حوار مع طبيب الجمال علاء حسين بشير.. الصديق الأقرب لمظفر النواب
باسم عبد الحميد حمودي
مقدمة
الدكتور علاء حسين بشير أخي وصديقي منذ عام 1958وقبل تخرجه في كلية الطب ببغداد.
كنا نجتمع بشكل شبه يومي في دار صديقنا المشترك جاري في مدينة المامون دكتور لبيب عبد الرحمن السامرائي ومعنا زملائهما دكتور علي الجاف ودكتور محمد شعبان ودكتور عصام رديف.
وكنا نجلس أيضا في حديقة دارنا التي كانت لاتبعد عن دار لبيب الا بخمس حدائق وخمسة بيوت.
كلهم كانوا طلبة في (الطبية) عداي ,فقد كنت طالبا في كلية التربية وأكبر سنا من علاء ولبيب بعامين,وكان الحوار يشتد بيننا ثقافة وسياسة,وكان لبيب أهدأنا وعلاء أكثرنا صمتا ورسما لمخططات تشكيلية ينفذها فيما بعد
بعد عام
كنت وعلاء أيضا نلتقي في أمسيات أتحاد الأدباء التي كان يقودها دكتور علي جواد الطاهر كل أربعاء ,لكن علاء بشير كان يدخل حدائق الأتحاد وسط (هرجة ) يقوم بها صديقه الشاعر مظفر النواب الذي كان يدخل الاتحاد مع علاء ومجموعة من المعجبين المحيطين به من طلبة الكليات..من الصيدلة والزراعة والعالية والطبية..وينقطع سيل الأمسية حتى تجلس عصابة مظفر وفي مقدمتهم علاء حسين بشير ..صديقه الأوثق
كان يغني لي اغاني أم كلثوم
وقمت بأيصاله حيث أراد ليلة اختفائه
قلت لعلاء:-كيف تنظر اليوم الى مظفر بعد رحيله؟
قال: أنظر الى مظفر من زاويتين للامانة التاريخية كأني أراه واقفا تحت شمس مشرقة مع ظله الذي يمتد طويلا في الأفق .
مظفر أصدق من عرفت...ما شعرت لحظة وأنا أتكلم معه أني أخاطب أثنين أو ثلاثة كما تجربتي مع الأخرين.
مظفر أنسان أمين ووفي وشريف... منذ أن تعرفت عليه في العام 1958 أدركت أن مظفر نجح في التغلب على نفسه منذ زمن مبكر فتخلص من مشاعر الحقد والكراهية والنميمة والنفاق والكذب والغدر والخيانة,وملئ نفسه بالمحبة والأخلاص وحب الحرية والحق والمساواة والعدالة والكرامة ,وخاصة حرية المرأة وكرامتها.
مظفر صديق نبيل وشهم وكريم وشجاع قل نظيره,ولمظفر عمق انساني آخر كالظل,يتفاعل معه فكريا وتاريخيا وأنسانيا
قلت لعلاء: ارجو ايضاح ذلك بالتفاصيل فقد قادك حبك لمظفر الى شاطئ آخر .
هم ثلاثة
قال دكتورعلاء:
أنه صديقي الفذ الرائع الوفي حتى النخاع ,واذا تحدثت عن ظل مظفر النواب وتضاريسه,فلا بد من الحديث عن الشاعر المبدع المرحوم يوسف الصائغ والمفكر الأديب والشاعر المبهر عبد الرحمن طهمازي, فهؤلاء الثلاثة يشتركون في جذر ثقافي وفكري عميق ومتين وممتلئ بالقيم الأنسانية وبمفهوم الحرية والعدالة والمساواة بغض النظر عن تفرعات أغصانهم الشخصية وألوان أوراقها.
توقيعان أختارهما مظفر
هنا وضع دكتور علاء أمامي صورتين لتوقيعين عبر الفيس ,وقال:
ممكن تنقل هذه اللوحة والتوقيع لأن لهما علاقة بمظفر لأنه هو من أختار لي هذا التوقيع وكما ترى...هناك تاريخين للوحة.
وقال علاء مستذكرا:
- كعادتنا في مساء كل يوم أثنين وخميس نجلس سوية في مشغل حافظ الدروبي,وفي مساء يوم الخميس المصادف السابع من شباط 1963 ذهبت الى بيت مظفر الواقع في كرادة مريم ,وذهبنا معا الى بيت الفنان حافظ الدروبي الذي أمسى مرسمه بمثابة مقهى لنا ,نلتقي فيه بأنتظام.
- كانت الساعة تشير الى الثانية عشرة بعد منتصف الليل عندما خرجنا من بيت المرحوم الدروبي,طلب مني مظفر أن أوصله الى بيت في منطقة البتاويين بدلا من بيتهم في كرادة مريم قائلا أن بعض الأصدقاء أصروا عليه أن يقضي الليلة معهم,قلت له مازحا أنه وكر جديد فضحك ولم يعقب...وقفت أمام البيت ودهشت لانه يقع مقابل بيت أحدأعز أصدقائي وهو الدكتور المرحوم عاصم محمد القزاز,وكان مظفر على علم أن القزازأقرب أصدقائي.
- رجعت الى بيتنا وأستيقظت على صوت أنفجارات وصوت المذيع من الأذاعة العراقية يعلن تغيير النظام وحذر المواطنين من أيواء رجال الحكم وأعضاء الحزب الشيوعي.
- أنتابني قلق شديد حول مصير مظفرز علمت أنه لم يذهب الى بيتهم, وفوررفع منع التجوال ذهب الى دار صديقي الدكتور القزاز وأخبرته أني أوصلت مظفر الى الدار المقابل لداره ليلة الأنقلاب فسكت ولم يعقب,رغم قلقي الشديد على مظفر.
في بيتنا... مظفر
( ..هنا أدركت من حديث دكتور علاء الذي أنقطع فجأة ثم عاد,أن مظفر كان هنا حيث قال علاء:
- كنت أزور الصديق القزاز كل جمعة وأتناول الغذاء معه ومع عائلته, ودوما كان مصير مظفر محور حديثناولم يخبرني أن (مظفر) كان مختبئا في بيتهم, وبعد شهر ونصف من تغيير النظامزرت المرحوم القزاز كعادتي فوجدت علامات الرضا على وجهه وقال:
- علي أن أعترف لك.. في صبيحة يوم انقلاب شباط وأنا جالس أستمع الى البيانات من الأذاعة سمعت طرقا على الباب ...فتحته, وأذا بشخص في غاية الأدب يقول: أنا صديق علاء بشير ..أنا مظفر النواب..هل ممكن أن أدخل بيتكم لساعات حتى أدبر أمر ذهابي الى مكان ما,فقلت لمظفر: أعتبرني أنا علاء وهذا بيتك.
- بقى مظفر في بيت عاصم القزاز وعائلته مدة شهر ونصف,ولم تكن له علاقة شخصية به,بعدها غادر الى أيران حتى ألقي القبض عليه من قبل السلطا ت الأيرانية التي سلمته للسلطات العراقية وسجن في سجن نقرة السلمان ثم نقل الى سجن الحلة.
-(سكتنا قليلا وتوقف نقرالحاسوب مع علاء ,وأنا أتذكر هرب مظفر ومجموعة معه من سجن الحلة في حادثة حفر النفق الشهيرة ,وألتحاقه بمجموعة ثورية ضد نظام البعث وسط الأهوار
غنى في داري بعد منتصف الليل
قلت للدكتور علاء: ما موضوع غناء مظفر
قال: أنت تعلم حبه لي وحرصه وفي ليلة من شتاء 1960 كنا مجتمعين في مرسم المرحوم حافظ الدروبي وكنت متعكر المزاج لسبب ما,احس مظفر بماأناعليه عليه,حين قمت بأيصاله الى داره في كرادة مريم عند منتصف الليل وعدت الى داري في منطقة العطيفية,وماأن أسترحت قليلا حتى وجدت صاحبي عند باب الدار وقد جاء قلقا علي.
دخل مظفر وقال لي: كنت قلقا من اجلك ولم استطع النوم وها انا ذا عندك...ثم أنطلق مغنيا بصوته الشجي دون مقدمات مجموعة من اغاني أم كلثوم الذي يعرف أني أحبها,وتدريجيا ذهب عني القلق وحل نوع من السكينة ثم المرح.
كان مظفر لايطيق أن يراني ساهما أو متجهما ويظل دوما حريصا على راحتي فلم أكن صديقا عابرا بل أخا وأكثر.
سكت دكتور علاء برهة ثم قال:
كان مظفر ق سجن مع سواه بعد انقلاب شباط ,فقد سلمته السلطات الأيرانية لحكومة بغداد الذي أودعته السجن وأناأتابع أخباره من بعيد.
في السابع عشر من تشرين الثاني 1967 مساء اتصل بي المرحوم الاستاذ حافظ الدروبي وطلب مني الحضور الى داره...أسرعت بالطبع لارى ما وراء تلك المكالمة الغامضة وطرقت الباب...كانت المفاجاة أن من فتح الباب هو مظفر النواب لاغير.
أحتضنته وجلسنا مأخوذين ببعضنا وعلمت من حديثه أنه ومجموعة من سجناء الرأي قد حفروا نفقا في سجن الحلة يؤدي الى الخارج,وأن ذلك قد أستمر شهورا حتى وصلوا الى وسط الشارع الذي يقع خلف السجن فهربوا!
قال مظفرأنه عانى حتى وصل بغداد والى بيت الدروبي ليراني ويودعني متجها الى مكان آخر...وكن وداعا جديدا بعد هذا اللقاء الذي لاأنساه.
كانت هذه أخر جملة من حوارنا الشجي عن النواب رحمه الله الذي صور فيها التشكيلي الكبير علاء بشير محطات من علاقة جميلة مثلى بينه وبين الراحل الكبير.