الفساد الصحي بين خرق المنظومة المجتمعية وضعف المطرقة الحكومية
طبيب: علاج المرضى قضية لا علاقة لها بالإنسانية
بغداد - ابتهال العربي
عبرت الملاكات الطبية عن الإمتعاض من إنتقادات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للخدمات الصحية والعلاجية، خلال زياراته لمستشفيات بغداد، وبضمنها مستشفى الكاظمية، حيث تناقلت وسائل التواصل فيديو قال السوداني فيه : "حتى الصاحي اللي يجي هنا يتمرض، الله لايوفقنا على هذه الخدمة"، ذلك اثناء جولته المفاجئة، وطلب الإطلاع على جدول المناوبات للفرق الطبية في المستشفى، ذلك مااثار إستياء البعض ممن لايمتلكون حساً إنسانياً ويُشبِّهون مهنة الطب بالبقالة والفيترية ! ، في وقت اضحت المستشفيات بلا خدمة، والعيادات الخاصة مراكز للإستثمار، والمريض بلا إهتمام أو ورعاية ولا دواء شافي او معاينة دقيقة. وقال أحد الأطباء في فيديو على إحدى صفحات مواقع التواصل، ان (مهنة الطب لاعلاقة لها بالإنسانية، هي مهنة لاتختلف عن المهن الأخرى، والطبيب مثل الفيتر والبقال، ويكمل قوله: حجي انتو فاهمين الموضوع غلط، فالطب مهنة ربطتها الناس بالإنسانية، لأنها تتعلق بصحة الناس، واستدرك بالقول: متى تكون انسانية؟ عندما ترى شخصاً مغمى عليه بالشارع مثلاً، اما في المؤسسة فأنا موظف استلم الراتب مقابل علاج الناس، وهو واجب اقوم به بعيداً عن الإنسانية)، واضاف (المريض يسلمّني مبلغ الكشفية اعالجه وخلص)، وثار الحديث لغط وغضب كبيرين، كونها حالة إستثنائية تمثِّل الخروج عن قالب الرحمة والمبادئ التي اعتدنا عليها، فالمعروف ان الطبابة عملية تتعلق بصحة الإنسان مايتطلب الشعور بالإنسانية تجاه المريض سواء معنوياً او مادياً، فالطبيب يتعامل مع البشر، وليس فيتيرياً يتعامل مع الة او مكينة. وبعث المواطن اسماعيل ابراهيم العدل، رسالة خطية الى (الزمان)، ناشد فيها رئاسة الوزراء ووزير الصحة، بوضع حد حازم لفساد العيادات قائلاً: (اصبحت المستشفيات بدون خدمة صحية للمرضى، لاسيما ذوي الأمراض المزمنة، مشيراً الى انها اصبحت تمثّل ثقلاً مالياُ على الدولة وتكلّفها مليارات تُصرف على ايجارات الدور والأجهزة المهجورة والمولدات والكاز ورواتب العاملين والحراس، مقابل ذلك المريض لايخضع للفحص والمعاينة السريرية الدقيقة)، واضاف ان (الأطباء المهنيين هربوا الى الخارج، وبقي البعض منهم يأكلون من لحم الفقير).
الطب تجارة
وقال المواطن علي الكرادي لـ (الزمان) ان (حال الدنيا انقلب، الفساد انتشر وتنوع، بالأمس كان الطبيب همه علاج المريض بأقل التكاليف والبعض لايكلّف المريض الا بمال بسيط او احياناً مجاناً، بخلاف اليوم اصبح الطب تجارة وهذا مانشاهده في المستشفيات والعيادات والصيدليات، فضلاً عن ذلك هنالك ازمة حقيقية وكبيرة في ارتفاع اسعار الأدوية، الى حد مبالغ فيه فالطبيب والصيدلي اصبحا مليارديرية، وان غياب الرحمة والإنسانية عن القلوب وحب الذات والمال جعل من مهنة الطب ان تتحول الى مشروع تجاري)، من جهتها المواطنة سما الخالدي ذكرت (المستشفى الحكومي غير نظيف ولايمتلك فرق طبية كافية، وتتكلم مع اي طبيب تجده منفجراً بالعصبية في وجه المريض، كل ذلك والأدوية غير متوفرة)، مبينة ان (اي عائلة لديها مريضاً في مستشفى حكومي، مجبر على توزيع رشاوي صغيرة)، موضحة انها (مبالغ يعطونها اصحاب المرضى الى الممرضين او الممرضات لكي يسهلون الإجراءات او يسرعون في معالجة المريض، ودون ذلك يُرمى المريض في المستشفى)، وبينت ان (هذه الحالة ليست جديدة، لذلك الناس تلجأ الى المستشفيات الخاصة وهذا اول طريق التجارة، مشبهة النظام الصحي بالتعليمي الذي تحول من التدريس في المدارس والجامعات الحكومية الى الأهلية).
واوضحت الطبيبة مها المندلاوي لـ (الزمان) ان (الطب كان ولايزال مهنة متعلقة بالناس لاتفترق عن الإنسانية، وهنالك من يروج لتحويل الطب الى مهنة مجردة دون قيمة عالية تحيي فرداً من الناس ويقول الله تعالى: "ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً"، مضيفة استغرب من قول البعض وفعلهم المشين عبر التجارة بالطب، فواجب الطبيب يفرض عليه ممارسة مهنته بإنسانية ورحمة ووضع مصلحة المريض فوق كل شيء وكل مصلحة)، وبينت ان (مهنة الطب ترتبط بالقانون، كونها تمس حياة الناس وصحتهم مايجعلها على صلة وثيقة بحقوق الإنسان، مؤكدة الطبيب بإمكانه قتل المريض او احياءه ، ومنحه حب الإستمرارية في العيش من جديد، وهذا مايسمى بالتعاطف الذي يكون بعيداً عن الأطباء التجاريين ذوي النفوس السامة السوداء والدنيئة لأنهم ينظرون لمصلحتهم الذاتية ولجمع الأموال من ارواح وصحة الناس الضعيفة)، واشارت المندلاوي الى ان (دور الطبيب هو معالجة المريض وليس إلحاقه بالضرر، فالولاء المطلق يجب ان يكون للناس وليس لشركات الأدوية والأجهزة الطبية والرشا وفساد المؤتمرات الطبية، بهدف الربح المادي على حساب المواطن).
منظومة اخلاقية
إن الطب يتحول من معالجة آلام الناس الى ممارسة التجارة بشهادة علمية، تزامناً مع العطل في المنظومة الأخلاقية، وقساوة القلوب، وضعف السلطة القانونية، من جهة اخرى فإن مهنة الطب اصبحت كرة في ملعب الحكومات والمؤسسات واصحاب النفوذ والشركات الكبرى، مايجعل المصالح المشتركة تفرض شراء وتسويق ادوية وعلاجات بأسعار غالية لإستنزاف اموال الناس، ومن جانب اخر فإن العملية العلاجية بدءاً من الكشف ثم الفحص الى صرف الأدوية صارت شبيهة بعمليات السطو المسلح الذي نشاهده في افلام الأكشن، واشبه بالتعنيف القهري، مايفرض على الحكومة التدخل وإتخاذ حلول عاجلة بتخفيف الضغط عن المواطن ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه العبث بحياة الناس وصحتهم، ومعاقبة المتاجرين بمهنة الطب وإحباط الإتفاقات والصفقات الفاسدة في المجال الصحي والطبي.