المعلوم والمجهول بين السؤال والجواب
عبد الستار جابر الإسماعيلي
مسيرة الفكر الانساني من المعلوم الى المجهول بدأت تساؤلاً نتج عن حيرة ودهشة الانسان ، وهو يتأمل الأشياء من حوله ويرى الظواهر المحيطة به وانتقاله من اكتشاف الى آخروتطور معرفته من خلال ذلك التفاعل والمعايشة مع واقع الحياة ,واستمرار التفكير بتلبية الاحتياجات والسعي نحو الوصول الى ايجاد مستلزمات العيش من طعام وسكن وملبس .. الخ فكانت الحضارة رحلة قطعها الانسان عبر هذه الحقب الزمنية الطويلهوكانت البداية تساؤلاً كما قلنا وبحثاً عن اجوبة وتفسيرات وحلول لما واجه الانسان من اشكاليات وظواهر وصعوبات مختلفه وهكذا كان السؤال نقطة الانطلاق في حياة الانسان نحو الاكتشاف والمعرفة والبحث والاستنتاج وربط الظواهر والاسباب والتوصل الى حقائق كانت حجر الزاويه في بناء النظام المعرفي وفي ايجاد قاعدة رصينة من الاستنتاجات التي شكلت فيما بعد دليلاً للأجيال اللاحقه من العلماء والمفكرين وهم يواصلون مسيرة اكتشاف المجهول .
حياتنا لو دققنا عبارة عن اسئلة تواجهنا وتلح علينا في تقديم
جوبه واشكاليات تطالبنا بأيجاد حلو وظواهر تبقى مجهولة امامنا ما لم نخضعها الى التفسير ويغلف حياتنا الابهام والـــغموض ان لم نمتلك التعبير .
عندما نقف امام لوحه فنيه ونتمعن فيها تثير فينا سيلاً من اسئلة تبحث عن اجوبه تفك لغز اللوحة وتوضح لنا ما يريده الفنان من خلال الوانها وتقاطيعها وخطوطها ورموزها وقد تخطر ببالنا اجوبة وتفسيرات وفق رؤيتنا وتصورنا .
في حياة اي فرد منا لوحه فنيه تعكس الواقع وتطرح اسئله علينا الاجابه عنها وبقدر ما تكون اجاباتنا صحيحه كان فهمنا لواقع حياتنا صحيحاً .
شؤون الحياة
من السؤال يبدأ تفكيرنا الباحث في شتى شؤون الحياة وبالاجابة نتوصل الى حقائق لم نكن نعرفها من قبل وبين السؤال والاجابه تتولد لدينا المعرفه وتتضح امامنا كثير من الحقائق .
انكار السؤال هو ادعاء العلم بكل شئ وهو ادعاء باطل بالبديهه العقليه التي لايمكن لأي فرد ان ينكرها لأن الانسان مهما اوتي من العلم لايمكنه ان يحيط بكل جوانب المعرفة بل يبقى ما اوتي قليلاً وما عليه الا ان يظل ساعياً نحو العلم والمعرفه لذا كان الحوار بين أهل الفكر تلاقح في الآراء وتشاور في التفسيرات وتحكيم العقول في الادله وكان السؤال ماده لكل حوار وأداة استخراج كل جواب .
ومابين أيدينا من تراث عمالقة الفكر يشير بوضوح ما للسؤال من قيمة وما للجواب من اهمية في توليد حقائق معرفية اغنتنا وامتعتنا وانارت لنا كثير من جوانب الحياة .. وعندما نتأمل في كتب المحاورات بمختلف أنواعها نكتشف ان المعرفه برمتها عبارة عن سؤال وجواب .
بين العالم والجاهل المعلم والتلميذ الطبيب والمريض البائع والمشتري .. الخ يظل السؤال وسيلة مهمة لاغنى عنها في ايجاد ذلك التفاعل المؤدي الى اغناء الحياة وايجاد ظروف ملائمة لمعيشة بني البشر .
في حياتنا اليوميه كثير من المفردات التي لاغنى عنها عبارة عن اسئلة بها تتقوم بها صلة الانسان بأخيه الانسان وينشأعنها ذلك التفاعل والحوار الذي يبدد الملل والضجر نتيجه انس الناس ببعضهم وكانت جوانب المعرفة الانسانية بكل اشكالها تعبيراً وتجسيداً لذلك الحوار وتأكيداً على ان الامم والشعوب ما تخطت هذه العقبات ولا استطاعت ان تقيم صرح الحضاره الابذلك التواصل المعهود بين اهل الفكر والعلم في كل زمان ومكان . فالسؤال نافذة نطل منها على افكار واراء الاخرين وتفتح امامنا افاق رحبه للفهم والمعرفة والتطلع الى مزيد من سعة الاطلاع بما يعين على اغناء تجاربنا ويضيف الينا خبرات قد نكون في امس الحاجة اليها من اجل تنوير جوانب مختلفة من حياتنا .لقد اسهمت تساؤلات ايليا ابو ماضي والمعري والخيام وشكوك ديكارت وغير اولئك اسهمت في اثارة مواضيع وفتحت نوافذ كان لها كبير الاثر في ظهور كم هائل من الانتاج الادبي والفكري واتاحت فرص كبيرة للتفاعل الانساني وخلق نقاط التقاء واواصر فكريه لازلنا مشدودين اليها وتشعرنا بأن التفكير الانساني يصدر عن ذلك التفاعل بين الانسان وما يحيط به من ظواهر واحداث في كل مرحلة من مراحل التاريخ .
ومن يتأمل في ما اثارته محاورات جمهورية افلاطون من اسئلة واجوبة يجد فيها افكار واراء تمثل اصالة حقيقية وتبرز غزاره العقل الانساني ومعالجة لجوانب اساسية في حياة كل مجتمع .
حاجتنا للسؤال تبقى قائمه مادام هناك مجهول نريد ان نعرفه .. ويبقى السؤال النافذة الاولى للمعرفة . والله الموفق .