نهرو يكتب إلى إبنته أنديرا:  بغداد مدينة الجمال والحب وأهلها أول من لبس الجواريب

بيروت - محسن حسين

يعرف معظم العراقيين جواهر لال نهرو زعيم الهند ورئيس وزرائها والسياسي الذي رفع عام 1947 علم استقلال الهند من الاستعمار البريطاني بعد نضال طويل مع غاندي كما يعرفونه كواحد من الزعماء الذين اسسوا حركة عدم الانحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو والرئيس الاندونيسي احمد سوكارنو.

وقد يعرفون ان نهرو كان يكتب  وهو في السجن في الثلاثينيات من القرن الماضي رسائل الى ابنته انديرا غاندي التي اصبحت فيما بعد رئيسة لوزراء الهند كما تولى المنصب ابنها راجيف غاندي ،  تلك الرسائل تحدث فيها الى ابنته  في كثير من الامور السياسية والثقافية والتاريخية.

وفي اوراقي القديمة عثرت على مقتطفات من احدى رسائلة كرسها للحديث عن بغداد وهي بالتاكيد موجودة في كتاب ضخم ضم تلك الرسائل صدر بمختلف اللغات في الخمسينيات ورأيت ان من المناسب ان يطلع عليها القراء الاعزاء وخاصة الجيل الجديد.

يقول نهرو في رسالته المؤرخة في 27 ايار 1932 (نحن مدينون  بقسم كبير لبغداد بنشر العلوم اذ امتاز علماؤها  بهذه الروح العلمية الاستطلاعية التي تجعلهم بحق وجدارة أباء العلم الحديث وكانت بغداد مركز الإشعاع الفكري في العالم حتى وصفها احد المؤرخين بانها عاصمة الإسلام وعين العراق وقلب الإمبراطورية ومركز الجمال والثقافه والفن. لقد تبدل الحال زمن العباسيين وانتقل عرب الصحراء الى القصور الشامخة واستبدلوا التمر  بألوان الطعام الفاخر. لقد حاولوا ان يفوقوا سالفيهم في الأبهة والعظمة واقتبسوا الكثير من تقاليدهم السيئة ومنها تقليد عادة الحجاب للنساء. لعلك تودين ان تعرفي ان عادة لبس الجوارب للرجال والنساء بدأت في بغداد عند الأثرياء وكانت هذه الجوارب تسمى (موزا) مما يدل ان الكلمة الهندستانية اشتقتت من تلك التسمية. وكذلك لبس القميص ابتدأ فى بغداد وانتقل منها الى بلاد العالم. وفي بغداد صنع اول مكبر وأول بوصلة .ان الاف الناس الذين لم يسمعوا شيئا عن اسماء الخلفاء العباسيين وامبراطوريتهم العظيمة يعرفون بغداد التي جاء ذكرها في ألف ليلة وليلة أنهم يعرفون بغداد مدينة الجمال والحب والمغامرات لقد أصبحت بغداد مؤخرا مدينة زاهرة وعاصمة دولة العراق الحديثة ولكنها في الواقع ظل لسالفتها لأنها لم تنهض بعد من الدمار الذي جره عليها المغول).

 ويتحدث نهروا لابنته عن دخول الإنكليز العراق ثم يصل الى انتداب بريطانيا على العراق من قبل عصبة الامم المتحدة  فيصفه بأنه "يشبه الى حد كبير تأمين نمر مفترس على حراسة بعض الغزلان والأبقار".

 ويخصص  نهرو عدة صفحات لثورة العراق على الانكليز واستبسال العراقيين في الدفاع عن حريتهم وكرامتهم واستقلالهم ثم يصف نهايتها بقوله وأخيرا استطاع الانكليز بمعونة الجنود الهنود القضاء على ثورة العراق الوطنية وسحقها وكان من عادة الاستعمار الإنكليزي ان يكلف الجنود الهنود تحمل الاعباء القذرة وبهذا فقد نقم اهالي الشرق الأوسط وغيرهم على الهند بسبب ما عمله جنودها بأمر من الإنكليز.

ويصف نهرو ما قام به سلاح الجو البريطاني أثناء الثورة العراق قائلا: لما رأى سلاح الجو البريطاني ان سكان القرى يهربون ويختبئون عندما تقترب منهم الطائرات ولم يظهروا روحا  رياضية في انتظار القنابل الصاعقة عليهم عمدوا الى استعمال  نوع جديد من القنابل هي القنابل الموقوتة وهذه القنابل لا تنفجر عند سقوطها مباشره وإنما تنفجر بعد وقت محدود وقصدوا من هذه الحيلة الشيطانية ان يغرروا بالقرويين فيعودوا إلى أكواخهم بعد انصراف الطائرات تتنفجر فيهم القنابل وكان الذين يموتون في هذه الغارات يعتبرون شهداء بالنسبة لاولئك الذين تقطع ايديهم او ارجلهم وتصيبهم عاهات خطيرة.