البحث والأخلاق والأثر
صلاح الدين الجنابي
(البحث) ترديد هذه الكلمة يحفز العقل لاستحضار مجموعة من المشاهد والصور التي بدأت بمشهد الغراب الذي ذكر في القرآن الكريم كأول حادثة بحث موثقة في تاريخ البشرية (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ? قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَ?ذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ? فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(31: المائدة)، إذ أصبحت طريقة التزمت بها جميع الأديان السماوية، وصولاً إلى البحث في الفضاء الالكتروني عن مختلف الأشياء والمقاصد، لكن أشملها وأوسعها وأنفعها للبشرية البحث العلمي الذي تحكمه قواعد ومتطلبات بطرائق وأساليب مختلفة مذعنة لأخلاقيات ومعايير البحث العلمي التي لها علاقة طردية مع النتائج، يعني كلما كان الإلتزام والإذعان كبيراً فإنه يؤدي إلى نتائج أكثر دقة وموثوقية ورصانة، وبالتالي أثراً إيجابياً أكبر قد يستمر إلى نهاية الخليقة، هذا الأثر قاد إلى إطلاق معامل التأثير للمجلات المحكمة، فالإلتزام بقواعد ومتطلبات البحث العلمي بالارتكاز على القيم والأخلاقيات والمعايير الموثقة والمتعارف عليها علميا وأكاديميا يؤدي إلى إنتاج بحوث ترفع من معامل التأثير للمجلات العلمية التي تنشر فيها ولها أثر إيجابي كبير على التخصص والعملية البحثية والتعليمية والمجتمع.
أما عدم الالتزام بالقواعد ومتطلبات البحث العلمي وانتهاك القيم والأخلاقيات والمعايير يؤدي إلى إنتاج بحوث مزيفة (ليس لها قيمة ولا تساوي حتى قيمة الورق والحبر المستهلك)، تقلل من قيمة المجلات العلمية التي تنشر فيها ولها أثر سلبي ومدمر ووبائي على التخصص والعملية البحثية والتعليمية والمجتمع.
البحث العلمي العراقي يحتضر، ويحتاج إلى قرار علمي مهني أخلاقي حاسم ومسؤول لتصحيح مسارات العملية البحثية والنشر العلمي العالمي والاهتمام بالمجلات العلمية العراقية، لأنه أصبح وسلية للتضليل والخداع والمساومات والابتزاز والمكاتب والوسطاء (السماسرة) في عملية قبيحة ومخزية (تسيء لسمعة العراق الأكاديمية والبحثية) لإعداد البحوث ونشرها وخاصة في المجلات المصنفة في المستوعبات العالمية (المختلف على رصانة وصدقية أكثرها) التي تعتمدها تعليمات الترقيات العلمية لعام 2017 وتعد البحث المنشور فيها أصيلاً ولا يخضع للتقييم في الترقيات العلمية، وتعطى نقاطاً أكثر بالنسبة لطلبة الماجستير والدكتوراة. الحل قد يكون ممكناً إذا صدر هذا القرار الآن ولكنه يكون معقداً وشائكاً وفيه أضرار وبائية كبيرة وكارثية لا يمكن ازالتها عن البحث العلمي والتعليم والمجتمع، والتاريخ لا ينسى مواقف أصحاب القرار والعلماء الأفذاذ كما لا يغفل عن ذكر المساهمين والمتخادمين والعاجزين والمتفرجين. (كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ? فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)(17: الرعد)