الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سامي مهدي .. الأفتاء وكبرياء الفرسان

بواسطة azzaman

سامي مهدي .. الأفتاء وكبرياء الفرسان

عادل سعد

 

اجزم ان العراق لم يستوفِ كل حصته من عطاء مواطنه المبجل  سامي مهدي  ،كان يمكن أن تكون هناك حصة  اكبر من ذلك العطاء الفذ ، لو أن العمر أمتد  به  الى ما شاء المستقبل  .

على اي  حال ، استغفر الله واعلن استسلامي صاغراً  معترفاً برحيله الابدي.

هو شاعر الدهشة والاطلالة الصادمة بمزيجها الصعب  من  الطراوة الرومانسية والصرامة الفلسفية وحضورالواقع وتلك مهمة  مصيرها  الالتباس اذا لم يكن الشاعر عند عهد الفطنة والمغامرة المحسوبة وليس المنفلته،

تمتد دواوينه من رماد الفجيعة عام 1966 الى وقوفاً عند (الطريق الى الوادي2007)مرورا بـ (اسفارالملك العاشق)، (اسفار جديدة)  (الاسئلة)(الزوال) (اوراق الزوال)(سعادة العاشق).

لقد بلغ عدد دواوينه الشعرية العشرين ، وهو يعتقد ان البناء الشعري عمارةٌ في حساب التأسيس الدقيق للقصيدة ،كما له العديد من المؤلفات النقدية ، منها( الموجة الصاخبة) ،(نظرات جديدة في ادب العراق القديم )،(المجلات العراقية الريادية ) وكتب اخرى من بينها رسائل متبادلة مع الشاعر حميد سعيد  تحاقلت عن  العديد من القضايا.

هو ايضا فارس خصوبة تحليلية  لا يشق له غبار في الملاحقة الذكية للاحداث  ،بل وصاحب هندسةٍ بارعةٍ  للصمت وقت الفوران ملتقطاً  واعياً في تفكيك المعارف المشتبكة وارجاعها الى عناصرها ضمن فرزٍ موضوعيٍ امينٍ على سلامة الحقائق  .

لقد تنوعت مهمات سامي مهدي الادارية والثقافية والاخلاقية فقد تولى تباعاً  ادارات عدة  ،المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون ورئيسا لتحرير مجلات وصحف وباحثا في الشؤون الانسانية الوطنية والحراسة اليقظة على شؤون اللغة العربية  ، يغضب ، يتصدى للمخطئين بحقها الامر الذي تسبب له بخصومات مع اكاديميين  يسيئون اليها.

كان المواطن سامي مهدي  مستنيرا جاداً باللغة الفرنسية وادابها ،من سان جون بيرس  مروراً بهنري ميشو صاحب نظرية  تفيد ان فكرة الغزو تتعشب في كل انسان وتتحول تدريجيا الى ذميمة لا يردعها  سوى الورع  ، أبحرَ أيضاً في غموض الشاعر جاك بريفر  واصدر عنه مؤلفاً بعد المرحلة الوظيفية التي اضطلع بها مديراً للمركز الثقافي العراقي في العاصمة الفرنسية باريس .

 كان له اصدقاء كثر وخصوم كثر ، يأخذون عليه تصديه الشرس للكثير من القضايا  التي  شهدها العراق  في مرحلة اقل ما يمكن ان يقال عنها انها كانت عاصفة بأمتياز ، حروباً  واضطراراً اقليمياً ودولياً وقيادة سياسية شمولية احتوائية لم تترك فرصةً لمجسات التوتر ان تستريح .

عملت مع الراحل عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة الثورة وكانت علاقتي معه تخضع بأستمرار الى الموسمة ( من المواسم) بين الود والخصومة والتشاكي والانقطاعات القصيرة ، ذلك الحساء الاجتماعي الثقيل تحت ضغط المداورة بين الخصومات والصلح على وزن القاعدة التي شيدها الداهية السياسي الالماني بسمارك في الحرص على الحوار بينه وبين خصومه.

مواقف شخصية

كان سامي مهدي نبيلاً في كل تلك المواسم  المتناقضة، لم يسحب  مواقفه الشخصية على العمل ، وتلك صفة نادرة حقا في الحقل  الصحفي العراقي العام الملغوم دائما بحروب الردة على الحقائق حين ترتبط المواقف بأنتصار الخوف والنميمة ، وتسود قوانين الاطاحة والتمتع بتصنيع وتمويل الفضائح المزورة  .

اشهد انه لم يكسر فرصة احدٍ ، ظلَ فارساً مدججاً  بثراء القناعات المعرفية الشفافة الملهمة ، دارت بيني وبينه حوارات متقطعة  وكانت له شهادات قاسية عن بعض الاسماء الصحفية اللامعة ، اذكر  انه كان يرى في  الكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل مشروعاً تراتبياً  للفهلوة  والتطاول على الامانة لصالح التميز ،واذكر  ان اكاديميا عراقياً مرموقاً كان  يكتب (إن شاءَ …) ,هكذا (إنشاءَ ) ويصر على هذا الخطا الشائع  وكان سامي يسميه (الدكتور إنشاءَ).

قبل اكثر من شهر اتفقت مع الصديق حسن العاني ان نتفقد سامي في بيته ، جاء الاتفاق  خلال الجلسة الشهرية المناوبة بين مضيفي الصديقين حنون مجيد وعبد الحسن الغرابي حيث نخوض الأربعة مناقشات عن حماقات  العواصف  وندرة الانسام ضمن جولات استطلاعية لم تغادرها المرارة الحائرة  ، غير ان نبأ الرحيل سبقنا .

اخر المعلومات عن ظروفه، أنه ظل  يعاني خلال  السنوات الاخيرة  من ضائقة معاشية قاسية  بعد ان حٌرِمَ من حقوقه التقاعدية الوظيفية نتيجة انتشار وباء النزعات الانتقامية المرضية

لقد أضطر الى بيع داره ليشتري داراً اصغر مستثمراً الفارق في الثمن لتغطية حقوق معيشته اليومية مع زوجته القاصة ثبات نايف ، وعلى شراء ادوية معالجة بعد ان داهمته قائمة من الامراض  لكنه امام كل هذه الصعوبات الجمة  ظل صامداً تجلله كبرياء الفرسان .


مشاهدات 1128
أضيف 2022/09/05 - 5:52 PM
آخر تحديث 2024/11/20 - 11:49 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 29 الشهر 9153 الكلي 10052297
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير