الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الرجل الذي‮ ‬رحل مرتين

بواسطة azzaman

الرجل الذي‮ ‬رحل مرتين
مؤيد داود البصام
عندما أتحدث عن رزاق ابراهيم الأنسان والمثقف الواعي‮ ‬لدوره في‮ ‬المجتمع والحياة أنما أتحدث عمن ترسخ وظل في‮ ‬تلافيف عقلي‮ ‬يحمل هذا الاسم،‮ ‬ولم أدخر منذ أن رايته وقابلته في‮ ‬نهاية ستينيات القرن الماضي‮ ‬في‮ ‬مقهى عارف أغا في‮ ‬بداية شارع الرشيد من جهة باب المعظم أسماً‮ ‬آخر،‮ ‬كنا كالعادة في‮ ‬جلساتنا اليومية مع الشاعر عبد الامير الحصيري‮ ‬في‮ ‬احداها،‮ ‬حينما دخل‮  ‬المقهى شاب بملابس حملت‮ ‬غرابتها التي‮ ‬لم نعتادها في‮ ‬اوساطنا تلك الفترة،‮ ‬يرتدي‮ ‬دشداشة ووسطها حزام جلدي‮ ‬عريض ويلبس فوقها سترة ويعتمر‮ (‬غترة‮) ‬ابيض واسود ملفوفة على راسه كما‮ ‬يلفها السومريون والبابليون التي‮ ‬شاهدناها في‮ ‬منحوتاتهم،‮ ‬عرفني‮ ‬عبد الامير عليه الشاعر رزاق ابراهيم من مدينتي‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يتغير الاسم على مدى الاعوام التي‮ ‬ظلت صداقتنا تنمو وتترسخ،‮ ‬وهي‮ ‬المفارقة التي‮ ‬وقع بها البعض فكتبوا عن وفاته،‮ ‬وهي‮ ‬بالحقيقة عن رزاق ابراهيم وليس عن رزاق ابراهيم حسن‮.‬
صديقنا الراحل رزاق ابراهيم نشر عن وفاته،‮ ‬يومها كنت اجلس في‮ ‬مقهى في‮ ‬باب المعظم بداية شارع المكتبات،‮ ‬قلت للذي‮ ‬نقل الخبر والجالسون،‮ ‬رزاق حي‮ ‬ولم‮ ‬يمت وهذا خبر مشكوك فيه،‮ ‬ونشرت رأي‮ ‬الذي‮ ‬اخذه احد الصحفيين الشباب الجالسين معنا،‮ ‬وفعلا خلال ثلاثة أيام ظهر رزاق،‮ ‬كان متعباً‮ ‬بعض الشيء ولكنه حي،‮ ‬وجاء بسكيج لغلاف صممه أحد الفنانين الشباب،‮ ‬وقال لي‮ ‬رايك بهذا الغلاف للكتاب الذي‮ ‬ارد به على خبر موتي،‮ (‬رثاء ميت لم‮ ‬يزل حيا‮). ‬اشرت له على بعض التصليحات أو الرأي‮ ‬في‮ ‬تعديل التصميم،‮ ‬وهكذا بقينا على اتصال مستمر في‮ ‬لقائنا في‮ ‬المقهى بداية شارع المكتبات‮.‬
ومن‮ ‬يتابع رزاق سيقف على ماكنة لا تتوقف طيلة النهار وقسم من الليل في‮ ‬حمل الهم الثقافي،‮ ‬لا بل لا‮ ‬يهدء ولا‮ ‬يستكين وهو‮ ‬يحاول أن‮ ‬يساعد الآخرين والنشر لهم في‮ ‬جريدة الزمان لانهم لم‮ ‬يستطيعوا من النشر فيها لجدية ما كانت تنشره والاسماء التي‮ ‬تنشر فيها،‮ ‬وكان صاحب حضوة من تنشر له الزمان لسببين‮ ‬،‮ ‬سيكون قد دخل صف الكتاب المهمين،‮ ‬وثانيا سينال مكافاة من الصحيفة عندما كانت تدفع للكتاب،‮ ‬ولهذا كان رحمه الله ملاذا للكثير طلبا لان‮ ‬يتوسط لهم للنشر،‮ ‬ولم أعرف عنه أنه توقف أمام طلب شخص ما،‮ ‬كان‮ ‬يبذل قصارى جهده من أجل أن‮ ‬يساعد،‮ ‬لقد كانت طيبته التي‮ ‬عرفته بها أيام ستينيات القرن الماضي‮ ‬وخجله الذي‮ ‬لم‮ ‬يفارقه من تلك الايام لغاية مفارقتنا،‮ ‬وهو ما‮ ‬يشير انها طبيعته وجزء من تكوينه والا لتغيرت الامور بعد كل هذه السنين،‮ ‬وكشف عن طباعه وسلوكه أن كان مغايراً،‮ ‬لقد كان رحمه الله شخصية محببة وذات طباع لم‮ ‬ينزعج من أحد،‮ ‬حتى في‮ ‬المزاح الثقيل الذي‮ ‬كان صديقنا د.مالك المطلبي‮ ‬يمازحه،‮ ‬فقد كان‮ ‬يحني‮ ‬راسه مع ابتسامة خفيفة على شفتيه،‮ ‬ولم أسمعه‮ ‬يرد على مشاكسات المطلبي‮ ‬وهو الوحيد الذي‮ ‬كان‮ ‬يتجرء في‮ ‬مشاكسته،‮ ‬ومن قصص أخلاصه ووفائه بالعهد،‮ ‬أن طلب مني‮ ‬أن‮ ‬يستلف من مكتبتي‮ ‬مجموعة مصادر لاجل ابنته ايناس كمراجع لدراستها العليا،‮ ‬وجاء للبيت واختارا مجموعة مصادر‮ ‬،‮ ‬سجلناها على ورقة كالعادة حينما‮ ‬يستلف من مكتبتي،‮ ‬وبعد فترة من دون أطالبه أو الح في‮ ‬عودة كتبي‮ ‬كما‮ ‬يحدث مع الكثيرين،‮ ‬حضر إلى الدار وبصحبته الكتب،‮ ‬رزاق من الشخصيات النادرة في‮ ‬طيبته ووفائه للعهود متعدد المواهب والروح المخلصة‮....‬
يمثل رزاق جيلا بدأت طلائعه بالانقراض مع تخصص التخصص الذي‮ ‬ابتدعته ما بعد الحداثة،‮ ‬فقد كان متعدد المواهب والاهتمامات الادبية والفكرية،‮ ‬فهو شاعر وصحفي‮ ‬له باع،‮ ‬ومدافع بالحرف والكلمة عن الطبقة العاملة،‮ ‬محقق ناجح في‮ ‬متابعة الاحداث والاشخاص صحفياً‮ ‬وادبياً،‮ ‬أمتلك تلك الروح التي‮ ‬اتصفت بها روح الموسوعية للذين كانوا ما قبل خمسينيات القرن العشرين،‮ ‬فهو واسع المعارف وكتب في‮ ‬العديد من المواضيع التي‮ ‬حملت هموم شعبه ووطنه،‮ ‬تحمل الكثير من المعاناة مع أصحاب المطابع والصحف ولكنه لم‮ ‬يكل أو‮ ‬يمل في‮ ‬ترسيخ قيمه الثقافية والدفاع بما آمن به،‮ ‬للصديق الراحل قصص كثيرة‮ ‬يحملها جيل من الكتاب والشعراء منذ خمسينيات القرن الماضي‮ ‬ولحين مغادرته عالمنا،‮ ‬عالم الضجيج الفارغ،‮ ‬تتحدث عن طيبته وثقافته وروحه العصامية المكافحة لاجل‮ ‬غد افضل،‮ ‬ولعل ما كتبه شعرا في‮ ‬حياته خاتمة لذكرى عطرة ما زالت تتجدد كل ما مرت ذكراه‮..‬
إذكروني‮ ‬على فراش المساء والحكايات والهوى والجفاء
إذكروني‮ ‬فإنني‮ ‬لست انسى‭?‬‮ ‬كلمات السنين‮ ‬يا أصدقائي
لن أقل للفؤاد مات الأحباء وذاب الحنين في‮ ‬أحشائــي
كل‮ ‬يوم‮ ‬يمر للعهد ذكــرى‭?‬‮ ‬وحياة جديدة للوفـــــــــاء


مشاهدات 951
أضيف 2022/06/11 - 12:23 AM
آخر تحديث 2024/06/29 - 8:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 401 الشهر 11525 الكلي 9362062
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير