624 ساعة في موسكو عاصمة الجليد
عماد آل جلال
من على متن الطائرة الكبيرة المتجهة الى موسكو كنت انظر من النافذة الى تضاريس الارض وتغيرها من منطقة الى اخرى، وفي الشاشة الصغيرة امامي أقرأ بين آونة وأخرى المعلومات المتغيرة عن سرعة الطائرة وإرتفاعها والمسافة المتبقية اضافة الى درجة الحرارة، حاولت مرارا التقاط بعض الصور من خلف النافذة لكن جناح الطائرة الكبير كان يعيق مهمتي أحيانا، مع ذلك يبدو أني نجحت في الحصول على بعض الصور المميزة.
مددت يدي لأسحب المجلة الموضوعة في مشبك المقعد امامي كانت تحتوي على اعلانات مثيرة عن العطور والساعات ومحافظ جلد واجهزة كهربائية، أعدت المجلة الى مكانها. أكثر ما كان يقلقني هو طول المسافة بين الدوحة وموسكو كانت الشاشة الصغيرة تشير الى الوقت الكلي والوقت المتبقي، خمس ساعات ونصف الساعة، يشعرك الوقت بالملل لذا وجدت أن لا بديل أفضل من مشاهدة فيلم كوميدي ربما يأخذني الى مكان آخر ويخفف الشعور بالملل، في هذه الاثناء حظيت بوجبة غداء دسمة مع الشاي الاسود الذي اعتدت على شربه بعد كل وجبة، مرت ساعات وفجأة رن جرس التنبيه ليعلن الكابتن عن بدأ الهبوط في مطار (دوموديدوفو الدولي) وهو أحد أكبر المطارات بالقرب من موسكو.
لسعة برد
ما إن حطت الطائرة على أرض المطار أحسست بالبرد، بعض الركاب كانوا قد تهيأوا لجو موسكو، اما الاخرين القادمين من بلاد الدفء في الخليج العربي كانوا بملابسهم الصيفية، سحبت الجاكيت الذي دسسته في الحقيبة الصغيرة تمهيدا للخروج من المطار الى حيث نقيم أنا وصديقي الدكتور ضياء محمد حسن.
لم يك أحداً بأنتظارنا ركبنا أول سيارة تكسي صادفتنا الى فندق (بيتا) الذي يبعد بحدود سبعين كيلومترا عن المطار أنشغلت خلال الطريق بمشاهدة الغابات والابنية الشاهقة ومناظر الاحياء التي تبدو ليلا اشبه بلوحة زيتية من صنع الخالق الجبار.
في صالة الفندق
مر الوقت مسرعا وصلنا الى صالة الفندق في ساعة متأخرة من الليل، بعد اكمال الحجز صعدنا الى الطابق رقم 24 لنستلم الغرفة التي ستكون مقرا مؤقتا لحين أختيار المكان المناسب، صباح اليوم التالي تناولنا الفطور وخرجنا لأكتشاف المنطقة المحيطة بالفندق وأذا بمفاجآت كثيرة تصادفنا منها إن الفندق الذي نقيم فيه هو ضمن مجمع مكون من ثلاثة فنادق متشابهة هي (بيتا وكاما والفا) يتكون كل فندق من ثمان وعشرين طبقة تضم مطاعما وصالونات وقاعات للأجتماعات والرياضة وكافتريات وغيرها، اضافة الى الملاهي الليلية والعروض الروسية من الفلكلور الشعبي.
البحث عن المطاعم الشعبية
ستة ايام أنقضت بسرعة مذهلة موزعة بين مجمع الفنادق والباركات ووسط المدينة والمتاحف على وفق الجدول الذي تعده لرحلتك، خلال تلك الايام أكثر ما أزعجنا هو البحث عن الاطباق الروسية في المطاعم الشعبية والسياحية، لا شيء يشبه المطبخ العراقي سواء في الطعم أم طريقة التحضير، فضلا عن وجود لحوم محرم على المسلمين أكلها، لكن لا بد من البحث عن حل وسط أو تحمل الجوع وبين هذه وتلك أخترنا المطاعم العالمية التي تنتشر في ارجاء ومولات موسكو فعوضنا ما فات من ايام المعاناة بحثا عن وجبة شهية، تغير الاحساس بعد ذلك من الاندهاش والاعجاب الى التكيف والاختيار.
البحث عن شقة
في أحد الايام وبينما كنا في الساحة الحمراء الشهيرة أنشغلنا بالبحث عن سكن جديد أقرب الى المركز سيما ان موسكو مدينة كبيرة جدا وهي عاصمة روسيا وأكبر مدينة من حيث عدد السكان، بحثنا عن مكاتب سياحية فربما تساعدنا في ايجاد سكن جديد مر الوقت مسرعا ولم نحصل على شيء وبسبب "قداحة السكائر" وقعت انظار صديقي على فتاة رشيقة القوام فارعة الطول تشبه الفنانة التركية الجميلة هاندا ارتشيل متكئة على الجدار الحديدي الذي يلتف حول حديقة مزينة بالورود الملونة وهي تمسك سكارتها وتنفث الدخان برفق يناسب جمالها وأنوثتها، سار ضياء باتجاهها طالبا منها اشعال سكارته، طبعا هو يتعمد عدم حمل أي جداحة برغم أنه مدخن من النوع المزعج، ذلك لأن الجداحة تعد الوسيلة المفضلة للتعارف مع جميلات موسكو، هن لسن من النوع المنغلق أو المتحفظ بإمكانك ان تتحدث بأدب مع أية فتاة وسترد عليك بلطف سواء بقبول حديثك أم برفضه، المهم بادرها ضياء بالسؤال عن طلبنا لشقة سكنية وسط المدينة، نظرت الى ساعتها ثم بدأت تتحدث معه، لتتعرف على طلبه، فقالت لنا أنني لست صاحبة مكتب لكن ممكن أن أساعدكم للحصول على السكن من خلال النت لافتة أنظارنا الى وجود مواقع خاصة لهذا الغرض، في هذه الاثناء جلسنا في المقهى القريب لأحتساء القهوة أو الشاي جلسنا في أحدى الطاولات القريبة في مكان دافىء هروبا من البرد، باشرت إنستاسيا على الفور بالاتصال بعدد من الهواتف المتوفرة وكان الوقت يمضي دون جدوى بعد اقل من ساعتين أعتذرت بأدب لأن زوجها سيصل ليقلها الى حيث عزومة الغداء التي تنتظرهما.ودعنا انستاسيا التي سُرت بالتعرف علينا على أمل أن نلقاها وزوجها في وقت آخر.
كل شئ مدهش
عدنا الى حيث كنا في فندق الفا وفي الطريق كنت أشاهد الحدائق والشوارع والتنظيم الراقي وسلوك الناس، كل ما حولي مدهش للغاية وينم عن ذوق جميل، كنت ابحث في موقع كوكل عن اية معلومات عن موسكو، فهي من أكبر كيانات روسيا الاتحادية ومركز السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والمال والتعليم والنقل في روسيا، وهي ايضا سابع أكبر مدينة حسب عدد السكان إذ بلغ في عام 2016 خمسة وعشرين مليون نسمة.
تقول المعلومات في "محرك كوكل" إن موسكو تقع على نهر موسكفا وتبلغ درجة الحرارة في الاقليم حوالي تسع درجات مئوية في يناير و 19 درجة مئوية في يوليو، يحتل إقليم موسكو (44,379) كيلومتر مربعا. تغطي الغابات 42? من مساحة الأرض مما يوفر للناظرين فرصة التمتع بالمناظر الخلابة والبحيرات الصناعية التي تمتد الى مساحات شاسعة هنا وهناك.
مساحات خضراء
المساحات الخضراء تغطي معظم المناطق في موسكو مما تضفي عليها صبغة جميلة محببة للناظرين. صديقي في الرحلة الدكتور ضياء يصر على الذهاب الى الباركات يوميا، فيما كنت امتعض أحيانا من إصراره هذا، مع ذلك أجد نفسي مضطرا لتلبية طلبه في أكثر الاحيان مداراة لعمره ووضعه الصحي، كما أني لم أكن قادرا على التحرك بمفردي في جميع المناطق بسبب اللغة الروسية الطاغية، أما ضياء فقد تعلم الروسية عندما كان طالبا في جامعتها.
ولكي أكون موضوعيا تعد الباركات في موسكو إعجوبة في التصميم والمنشآت والحدائق الغناء ووسائل التسلية والمطاعم التي تنتشر فيها الورود الملونة في كل مكان، ولا يمكن غض النظر عن النظافة، وبعد ذلك يمكنني القول أنك لا تمل منها مهما أكثرت من زياراتك اليها لانك في كل زيارة ستكتشف شيئا جديدا، فلا غرابة بعد ذلك ان تكون موسكو قبلة للسياح، فهي تضمّ الكثير من الخدمات السياحية، من مرافق خدماتية مثل الفنادق الفاخرة، ومراكز التسوق، بالإضافة إلى أكثر من 400 متحف، و200 معرِض فني، 129 مسرحا، و 96 مُتنزهاً، و18 حديقة، وتبلغ المساحة الإجمالية للمساحات الخضراء في المدينة 450 كيلومتراً مربعاً، و100 كيلو مربع من الغابات؛ لتكون بذلك واحدةً من أجمل المدن. ويرتاد هذه المناطق الآلاف من الزّائرين يومياً، وذلك للاستمتاع بجمالها، والرّقص، واللّعب، ومن أشهر الباركات حديقة غوركي، وحديقة الثقافة، ومتنزه ليسوبارك، ولزمايلوفسكي، وفيلي، وسوكولنيكي بارك، وسيني أوستروف، قاعات الأسماك، والحديقة الوطنيّة.
لم تقبل الدعوة
كنا نهتم بممارسة الرياضة اثناء تجوالنا في شوارع وممرات الباركات بتأجير عربة صغيرة تعمل بنفس ميكانيك الدراجة الهوائية، أما اذا رغبت بالتمتع بقسط من الراحة فما عليك الا ان تختار مقعد جلوسك لانها كثيرة وبأشكال متعددة ومتوفرة في جميع الاتجاهات، كنا اثناء السير العشوائي في الممرات نتفاجئ في كل مرة ببركة ماء تنتصب وسطها نافورة جميلة اضافة الى الاكشاك الصغيرة التي تبيع "الايس كريم" والسكائر والمشروبات الحارة والباردة ولم ينس المصمم ان يختار المكان المميز للمطاعم التي في الغالب تقدم الماكولات الروسية الشهيرة مثل ( البورسشت، الملفوف الروسي، ستروغونوف، الشاشليك، الكنيش، البيلميني، اضافة الى السلطات الروسية الشهيرة ) في أحدى المرات أعجب صديقي ببائعة في كشك صغير، فحاول دعوتها على وجبة عشاء لكنها ردت مع ابتسامة وأدب شكرا للدعوة لي صديق لن افرط به. وخلال تجوالنا اكتشفنا مطابخ عربية وأوزبكستانية وأذربيجانية جميعها تتمتع بشعبية كبيرة، حيث يُقبل عليها أبناء الجاليات العربية المقيمة في موسكو والسياح العرب. كما يفضلها أهل موسكو بسبب ما تقدمه من أطباق شهية والتى يدخل فى إعدادها العديد من التوابل الشرقية، كما تجذبهم الخضروات الزاهية الألوان، واللحوم المشوية ذات النكهة اللذيذة اضافة الى الاجواء الساحرة من ديكور وآثاث الخ.
مطاعم عربية
بدأ انتشار المطاعم العربية في موسكو مع بداية التسعينات هذا ماسمعته من حيدر احد موظفي السفارة العراقية، وأبرزها من سوريا ولبنان والمغرب وتركيا، انضمت إليهم مطاعم بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق، مثل أوزبكستان، وأذربيجان، والتى بلغت ذروة شعبيتها فى الأعوام الخمس الماضية، لذلك غالبا ما تكون مزدحمة بعض الشيء.
من أشهر المطاعم التي زرناها ( شيخنا نمبر وان، أوريوك، مستر ليفانتس، شيخنا شوربة يقع داخل مول أفيا بارك يقدم الاكلات الاوزبكية، مستر فلافل في موسكو، شمس الصحراء البيضاء يعكس هذا المطعم في تصميمه الداخلي الفريد كل ألوان الفيلم الروسي الذي يحمل نفس الاسم، والذي اشتهر في السبعينات، مطعم اوزبكستان، مطعم سندباد الذي لقي شهرة قوية مع أنه صغير الحجم ربما اشتهر لتقديمه الاكلات اللبنانية، اخيرا مطعم بيروت الذي يقع وسط المدينة وهو أشبه بمقهى أكثر من مطعم ولهذا يفضله الطلبة واصحاب الدخل اليسيط.
مسرح البولشوي
وعندما تكون في موسكو ينبغي ان لا تفوت عليك فكرة زيارة مسرحها الشهير "البولشوي" وحجزتذكرة لمشاهدة عروضها العالمية، منذ الايام الاولى لوجودنا في موسكو ذهبنا الى حيث الساحة الحمراء وقصر الكرملين الشهير بحثا عن بائعي التذاكر، ومع اننا تجولنا كثيرا هناك لكننا لم نوفق لشراء ثلاثة تذاكر واحدة لي والاخرى لضياء والاخرى لا اعرف لمن، بعد يوم او اكثر كنا في احد المولات فخرج امامنا احد الأكشاك تتوسطه شابة يافعة لو قدمت لك العلقم لتناولته من يدها البيضاء وعينيها الزرقاوتين وشعرها الاصفر الذي يتأرجح متطايرا كلما مرت نسمة هواء من فتحة الباب الخارجية القريبة من كشكها. عند هذه الحسناء وجدنا ما نبحث عنه، اشترينا التذاكر الثلاث بانتظار موعد العرض لمسرحية بحيرة البجع التي تؤديها فرقة الباليه الروسية.
تحت الصيانة
في الموعد المحدد ذهبنا الى مسرح البولشوي فصدمنا بغلقه لوجود أعمال صيانة فيه، ماذا بعد ؟ هل هي خيبة أمل والتذاكر ماذا نعمل بها كانت الاسئلة تهبط علينا كالشلال، لم يمض وقت طويل حتى جاءنا الخبر بأن العرض سيقدم من على قاعة الكرملين، وهي واحدة من أفخم وأكبر القاعات، شخصيا عجبتني الفكرة كثيرا فهي فرصة للدخول الى أروقة القصر الذي يتربع عرشه الرئيس فلاديمير بوتن، توجهنا الى القصر كان الدخول سهلا جدا لم نشاهد اجراءات مشددة للدخول كما يحصل عندنا، كان هناك من يرشدنا الى القاعة وصلنا بالفعل، لكن يجب ان تعرف أنك ملزم بتسليم القبوط أو ما يشبهه الى الاستعلامات التي تنتشر على مساحة واسعة تستلم منك حسب الحروف الأبجدية، بمعنى انك لن تقضي وقتا طويلا في تسليم واستلام وديعتك في الاستعلامات.
مسرحية بحيرة البجع
دخلنا الى القاعة الكبرى، كانت المقاعد ممتلئة لا فراغ فيها، من حسن الحظ اننا جلسنا في الوسط، مع ان المسرح شيد بطريقة متدرجة تسمح للجميع مشاهدة المسرح دون عناء، ثم جلسنا وبدأ العرض الساحر الراقي لمسرحية بحيرة البجع وهي إحدى روائع الموسيقى للموسيقار الروسي الشهير تشايكوفسكي، والتي قام بتأليفها عام ألف وثمانمئة وسبعة وثمانين، وكانت واحدة من التراث الموسيقي الثري لتشايكوفسكي، والتي تضمّ كسّارة البندق والجمال النائم والأميرة النائمة. عرضت بحيرة البجع للمرة الأولى على مسرح البولشوي في العاصمة الروسيّة موسكو، في الرابع من آذار عام ألف وثمانمئة وسبعة وثمانين، وقد تضمنت أربعة فصول استعراضيّة راقصة، في باليه درامي، كتب الكلمات في هذا الاستعراض المؤلفان فاستلي جلتزر وفي بي بيغتشين باللغة الروسيّة، وصمّم رقصات الباليه في هذا العمل ماريوس بيتيبيا.
أكبر مجمع طبي للعيون
صديقي ضياء كان يعاني من ضعف في شبكية العين، ويبحث عن المنقذ، وبما ان مشافي روسيا مشهورة بطب العيون ولديها مشافي كبيرة متخصصة في هذا المجال منها مجمع فيدروف للجراحة الدقيقة للعيون وهو مركز حكومي فيدرالي، فان صديقي أخذ احتياطاته قبل السفر من خلال الاتصال بالأخضر المرحاح وهو دكتور جزائري مقيم في موسكو ويعمل منذ سنوات عدة في مستشفياتها، ومن جميل رحلتنا أن المرحاح كان عربي الخلق واضحا يشرح الاشياء كما هي بلا لف ولا دوران، وفي أول لقاء معه في الفندق الذي كنا نقيم فيه تمكن من اقناع ضياء بضرورة الانتقال الى سكن جديد قريب على المشفى الذي سيعالج فيه، وبالفعل في اليوم الثاني أو الثالث انتقلنا الى السكن الجديد وهو بحق كان أفضل كثيرا من الاقامة في فنادق فضلا عن قربه من وسط المدينة.
موسكو تحت الارض
شرح المرحاح لضياء الخطوات التي ينبغي ان يتبعها وصولا لاجراء العملية الجراحية وكان له ما أراد، الحمد لله أتم ضياء عمليته وخرج من المشفى بعد ثلاثة أيام بوضع أفضل كما علمت منه، تعافى ضياء فما كان منا الا ان نخطط مجددا لجولات أخرى داخل موسكو، وهذه المرة حاولنا اكتشاف موسكو تحت الارض فهي غيرها فوق الارض، مداخل المترو متوفرة في معظم مناطق موسكو، ومن خرائط القطارات تعرف فورا ان المدينة السفلية تدور حول موسكو عدا بعض الخطوط المباشرة، كانت السلالم الكهربائية تهبط بنا مئات الاقدام تحت الارض لتفاجئ بمحطات المترو الانيقة المنظمة، ولعل معظمها بمثابة متاحف تتحدث عن تاريخ القياصرة والاتحاد السوفيتي ومن ثم روسيا الاتحادية وهو تاريخ حافل بالانجازات بل بالمعجزات، ولأن الروس ليسوا من ذوي العقد مثلنا فلم يكن غريبا ان ترى لوحات وتماثيل القياصرة والحزب الشيوعي ماثلة للأعيان، يتصدرها "المنجل والجاكوج" حتى ان مبنى جامعة موسكو ووزارة الخارجية وهما من المباني الخمس التي شيدها الاسرى الالمان بعد الحرب العالمية الثانية حفرت في واجهتها الشعار الشيوعي الروسي "المنجل والجاكوج" لكن أحدا من السياسيين اللاحقين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نتيجة للتغييرات التي نفذهاغورباتشوف (القائد الأخير للاتحاد السوفيتي) والتي عدت من أكثر العوامل التي أدّت إلى تسريع سقوط الاتحاد، حيث غيّرت هذه الإصلاحات الأنظمة والقوانين التي اعتاد عليها الشعب، وأثرت التغييرات أيضاً على النخب الاقتصادية والسياسية، وبالتالي أصبحت الحكومة ضعيفة، وبدأت الانتقادات توجّه ضدها، وبهذا تم إنهاء الحكم السوفيتي عام 1991م.
ملاجئ نووية
أثناء مرورنا بقطارات المترو تحت الأرض كنت اشاهد ابوابا كبيرة مغلقة، لم أجرؤ على السؤال عنها وما خلفها لكن بعد حين علمت انها مداخل لملاجئ الحروب النووية ان وقعت لا سمح الله، لا أحد يتمنى طبعا وقوع حروب نووية ممكن ان تنهي العالم الذي نعرفه بكل ما فية من تطور نوعي في المجالات المختلفة، ومن وجهة نظري ان الشعب الروسي لا يستحق ان يسحق بحروب لا جدوى منها، فهو شعب مثقف عملي لا يعرف النفاق والغيبة ايضا شعب منتج يصنع كل شئ.
وليد وأقلام الرصاص
قبل سفري الى موسكو كان الزميل وليد قد كلفني بشراء اقلام رصاص مصنوعة في روسية فهو من النوع الذي يجمع اقلام الرصاص المصنوعة في دول العالم مثله مثل هواة جمع الطوابع والهويات الأخرى، وعلى هذا الاساس كنت ابحث عن اقلام الرصاص المصنوعة في روسيا حصرا، وقطاع الصناعة في روسيا يتميز بالتنوع، صناعة المواد الكيميائيّة، والمعادن، والمواد الغذائية، والنّسيج، والأثاث، وإنتاج الطاقة، وتطوير البرمجيات، والآلات الصناعية، وتحتوي المدينة على مركز البحوث الدولية، والفضاء الذي يقوم بإنتاج مُختلف معدات الفضاء، ومصنع للسيارات، وآخر للمحولات، والإلكترونيات الدقيقة، لتكون بذلك واحدة من أهم المدن الصناعية في العالم، حيث تحتوي المدينة وحدها على 500 شركة.، كان هذا انطباعي الاولي مع ذلك لم أجد أقلام الرصاص في الاسواق والمكتبات التي تصادفني في الطريق، حتى أني مللت من كثرة البحث عن اقلام الرصاص،
حينها انتابني احساس بأن البحث عن دبابة روسية ربما هو أسهل من البحث عن قلم رصاص واحد، ذلك لان ما عرفناه عن روسيا متأت من سمعة الاتحاد السوفيتي السابق وجبروت آلته العسكرية التي كانت ندأ عنيدا للآلة العسكرية الاميركية، المهم بعد التي والتيا وجدت ظالتي في اقلام الرصاص في أحدى المكتبات داخل مول، اشتريت مجموعة منها لكن اغرب ما في الأمر ان من أوصاني لشرائها لم يأت لأستلامها حتى الآن لذلك سقط حقه.
البحث عن صديقة قديمة
بدأ الوقت يداهمني فقد مرت أسابيع على وجودي في موسكو، ومع أني لم أشعر بالضجر، الا ان تحديد موعد العودة كان أمرا غير قابل للنقاش، أما صديقي الدكتور ضياء فقد طابت له "الكعدة" وتصاعدت في ذهنه ذكريات الماضي وأيام الدراسة في موسكو، حتى أنه في أحد الأيام جعلني اصطبحه الى أحد أحياء موسكو الواقعة على نهر موسكفا الذي يمر بقلب العاصمة، بحثا عن صديقته سنوات الدراسة، لكننا لم نجد لها أثرا، كنت أنظر اليه وأرى علامات الحزن قد بدت ترتسم على ملامح وجهه.
برج اوستانكينو
وأنت في موسكو التي تُعد المركز السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والعلمي الرئيسي في روسيا، والجزء الشرقي من القارة الأوروبية، وهي أكبر مدينة في هذه القارة، لا بد أن ترى برج اوستانكينو، وهو أطول هيكل قائم في القارّة.
سترى برج اوستانكينو من مناطق متعددة، وتكون قريبا جدا منه، عندما تشمر عن ساعدك وتزور متحف الفضاء والاسلحة الذي يعرض أول مركبة أنطلقت للفضاء الخارجي باتجاه القمرودارت حول الأرض بقيادة الطيار يوري كاكارين، كما تشاهد أسلحة متنوعة أخرى.
قصر الكرملين والكاتدرائية
أيضا قصر الكرملين ببنائه الشاخص ولونه القرمزي يعد من أفضل المعالم السياحية في العاصمة الروسية، حيت يتمكن الزوار من زيارة ميدان الكاتدرائية، وبرج وقصر القيصر بمجرد دخول الكرملين، وهما من أهم النُصب التذكارية الثابتة التي تدل على عظمة تاريخ روسيا، بالإضافة إلى متحف "أموري" الذي يحتوي على العديد من المقتنيات الثمينة التي تعود إلى عصر القياصرة، وحتما ستنظر أمامك وانت في الساحة الحمراء الى طابور الواقفين في الصف بانتظار زيارة قبر لينين الذي ستراه وجها لوجه عندما تدخل الى قلب القبر الذي صمم بمواصفات خاصة ودرجة حرارة ثابتة حفاضا على جسده، فهو مسجى على فراشه بكامل قيافته المدنية، منظر تقشعر له الأبدان، في الطريق الى القبر ستجد قبور قادة الاتحاد السوفيتي وقد بنيت على جدار الكرملين والحدائق الغناء المجاورة له.
كنت في الطريق من مقر اقامتنا الى بعض المناطق أرى جامعا كبيرا للمسلمين في موسكو ولطالما سألت عن من شيده وما هو حجم المسلمين في روسيا، اسئلة عديدة كانت تراودني ولم أجد لها اجابات واضحة، في أحد الايام اخترت زيارة الجامع للتعرف عليه ولكن بسبب اللغة أكتفيت بالاطلاع والتفرج، وكانت المفاجأة أن وجهت لي ولصديقي الدكتور ضياء دعوة لتناول الغداء من قبل ممثل المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وهو الحاج الشيخ محمد علي البغدادي، أصله من مدينة الموصل ووالده كان خطيبا فيها، وبضغط مني قبلنا الدعوة.
كان اللقاء مثمرا بالنسبة لي ذلك لأني وجدت الأجوبة المطلوبة على أسألتي السابقة، وبطبيعة الحال شرح لنا "رحمه الله" موضوع الجامع الذي يسمى جامع موسكو الكبير، وهو يقع في رواق أولمبسكي، بالقرب من الاستاد الأولمبي المغلق في مركز المدينة شيد على أنقاض مسجد تاريخي بناه المسلمين التتار، وهو أكبر مسجد في أوروبا، إذ يتكون من ست طبقات ويتسع لعشرة آلاف مصل في وقت واحد فيما، يبلغ عدد المسلمين في العاصمة موسكو بحدود المليونين سنة 2017.
وكان الشيخ محمد علي فخورا بالدعوة التي وجهت اليه من الرئاسة الروسية، لحضور حفل أفتتاحه رسمياً في 9 ذي الحجة 1436 هـ، يوم عرفة، الموافق 23 سبتمبر، 2015 ميلادياً، وافتتحه الرئيس فلاديمير بوتين، وحضر الافتتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك حضر الافتتاح رئيس قيرغيزستان ألمازبيك أتامباييف ورئيس كازخستان نور سلطان نزارباييف.
قاعات الأسماك
مرت ألايام مسرعة وها قد أزف موعد عودتي الى بغداد الحبيبة بعد قضاء أوقات جميلة ممتعة، تحققت خلالها أهداف الزيارة بأوجهها المختلفة. لكن قبل يومي ألأخير توجهت بحماس لزيارة قاعات الأسماك الاربع لما سمعته عن جمالها وما تعرضه من دلافين واسماك، وفي يومي الأخير توجهت الى مطار موسكو العملاق وهناك تعرفت مصادفة على أديبة خليجية، كانت تجلس قربي بأنتظار موعد الرحلة الى الدوحة، ومعها أكملت المشوار.