الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدستور .. وثيقة سياسية أم عقد إجتماعي منظم ؟

بواسطة azzaman

الدستور .. وثيقة سياسية أم عقد إجتماعي منظم ؟

 مزهر الخفاجي

 

لقد عرف الدستور منذ عهد المشرع اوركاحينامنذ مطلع الالف الثالث قبل الميلاد ومروراً بقانون اورنمو او قانون أشنونا أولبت عشتار ، او قانون حمورابي ا قانون صولون او اي اصلاحات تاريخية …إنما يعني هو ذلك السفر الذي نتجت عنه مبادئ او قوانين الحكم ،وأصلت بعض الموسوعات في تقريب معناها فقالوا أن (العقد الاجتماعي - الدستور ) القاعدة الاساسية للحكم …أو هيمجموعة القواعد الأساسية التي يُتفق عليها لتكون اساسا ومصدر من مصادر الحكم ..ولكي لانسهب في تحديد تاريخ الظهور الدساتير أو تفسير المعنى فإن كلمة الدستور  ظهرت بحدود الألف الثالث قبل الميلاد وأطلق عليها مصطلح التشريعات حتى رُسيخ مفهومه في

 القرن الرابع عشر الميلادي إنما وقد جاء في تأصيل مفهوم الدستور المعاصر أنه دلالة  التدابير التشريعية الصادرة عن الحاكم أو الملك كما أنها كانت تدل في بعض معانيها الى القانون أو مجموعة المبادئ الأخلاقية التي تعارفت  عليها الجماعة السياسية - المواطنين في تحديدها لقواعد وشروط إعتلاء الحكم او العرش او استلام مقاليد السلطة وقد عرف فقهاء القانون المعاصرين أخيرا أن الدستو….من انه  المدونة المنظمة لنظام الحكم في الدولة وسلطاتها ومؤسساتها الدستوريةوحقوق الافراد السياسية وحرياتهم وضماناتها ..و لإننا صرنا اسيري السياق التاريخي فلابد ان نذكر ان هناك اختلافاً في تعريف الدولة عند الفقهاء المعاصرين فيعتقد (هامبراس) في كتابه مابعد الحداثة ان عدم التميز بين السياسي والاجتماعي في العصور القديمة او الوسطى سواءاً عند (ارسطو) و عند (الاكويني) والمقصود به ذلك الخلط بين اهل المجتمع المدني هذا المكون الاساسي للدولة ام الجماعة السياسية والشيء الاكثر ان المدونة السردية السياسية …كانت تربط مفهوم الدولة بالجماعة السياسية … وهذا الأمر قد تغير في مطلع القرن السادس عشر الميلادي والذي ترافق مع  نشوء مفهوم الدولة الحديثة الذي حاولن أن يأصل او ان يربط وجود الدولة الحديثة بالسيادة ثم تنامى مفهوم الدولة المعاصر بعد ذلك  بتوافر الفكر الاقتصادي والسوق ووضعه قبل الدولة قبل أن يستقر في الاخير ونقصد (مفهوم الدولة)  وليتحول الى رمزاً الحركة السياسية ظل نظام الدولة كما يقول (Laurent ,Bovet) ولكي لانسهب مرة اخرى نقول ان الدولة ونظامها تقضتي توفر عناصر او ضمانات لبقائها .

أولاُ / وجود دستور- عقد اجتماعي : كونه الضمان الاول من ضمانات خضوع (الدول ،الجماعة السياسية ، الشعب  ) مجتمعاتها للقانون ويجب ان يكون فوق الجميع (طوائف ، اعراق ، احزاب) لانه يحدد نظام الحكم في الدولة.

عقد اجتماع

ثانياً/ ضرورة إحترام مبادئ هذا العقد الاجتماعي (الدستور) من خلال احترام مبادئ الفصل بين السلطات ..وإن نجاح هذا الدستور بفصل اختصاصات كل سلطة عن الاخرى ويمنع تغول أحدها على الأخرى ،على أن لايكون الفصل تاماً وأن يُخلق شكل من التوازن لضمان احترام اختصاصات كل سلطة ولأستمرار العمل في جسد الدولة كما يقول (مونتيكو) "ان السلطة فوق السلطة" .

ثالثاً/ ان الضمان الاكيد لشيوع العدل واستمرار مقاومة الدولة المدنية للأزمات إنما يكمن في سيادة القانون وهذا يعني احترام السلطة التنفيذية للعقد الاجتماعي الذي ابرمته مع افرادها في ماتقوم به من اجراءات إدارية مراعية فيها القواعد القانونية ، التي كفلها الدستور وتبانت عليها الجماعة السياسية والمجتمع .

رابعاً / أن الدولة المدنية …. وكجزء من احترامها للحرية في عقدها الاجتماعي …وتبنيها (التداول السلمي للسلطة) يتطلب إحتراماً لمباديء الديمقراطية ..كونها حق للأفراد

وليس حق للطائفة او القومية او المناطقية او للجماعات بل ان رسوخ العقد الاجتماعي وبقائه عنصراً في إستمرار نظام الحكم يكمن في إعتراف الدساتير بالحقوق الفردية وإعانتها ، إذ ان الحقوق الفردية للأفراد هي ضمان لهم الحق في التمتع بحرياتهم الشخصية …هذا الحق فرض على الدولة المدنية حد ادنى من الحياة الكريمة لجميع المواطنين .

خامساً /وقد اقتضت الدساتير -العقود الاجتماعية ، ضمان حق الرقابة للمؤسسات التشريعية …والتزام السلطات الرقابية بقواعد الرقابة المنصوص عليها في الدستور والقانون المنظم لعمل هذه السلطة  .

وقد اشترطت هذه الدساتير حق الرقابة على اداء واسلوب وطبيعة ادارة السلطات التشريعية لواجباتها بإعتبار (سلطة الرقابة البرلمانية -الشعبية الأعلامية ) حق تكفله الدساتير الدولة المدنية وهو ضماناً حقيقياً للأفراد بأعتبارها هيئات مستقلة عن الهيئات الحكومية الأخرى ، يتم اللجوء اليها في حالة تلكئ الدولة في اداء مهامها ،والحاقها الضرر في حاجات مجتمعاتها او استخدامها سلطاتها بصورة تعسفية او اعتباطية او تخليها عن دورها المناط بها قانوناً ، هذه المبادئ الخمس ربما هي جوهر المبادئ الاخلاقية والسياسية التي أقرتها الدساتير واعُتبرت عقداً اجتماعياً وميثاقاً ملزماً للحاكم (الجماعة السياسية - الشعب ) …وهي التي كانت عنصراً حاسماً في الزام كلا الطرفين حاكماً ومحكوماً

أ-ترسيخ مجتمع الدولة الحديثة .

ب-في تنامي مهامها واطلاعها على واجباتها .

ج-في نجاح تجربتها الديمقراطية وتداول الجماعة السياسية سلمياً للسلطة فيها .

أما  دستورنا …والذي جاء كنمو غير طبيعي لدساتيرنا الخمسة السابقة منذ دستور 1925- 2005ذهب الكثير من فقهاء القانون ومؤرخو التاريخ السياسي للدولة العراقية وحتى الكتاب الذين كتبوا مدونة دستور عام 2005 …الى أن الجماعة السياسية  تقصدت فيه  (كتل ،احزاب، زعامات) الى التباني في المدونة الاي اسمتها الدستور والذي كُتب بين مطرقة الاحتلال - وسندان الاحزاب جعلها وكانها تبدو كوثيقة سياسية في موادها ( المائة والاثنين واربعين ) وليس دستوراً ناضجاً او عقداً إجتماعياً واخلاقياً وسياسياً واقتصادياً منظماً …يضع العراق على الطريق الصحيح في مساره السياسي …وفشل الحفاظ على هويته الوطنية المدنية ، ويحافظ على وحدته السياسية ويعزز  دوره السياسي والتاريخي … وساهم بسبب الربكه في تحديد مفهوم المواطنة والمكون والاقليه  والاغلبيه - في زعزعة السلم المجتمعي …واخيراً الى تشويه التجربة الديمقراطية واذا اردنا ان نعدد مثالب وعورات ( الوثيقة السياسية ) التي اطلق عليها دستور العراق اطلق عليها دستور عام 2005 واليكم بعضها .

أولاً / إن ديباجة دستور العراق لعام 2005 ومواده الكثيرة تعاملت مع مفهوم الدولة الوطنية التي عمرها اكثر من مائة عام  …كونها دولة مكونات وطوائف وأعراق ، وإن دليلنا على ذلك  الباب الاول - المبادئ الاساسية وتحديداً المادة (1) والتي أقرت ان جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة ، الحكم فيها جمهوري -نيابي-برلماني-ديمقراطي- وضامناً لحقوق أفراده …وهو دولة برلمانية ديمقراطية .

في حين ان مواداً أخرى …قد ذكرت مصطلحات كرست مفهوم (النزاع) كما يرد ذلك في وصفها للتداخل الجغرافي الأثني بالمناطق المتنازع عليها.

والامر الثاني :ان وحدة العراق التي تم التباني عليها …قد هُددت بمطالب الأستقلال والاستفتاء والاقلمة

ووصل الأمر أن البعض يرغب في ان يتخلى من التزاماته السياسية والقانونية والوطنية من خلال التحول شيئا فشيئاً الى "الكونفدرالية" او فكرة أقلمة (الاقليم السني ) وحتى الذهاب للتنظير لمفهوم (نظامين في دولة واحدة) وأن الشائع في دستور عام 2005 تغييباً. واضحاً لمفهوم الوطن والمواطنة لحساب مفهوم المكون والفدرلة والاغلبية الغير وطنية حتى شاع مفهوم ان الاعراف السياسية تعلوا على علوية الدستور وان تجاوزت عليه او عطلته او فسرته هذهِ الاحزاب لمصلحتها .

ثانياً/ وتأكيداً لمصطلح ان ماتم التوقيع عليه لم يكن دستوراً بل (وثيقة سياسية ) ولم يكن عقداً اجتماعياً يرسخ بناء دولة مدنية حديثة هذا الارتباك في ترسيخ مفهوم الفصل بين السلطات ، نجد ان حكوماته الاربع كانت قد شهدت تغول او تطاول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية …وجمدت دورها في انقاذ القانون ..كما أننا شهدنا في فترة أخرى تغول السلطة التشريعية (البرلمان) على السلطات التنفيذية والقضائية والوقوف بوجهها للحد من دورها في النهوض بالعراق وتحقيق مشاريعها وبرنامجها الحكومي لأسباب حزبية وسياسية وطائفية وانتخابية او شوفينية بحتة .

ثالثاً/ كما اننا وجدنا ان الدستور وصف او فهم عند اغلب قادة العملي السياسية كونه وثيقة سياسية وليس عقداً اجتماعياً منظماً لشكل العلائق بين مؤسساته الثلاث  تمثل في عدم تجاور مؤسساته التنفيذية  والتشريعية وحتى القضائية اعرافها السياسية والتخادم بينها فهي لم تنجح الى الآن ونقصد القوى السياسية بالانتقال يالدستور من فضاء المكون الى فضاء الوطن ومن خندق الطائفه والقوميه الى خندق الوطنية الجامعة  فلم يتحول مفهوم الدولة في وثيقتهم السياسية من دولة المكونات والاحزاب الطوائف إلى دولة المدنية الحديثة التي ينظم عملها الدستور  وتفسير المادة (76) وتفسير الكتلة الاكبر وكذلك عجزت في إنفاذ قانون النفط والغاز الذي اصدرته المحكمة الاتحادية في ايلول عام 2022 …وكذلك في إنفاذ قانون الأحزاب على صعيد (التمويل) ، واخيراً تفشي الفساد والذي يعُد مؤشراً كبيرا.

على انسحاب الدولة ومؤسساتها القضائية والقانونية عن محاسبتها للفاسدين في الدولة ، وزراء ومسؤولين وموظفين كبار ….وهذا الأمر رسخ فكرة التطــــــاول على العقد الاجتماعي وعلى مفهوم سلطة الالتفاف السياسي على مفـــــهوم إنفاذ القانـــــون في دولته الديمقراطية .

رابعاً/ وان الدليل الأخر على شيوع فكرة -تحول الدستور من مفهوم العقد الاجتماعي -الى فكرة الوثيقة يكمن في إشاعة الأعراف السياسية والطائفية والقومية في موضوع توزيع المناصب السياسية ، وهو دليل قاطع على الفهم الخاطئ للقوى والاحزاب السياسية لمفهوم الديمقراطية …والتي أكدت الكثير من مدوناته من ارسطو وحتى مونتسيكو ، وجان بلودان ، على أنها حق للفرد وليس حقاً للمذاهب والقوميات والطبقات او العوائل ، وإن التجاور لهذا الفهم قد جعل من الديمقراطية مطية سهل يركبها (العوائل ، المال الفاسد ) فتحول العراق من مفهوم الدولة المركزية الى مفهوم دولة الطائفة او الاقطاعية او الدولة العائلية والتي دفعت بها الزبائنية السياسية المتمثلة في الكانتونات السياسية ، وهذا الاداء السيء والفهم القاصر للديمقراطية …قد ضعف من ميل الناس لها وجعلها تشك في نوايا وثيقتهم السياسية المتخادمة.

مفهوم الرفاهية

خامساً / إن تسيد مفهوم الوثيقة السياسية على مفهوم الدستور او العقد الاجتماعي المنظم لعمل الدولة وخدمة مجتمعه …إنما يكمن في غياب مفهوم الرفاهية والتي أقرتها الدساتير العالمية الحديثة …وتحديداً الدور الكبير لبرلمانها في الدفاع عن حقوق ابناء الشعب …وتغاضيها للعديد من التجاوزات على المال العام وحق افراده في الخدمة والعيش الكريم … وان واحدة من اسباب ضعف هذا الأداء وغياب السلطة الرقابية والقضائية وتراجعها الى الحد من تغاضيها على الكثير من جرائم( تهريب الأموال ، مزاد العملة ، سرقة اموال الامانات الضريبية ، وتهريب النفط ) إنما يعود الى ان الفساد محمي سياسياً وان التخادم الطائفي والعرقي والمناطقي شوه ..الديمقراطية بحق …وشرعن السرقة …وزحزح من ثقة الناس بالديمقراطية التي أصبحت غطاءاً للسُراق .

بعد الذي قلناه …نحتاج الى ان يعترف سياسينا والممسكين بالسلطة والمشتغلين فيها ان يعترفوا ان الوثيقة السياسية ، التي اطلقوا عليها مصطلح دستور ، انهم اسائوا تفسير او تأويل مواده مما جعله معوقاً اجتماعياً وليس عقداً اجتماعياً منظماً للعلائق بين قواه السياسية الحاكمة لجماهير الشعب …يساهم في نهضة العراق العريق الذي يشهد بريادته القاصي والداني …وينهَّل من مدوناته التشريعي والقانونية والادبية والمعرفية ..الكثير والكثير .


مشاهدات 687
أضيف 2022/12/11 - 4:57 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 4:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 11528 الكلي 9362065
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير