(لاي- فاي ) الزمان (40)

مسارات المسؤوليّة وبلوغ سنّ اليأس

عبد الرضا سلمان حساني

...(الشخص الوحيد الذي أعرفه ويتصرّف بعقل هو الخياط، فهو يأخذ مقاساتي  الملائمة)...

هذا هو جزء من قول الكاتب الآيرلندي المعروف جورج برنادشو. وبالطبع فهي مقاسات خارجية ولاتقبل الخطأ في المنتج المناسب.

أمّا معايير  وتشخيصات ماهو في الجوهر، فيتشـــــــعّب بنا الحديث عن الولاء للوطــــــن وطراز الشخصية ومستوى الإدراك والتربية المدرسية والتحصيل الأكـــــــاديمي الحقيقي (وليس التجاري- الظـــــاهري) ووعي  ومكانة الدور الوظيفي وإستـــــيعاب متغيرات المجتمع والبيئة إضافة الى المناخ الذي فرض نفسه بشدّة  مع عناوين مضافة.

وعلـــــــينا أن نفــــــــترض عدم بلوغ  برامج البناء المطــــــــلوب والنشاط المؤسساتي عتبات  سنّ اليأس ســــــواء  بشكل طبيعي أو إجباري  مـــــــصطنع، كما في حــــدوث أو  إفتــــــــعال الأزمات الطبيعية والسياسية. 

سنّ اليأس

سنّ اليأس هو فترة عمريّة تبدأ  عندها أجهزة الجسم البشري  بإظهار  ملامح وخصائص جديدة معروفة ومألوفة في الأعراض والمعايير الفيزيولوجيّة

(الفيزيولوجيا هي علوم وظائف أعضاء الجسم). ومن هذه الأعراض، مثلاً، توقّف بعض الأجهزة والهورمونات  عن وظيفتها لدى النساء في سنّ  يتراوح بين 45-55 عاماً.وفي التكنولوجيا والعلوم،  فإنّ لكل جهاز أو أداة عمر خزن ومتوسط عمر تشغيل إفتراضي يؤدي فيه وظائفه، مثلما هو الحال في الأقمار الإصطناعية الخاصة بالقنوات الفضائية والإتصالات. وإذا ما أردنا  أن ننظر الى جوانب حياتيّة كأداء  الخدمات المجتمعيّة والمؤسساتية الحكوميّة المغطّاة بالسياسة ومقاربات العمل المهني، فلابدّ  من دراسة وتحليل البيانات الداخلة والخارجة في الخطط السنوية والتحويرات التي تفرضها المفردات والتوقيتات كالعملية التعليمية وبرنامج البحث والتطوير العلمي وتوسيع النمو الإقتصادي والسياسة المالية.وعن الظاهر  في بعض الألوان التي تراها  العين في حركة الشارع، فقد تعلّمنا من  كتاب  النبات في الدراسة الإعداديّة بأنّ الطحالب هي كائنات لازهريّة حيّة تعيش في الأماكن الرطبة وتحتوي پلاستدات خضراء( أو حمراء) لتغذيتها.

وهكذا هناك من يسمّون تشكيلات أو  برامج  للبث بشتى الأسماء، وفي الحقيقة فهي مجرّد لون  ليس إلاّ. وهناك ألوان ستزدان بها شوارع مدن العالم بعد أسابيع قليلة، تلك هي أضواء توديع عام ميلادي وإستقبال العام الجديد 2023. نتمنّى أن يعمّ الوئام والسلام في البلاد وفي نوايا ونفوس العباد وتخليص المجتمع من إنشطار  أعداد المفسدين وملفات الفساد.

عوامل  في تساؤل

في العام 1988 شاركتُ (موفداً)  في الندوة الدولية للتفريغ الكهربائي في العوازل والفراغ التي إنعقدت في پاريس وبجدول جلسات مكثّف يمتد من الصباح الباكر وحتى ساعات الليل، بمشاركة أكثر  من 200 باحث من  معظم دول العالم.   وكان الپروفسور 

سپتير(فرنسي- أحد القامات العالمية المعروفة في فيزياء الحزمة الآيونية) مشاركاً  أساسياً وحاضراً في جميع أيام وساعات الندوة ضمن تشكيلات منظمي الندوة. لقد كانت واجباته، فقط وبكل تواضع، هي إعتلاء المنصّة في كل صباح وقراءة جدول أوقات وجبات الطعام وأسماء بعض  الأماكن لتناولها وأوقات الإستراحة القصيرة بين الجلسات لتناول القهوة والشاي.   

ولأنني إطّلعت مسبقاً على كتاب علمي قام بتأليفه، طلبتُ منه أن نجلس لمناقشة علمية، فأكّد إمكانية ذلك بعد انتهاء واجبه الإداري في الساعةالثامنة مساءاً، وهو ماحصل. ماأردتُ أن أقول، هو مهام هذا العالم  المعروف عالميّاً في الندوة والتي كان يؤديها بكل ممنونية دون أن يستنكف،  وكان سعيداً جداً حين يُسأل عن عنوان مطعم أو مقهى أو  أي مرفق سياحي في المنطقة، في حين يكون عالماً مختصّاً بمناقشتي العلميّة معه بعد انتهاء آخر  جلسة في كلّ مساء. تلك هي أخلاقية المهنة للعلماء الحقيقيين الذين يجودون بأوسع صور العطاء بصدق ونقاوة دون مقابل  ليجعلونا نتذكر  ولائهم وحبهم الإختصاص العلمي ولوطنهم وإخلاصهم له من غير  رواتب  عالية ولا إمتيازات إستثنائية أو حمايات وموكب سيارات.

دواعي الإهتمام

من بعض العوامل التي يستوجب تعريفها بمؤهلات حقيقية هي الوصف الوظيفي ومسارات المسؤولية ومساحات الصلاحية مؤطرة بالإيثار .

فمثلاً، إذا أريد التحدث عن الإخفاقات وضياع الميزانية في دائرة ما، فإنّ الحديث الى موظفي تلك الدائرة لايكفي، وإنّما يجب دعوة من كانوا على رأس الهرم في تلك الدوائر مهما يكن المستوى الوظيفي لأنها مصلحة بلد.

وأحياناً نتذكر  مسلسل (تحت موس الحلاّق)، في كوميديا الموقف، حتى لانلقي اللوم وأسباب (فوضى الدرس) على عبوسي رغم غيابه.

فجميع المسؤولين  السابقين موجودين، ويمكن مواجهتمهم بما يريد المسؤول الجديد أن يقول أو يشكوا باللوم، بالإضافة الى مخاطبة غيرهم في لقاءات إستعراض مراحل سابقة.

والآن، لو أردنا أن نجمع العوامل التي أستعرضتها وتوردها وسائط الإعلام والتواصل وكذلك ترد على لسان من هم في مواقع المسؤولية، نجد أن الجميع يستنكر  ويدين ويشجب الفساد والمفسدين دون تسمية أشخاص أو جهات حتى يتمكن القانون  من المضي في الإجراءات. وإذا ماأراد القرّاء أن يأخذوا فكرة سطحية أو عميقة عن ملفات فساد معنية، فما عليهم الاّ أن يتابعوا وسائط الإعلام وبكل الألوان.

يمكن القول أنّ (ديمقراطية) الإحتلال قد أوجدت للبعض لوناً آخراً من المبررات، مثلما هي الپلاستيدات التي نعرفها، ومنها التحدث عن تاريخ مؤسسة علمية أو إجتماعية  في زاوية ضيقة من وجهة نظر خاصة جداً، لاندري اذا كانت حقيقة أم لا، قبل أكثر من أربعين عاماً.

ونتذكر هنا ماقرأناه في مضامين الكتب، أنّ الحقيقة تكمن في قبور الموتى؛ فلا نغتر بإضاءة الكاميرا  ولمعان المايكروفون ومجاملة مقدّمي بعض(البرامج) الذين تموقعوا  بعناوين تسمّى إعلامية.

من الصعب أن نورد  الجواب عن زمن توقف هورمون الفساد  في عنوان المقال، بسبب تشابك العوامل الداخلةوتزايد عدد الملفات وغياب المواجهات الحقيقية المباشرة مع المعنيين. ولو  توفّرت إدارة     

إرادة التشخيص الواقعي والعلاج  لأُخليت الرفوف من الملفات وأصبحت عناوين البناء بديلاً، فالأوطان تُبنى بسواعد أهلها الأصلاء.

سطور الختام

عندما جاءت القوات المحتلة الى العراق في العام 2003 كان عدد الذين يحملون لقب پروفسور  لايتجاوز عدد أصابع اليد، وعندما أُعلن عن مغادرتها، تنامى عدد حاملي هذا اللقب في بعض الأقسام الى أضعاف. 

أفلا يقلقهم هذا التزايد العددي  في الملاكات والألقاب العلمية مثلما كانت من مبرراتهم قبل الغزو  والإحتلال؟!

{ پروفسور  فيزياء الپلازما-  عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة