلته ودائع السياب الشعرية : هل بقي في قوس تلك التجربة المفصلية الكبرى في مسار الشعرية العربية ـ وبعد ما يقارب الستين من سنوات التدارس والفحص والتقصي ـ من منزع لقوس قرائي جديد ؟وأجد الإجابة في ديوانه المشرع الآن بين يدي تأملي : نعم ما يزال هناك الكثير مما يمكن  للتمعن القرائي الجاد أن يقف عنده، لاسيما حين يأتيه مستفيداً من أجد المنهجيات وآليات القراءة، ومنها (الدراسات الثقافية) التي يمكن من خلالها تفحص متون السياب الإنسانية والشعرية وتعالقاتها بمرحلتها ومتحققها السياسي والثقافي العراقي المحتشد بالمتغيرات. وبالإمكان العودة إلى معظم قصائده عبر آليات (النقد الثقافي) بحثاً عن تجليات (المسكوت عنه) فيها بإزاء معلنها القرائي الذي كرّت عليه كثير من الدراسات، وبما يمدنا بكشوفات جديدة عن طيات متنه الشعري الذي لم تقاربها القراءات بعد ، وصولاً إلى تيقنات ربما تكون مغايرة عن شاعرية السياب التي وقفت بفرادتها في مرتقى إبداعها ، لتواجه كثيراً من التجارب الشعرية المعاصرة لها وتستفزها أو تحفزها لمجاراتها ، وما زالت تفعل ذلك مع أجيال التجارب الشعرية اللاحقة حتى اليوم.


مشاهدات 930
أضيف 2022/12/24 - 1:59 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 6:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير