(الزمان) تنشر قصائد الوجع العراقي لحسين نعمة 2-2
مالي أراك
مالي أراك حانقاً، متذمراً، منهاراً
والحزن في بؤرة عينينك جلياً...
والأسى مدراراً
عهدي بجأشكَ صاحبي، لا ينثني
ماذا جرى، قد كنت صقراً، جامحاً، مغواراً
هون، فما زلت شديد البأس، صنديداً، عتياً
فتسامى بجناح العزم، للمجد، وللعليا، افتخارى
ما بالك قل لي وماذا ترتجي والعمر يمضي مدبراً، منهاراً
مر السحاب، فاغتنم من غيثه زهواً (عبقاً) وورداً جلناراً
حلم مرت سنين العمر، أوهاماً وصبراً
وزمان كان أحلى، من رضاب الشهد في ثغرِ العذارى
بين العيون والمشاعر
هي قريبةٌ مني، لكنها صعبة المنال
أحياناً، أراها بعيني المجردة،
ونستقر، أحياناً، بذاكرتي...
باقة وردٍ، وعبقٍ، وجمال
ورغم ذاك القرب، هي غايةٌ لا تطال
تلاحقني، أحلامٌ جميلة، في وحدتي
وتؤانسني شعراً وأنغاماً شجية ودلال
وبكلِّ وقاحة، وقسوة تنأى...
دون وداعٍ، أو سؤال
تخفف أحزاني، ساعة العسرِ
وينير ذكراها دروبي...
وكل هذا القربِ، دون وصال
تُغير شكلها، ولونها، وجنسها
أغنية اسمعها...
وتارة، حورية أحسها
تفيض، بالحسنِ
وبالسحرِ، وأشكال الدلال
ما أرتجي
ما أرتجي، من جشعي
ولم هذا اللهاث...
ومثواي الأخير قبري
إذن، ما جدوى انتظاري، ومعاناتي، وصبري
وأرى عمري جلياً
للردى، مسرعاً يجري
كم غرزت الروض شتلات زهورٍ
ما نمت ورداً، ولكن...
ملأت بالشوكِ دربي
وأنه موش أول زند يشتل شلب ويحصد بردي (عريان)
العمرُ كالشمع
السنون، كالشموع...
جميلة المنظر، وناعمة الملمسِ
مطلية بألوان زاهية...
منها الأبيض، والأحمر، والأزرق والأخضر
يقتنيها الناس، للمسرات، والحفلات
وأعياد الميلاد...
لكنها، وبكل بساطة، يهبها المحتفلون
نذوراً، وقرباناً للنار تأكلها
والجميع ينظرون إليها، دون اكتراث
هي تحترق، والآخرون يتلذذون...
بهذا السعير...
هكذا هي نهاية العمر
وهكذا هو الزمن
الغادر بلا رحمة، أو مهادنة
النسيان
نسيتُ الضحك، والشوق، والغناء
ونسيتُ الوجدَ...
في عزِ التداني، والجفاء
مترهلٌ كلي، وخلف قضبانِ ذاتي
رهين معتقلي...
يبطنني اليأس، والقنوط
اشتياق، وحياء
ضحيةٌ أنا، في دروبِ متاهتي
ومعي رفاق عمري.
في المصيبة والعطاء
نسير في ديارنا، بلا هدفِ
كتواجد، الطائرين الغرباء
مدينتي الناصرية
الهواء، فيكِ، يا مدينتي...أنقى هواء
والسماءُ، فوق، هامات البيوتِ
فيكِ... يا مدينتي، أحلى سماء
الحُب، في دروبِ أزقتي...
شوقٌ، وجمرٌ، وحياء
والحقد...
يمضي، كسحابات الشتاء
أفراحنا تأتي، كما يأتي الصباح
أحزاننا تمضي
كما تأفل شمسي الكون
في صمتٍ... وشوقٍ، وحياء
هكذا هي الناصرية
هكذا هي الناصرية......
وهكذا، هم الأحبة، والأصدقاء
حارةٌ، أوفدت، أمداداً من الأدباء
وحارةٌ أخرى
تميزت برجالٍ، فتوةٍ، أشداء
وبيوتٍ، في محلةِ السيفِ، وفي (عكد الهوى)
وهبت (كماً) من رموز العلماء
وحارة، فيها رجالٌ، نذروا العمر فداءً
يرسمون، الوطن الغالي، حمامات سلامٍ
وشعارات ولاء
وسمت، في كل صوبٍ، تصدحُ الآهات شدواً
من أغاريد الغناء
داخل هذا، وهذا زاملٌ، ينظم شعراً
وحضيري، صار فلاحاً، يبيع الورد عشقاً
للصبايا، والشباب النجباء
وعلى رملِ (المكير) تحت ضوء البدر، والهمس
تناجى الأحبة الندماء
لحن (السيدُ) أنغامَ وداعٍ، وحنين
ومضى (الريل) عتياً
مسرعاً دون اكتراثٍ وحياء
فرات الصبر
يا فرات الصبر...
يا أروع وأعمق جرحٍ، في دروبي
يا رفيقاً...
واكب البدرُ، أنيساً... لكروبي
يا حبيباً...
نادم، السُمار، في سحر العصاري، والغروبِ
كم سهرنا... وانتشينا...
بين سفحيكَ، نغني
والهوى عذب، وراح
وزلال النبعِ
يروينا ويسقينا، الطيوبِ
مقاضاة
حان موعد المكاشفة...
خوفاً، من فوات الأوان، وغدر الزمان
وبشكل مباشر، أجردُ سجلات حساباتي
المثقلة بغبار ذنوبي وعبثي...
وأخشى مقاضاة ذاتي
لأني سأكون الحاكم، والجاني
فما جدوى هذا القرار...
لو أني لا أملك دليل براءتي
وأنا الشاهد، والمدعي، والمتهم
فأرتشفُ خللي...
دون أي امتعاضٍ، وكأن الإحباط
دفين سريتي، ناسياً...
أن الملاحقة، بلغة الأبصار، والسمع
أبلغ، من الضجيج، والصمت
والاختصار
لا أحتاج إلا أنتِ
لا أحتاج إلا واحدة، أظنها أنتِ...
أعتقد أنكِ امرأة طيبة، وجميلة وتفيض بالوفاء
صدقيني، لا أعلم ما سر أني أرى ثغرك
أشهى من كل أفواه النساء، وعينَيكِ
أعمق وأعذب من كلِّ عيون الماء
ونبرات صوتك، كحفيف أشجارٍ
حين تغتسل الحقول، بنشيد زخات أمطار
الشتاء...
لا أحتاج لغيرك، يا أجمل كل وجوه
وقدود النساء
حين تستقرُّ ملامح وجهك، في بؤبؤ عيني
ملاكاً
أرسلته لي ملائكة السماء
في وطني
هنا، لا قيمة للإنسان، في وطني
يُنبذ، يُهمش، يُقتل، يُسجن
عادي جداً، تسلب حريته...
الهواء ملوث، في وطني
الماءُ مسرطنٌ، وشحيح
الأرض مُقبلة على التصحر
والرافدان، يودعان ربيع الشباب
وقريب ستبدأ
خطوات الشيخوخة لتحل
كارثة الجفاف، والسنين العجاف
فأي أمل، تبقى لك
يا وطن التفاخر... والخيرات
والرجال
طفولتي
جميلة كانت طفولتي
أحلى من الشهدِ، وأعذب من الماء الزلال
وصحبتي...
أقرب من ظلي...
وأعمقُ من معنى الوصال
مدينتي، أزقتي
وحارتي...
ترتع، ما زالت
بأحضان الأماني والدلال
ولظى الأشواق، جمراً
وحنيناً، ومُحال
أصبح الأمس خيالاً
يرتوي من فيضهِ...
نبض، شجوناً وخيال
حلبة اللعبة
هي لكَ الآن...
أقر، بضعفي وهزيمتي
هي لك الآن...
لكنها قبلك، كانت تسكن خافقي
فلا تكترث، فهي لك الآن
لكني، لا أستطيع إلغاء ذاكرتي
ونكران لوعة قلبي، وحماقتي
أنا لا أضرك بشيء، ولا أمس جانب الكرامة لديك
لأني ما زلت... للآن عذرياً، قي علاقتي بها
وما زلت للآن، بعيداً، عن كل غرائز حسرتي عنها
تاركاً، تلك الغرائز...
خارج، حلبة اللعبة
ومدى، سحرُ خيالي وانتمائي
هي نبض قلبي، وآفاق روحي الخائبة
رغم معجزة، الوصلِ والمنال
الاشتياق
أي جُرحٍ، كيف ما شئتِ اسأليه
أي جزءٍ في كياني صدقيني أنت فيه
يا نشيداً، عزفهُ النبضُ، وهزات المشاعر
فأسمعيه
وارحمي قلبي، ارحميه
ليت لو قلباً لديكِ، مثل قلبي
ليت لو مثلي، تخطيتِ
سرتِ، نفس دربي
لتمزقني اشتياقاً
في الثواني، نحو حبي
مواقد الرماد
على ضفافِ تأملي، احلمُ مستيقظاً
واستفيق، من إدمانِ قناعتي
كي، اتحرر، من خمولي
واتمرد، على عبأ مللي، ونرجسيةِ انتمائي
لأسرج، خيالي، وامتطي السحاب
كزفة عرسٍ...للطيور المهاجره
واحياناً، يلازمني هلعي
افتعل...اللامبالاة، بنفاق الصبرِ والجلدِ
لكنها، لم تكن، محطتي الأخيره
حتى لو...تكدس الرماد، في مواقدي
فما زال، هنالك متسعٌ، لصيرورتي
لأن الوجوه حولي، مازالت...مؤطرة بالغموض
رغم عذوبة الطقس، ونقاء المطر
فالدروب...مازالت موحشةً...
ومازال القلب، يتعاطفُ، مع ايقاع الرتابةِ
ولكن...أطلق عنان بصيرتي، سأبقى
متكأً...على وسادة ندمي، ومكبلاً بأصفادِ حماقاتي
ورغم، هشاشةِ بنيتي، سأحاول، ترويض
وتحجيم، نزواتي، فأجمح تارةً، كالمدِ
وأجزر، اّفلاً كالغروب، لأني، أتوجس الحياد
فأكون، انا الجاني، وانا الضحيه
أبواب ذاكرتي
سأطرق، أبواب ذاكرتي، وجلاً
أتسول، من جودِ فحواها، بداياتي
وأحلام عمري، وزلاتي
كيف لا...
والعشق، ما زال فتياً في دياري
وشذى لهوي
وأطياف مسراتي
ها أنا، يا أمسي، الغابر
في شوقي وحُزني وملذاتي