الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظام التجنيد الإلزامي‮ ‬.. جدل عقيم وإختلالات بنيوية

بواسطة azzaman

نظام التجنيد الإلزامي‮ ‬.. جدل عقيم وإختلالات بنيوية


عماد علوّ‮ ‬الربيعي

مدخل
مرة أخرى‮ ‬يطرح في‮ ‬أروقة مجلس النواب مشروع قانون الخدمة الإلزامية أو الاجبارية في‮ ‬القوات المسلحة العراقية،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يعتقد ويروج البعض أن نظام أو قانون الخدمة الإلزامية هو الحل الأمثل والانجع لتربية جيل شاب بات‮ ‬يعاني‮ ‬من ظواهر سلبية عديدة مثل المخدرات والانحلال الأخلاقي‮ ‬والميوعة‮ ...‬الخ‮...! ‬دون أي‮ ‬اعتبار او إشارة لدور العائلة والمؤسسات التعليمية والجامعية والمؤسسات الإعلامية والدينية في‮ ‬وضع بصماتها على سلوك اجيالنا الشابة وحمايتها من الانحرافات أو الابتعاد عن القيم والتقاليد الاجتماعية والدينية والأخلاقية التي‮ ‬تحرص المجتمعات على تكريسها في‮ ‬تربية وانشاء اجيالها‮. ‬والسؤال المطروح عن مدى حاجة المجتمع والدولة والمؤسسة العسكرية في‮ ‬العراق الى سن قانون او نظام الخدمة الإلزامي‮ ‬او الاجباري؟‮  ‬وما هي‮ ‬أهم العقبات التي‮ ‬تقف في‮ ‬طريق هذا القانون قبل إقراره؟
مشهد سياسي
في‮ ‬الجانب السياسي،‮ ‬فلم‮ ‬يعد خافيا‮" ‬اليوم أن المشهد السياسي‮ ‬العراقي‮ ‬يتسم بحالة من‮ (‬الانسداد السياسي‮) ‬الذي‮ ‬أعاق تشكيل حكومة جديدة على ضوء نتائج الانتخابات التي‮ ‬جرت في‮ ‬أكتوبر تشرين الأول‮ ‬2021‮. ‬الامر الذي‮ ‬يشير الى أن اختيار توقيت طرح قانون او نظام الخدمة الإلزامي‮ ‬او الاجباري‮ ‬هو لأغراض سياسية بحتة وليس لحاجة أمنية ملحة تتعلق بالأمن الوطني‮ ‬العراقي‮ ‬أو لدعم جهود الأمن والاستقرار في‮ ‬العراق،‮ ‬فالتجربة السياسية طيلة‮ (‬19‮) ‬عاما الماضية أشرت الى أن أغلب الأحزاب والكتل السياسية‮ ‬غير متحمسة لتقوية وترصين المؤسسة العسكرية العراقية والحفاظ على وضعها الهش في‮ ‬معادلة الحكم في‮ ‬العراق،‮ ‬وشعار‮ (‬مركز ضعيف وأطراف قوية)الذي‮ ‬طرح سياسيا‮" ‬في‮ ‬مراحل سابقة،‮ ‬لم‮ ‬يغب عن ذاكرة المواطن العراقي‮ ‬،‮ ‬إذ تعتبر معظم القوى والأحزاب والكتل السياسية،‮ ‬أن وجود جيش قوي‮ ‬إلى جانب نقمة شعبية متصاعدة،‮ ‬من الممكن أن‮ ‬يؤسس لواقع سياسي‮ ‬جديد في‮ ‬العراق،‮ ‬وهو ما لا ترغب به‮. ‬والدليل على ذلك الدعوات التي‮ ‬صدرت في‮ ‬عام‮ ‬2019‮ ‬من قبل بعض السياسيين لحل الجيش العراقي‮ ‬وأثارت جدلا‮" ‬واسعا‮" ‬في‮ ‬الشارع العراقي‮. ‬واذا ما علمنا أن أغلب القوى والأحزاب السياسية تتوافر على أجنحة وفصائل مسلحة،‮ ‬مما سيجعل من عملية تجنيد منتسبيها في‮ ‬الجيش الرسمي‮ ‬مشكوك بها‮.. ‬وهنا لابد من الإشارة الى أن قوات الحشد الشعبي‮ ‬وقوات البيشمركة تعتمد نظام التطوع بالنسبة للانتساب اليها،‮ ‬فهل سيطبق قانون أو نظام خدمة العلم على منتسبيها؟ وكيف سيتعامل القانون الخدمة الالزامية مع المواطن الكردي‮ ‬الذي‮ ‬سيفضل الخدمة في‮ ‬صفوف قوات البيشمركة،‮ ‬مما قد‮ ‬يعتبر تميزا‮" ‬دون وجه حق لمكون على حقوق بقية المكونات‮!‬
أما في‮ ‬البعد الاقتصادي،‮ ‬فان الازمة الاقتصادية التي‮ ‬يمر بها العراق اليوم بل والعالم ستجعل من كلف تطبيق قانون او نظام الخدمة الإلزامي‮ ‬او الاجباري‮ ‬عبئا‮" ‬إضافيا‮" ‬على كاهل الدولة والمجتمع العراقي،‮ ‬حيث أن الكلفة التقديرية للانتقال الى تطبيق قانون او نظام الخدمة الإلزامي‮ ‬او الاجباري‮ ‬قد‮ ‬يكلف الموازنة‮ (‬6 إلى‮ ‬8‮) ‬ مليار دولار سنويا تشمل(مراكز تدريب ومدارس قتال،‮ ‬وتجهيزات عسكرية،‮ ‬ورواتب،‮ ‬ومعسكرات إيواء‮)‬،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يحتاج الجيش العراقي‮ ‬الذي‮ ‬يضم تقريبا‮"(‬310‮) ‬آلاف منتسب مدني‮ ‬وعسكري،‮ ‬موزعين على ما‮ ‬يقارب‮ ‬14 فرقةً‮ ‬عسكريةً‮ ‬منتشرةً‮ ‬في‮ ‬مختلف المحافظات باستثناء إقليم كردستان العراق،‮ ‬إضافة الى منتسبي‮ "‬جهاز مكافحة الإرهاب‮" ‬تقريبا‮"(‬16‮) ‬ألف منتسب مدني‮ ‬وعسكري،‮ ‬الى‮ (‬18,7 مليار دولار‮)‬،‮ ‬بحسب موازنة عام‮ ‬2021‮ ‬وهي‮ ‬تغطي‮ ‬30‮ ‬بالمئة من حاجة الجيش العراقي‮ ‬للتسلح والتدريب،‮ ‬واذا ما استقطعت‮(‬6 إلى‮ ‬8‮) ‬مليار دولار سنويا لأغراض تطبيق قانون التجنيد الاجباري‮ ‬فان قدرة الجيش على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية ستنخفض الى ما‮ ‬يقارب‮ ‬40‮ ‬بالمئة أما اذا أضيفت كلفة تطبيق القانون الى ما‮ ‬يخصص للجيش ضمن الموازنة فان ذلك قد‮ ‬يضفي‮ ‬أعباءً‮ ‬جديدةً‮ ‬على موازنة الدولة في‮ ‬ضوء الأزمة الاقتصادية التي‮ ‬يواجهها العراق اليوم‮. ‬
في‮ ‬الجانب العسكري‮ ‬فان العقبات التي‮ ‬تعيق تطبيق قانون التجنيد الالزامي‮ ‬أو الاجباري‮ ‬تتمثل بعدم اليقين الكبير المحيط بمستقبل عمليات مكافحة تنظيم داعش الإرهابي‮ ‬في‮ ‬العراق بسبب التوترات السياسية والعسكرية بين الفصائل المسلحة العراقية وقوات التحالف الدولي‮ ‬بقيادة الولايات المتحدة الامريكية،‮ ‬وانتشار وباء كوفيد‮ ‬– 19? بالإضافة الى إعادة تموضع وانسحاب قوات التحالف الدولي‮ ‬ومن ضمنها القوات الامريكية العاملة في‮ ‬العراق،‮ ‬مخاوف مفهومة حول عودة تنظيم داعش في‮ ‬العراق،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يبدو فيه أن عودة التنظيم في‮ ‬العراق مجدداً‮ ‬أمر لا مفر منه‮ - ‬فالبلاد عرضة لعوامل محركة داخلية مختلفة،‮ ‬في‮ ‬وقت تبدو فيه الولايات المتحدة الامريكية بعد الانسحاب من أفغانستان وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية،‮ ‬في‮ ‬وضع‮ ‬غير مريح‮ ‬يؤهلها لقيادة دعم دولي‮ ‬جديد لجهود بغداد لمكافحة الإرهاب وقمع أنشطة تنظيم داعش فعلياً‮ ‬في‮ ‬هذه البقعة الساخنة‮. ‬
كل ذلك‮ ‬يؤشر بشكل واضح أن الحرب ضد تنظيم‮ (‬داعش‮) ‬الإرهابي‮ ‬بعد عام‮ ‬2014‮ ‬قد أفرزت وكشفت عن جملة من المعاضل والتحديات والتأثيرات العسكرية الداخلية التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها المؤسسة العسكرية العراقية‮ ‬،‮ ‬الامر الذي‮ ‬يتطلب معه الوقوف عندها لتحليل تداعياتها على بناء وتطور المؤسسة العسكرية العراقية،‮ ‬التي‮ ‬باتت تحتاج بشكل عاجل الى إعادة النظر في‮ ‬طبيعة الأهداف والمهام والارتباط،‮ ‬للقوات المسلحة العراقية بمختلف مسمياتها،‮ ‬ومن ثم فإن هذه الإشكالات تطرح تساؤلات مهمة عن أهمية الدعوة اليوم لإعادة طرح‮  ‬قانون التجنيد الالزامي‮ ‬أو الاجباري‮ ‬في‮ ‬ضوء التحديات الكبيرة التي‮ ‬تواجهها المؤسسة العسكرية العراقية،‮ ‬خصوصًا أن الجيش العراقي‮ ‬اليوم‮ ‬يمتلك أعدادًا بشرية كبيرة مقارنة ببعض جيوش دول الجوار،‮ ‬ويعاني‮ ‬من عدم اكتمال وتشريع القوانين التي‮ ‬تنظم عمل المؤسسات العسكرية والأمنية وعلى رأسها وزارة الدفاع العراقية التي‮ ‬لم‮ ‬يشرع قانونها لحد الان‮.‬
خلاصة‮ ‬
ختاما‮" ‬نشير الى أن دولا‮" ‬عديدة قد استغنت عن نظام التجنيد الاجباري‮ ‬مثل،‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبلجيكا وأستراليا ونيوزيلندا والهند وباكستان،‮ ‬وتتجه الجيوش العالمية اليوم الى اعتماد نظام الجيوش الذكية الذي‮ ‬يقلل من الأعداد البشرية مقابل مستوى عالي‮ ‬من الكفاءة القتالية وزيادة الاعتماد على الاسلحة والتكنولوجيات المتطورة في‮ ‬الحروب الحديثة ذات القدرات التدميرية الكبيرة،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تحقق أعلى كفاءةً‮ ‬وأقل خسائر‮. ‬فجيش محترف من المتطوعين ذوي‮ ‬التدريب العالي‮ ‬والاستعداد القتالي‮ ‬المتطور هو بالتأكيد أكثر كفاءة وقدرة من جيش المكلفين قهرا‮" ‬واجبارا‮" ‬للخدمة العسكرية المحدودة زمنيا‮". ‬وعليه أعتقد أنه سيكون من الحكمة التريث في‮ ‬إقرار تطبيق قانون التجنيد الالزامي‮ ‬أو الاجباري‮.. ‬وللحديث بقية‮... ‬

‮{ ‬لواء ركن متقاعد‮ ‬
مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية


 


مشاهدات 523
أضيف 2022/06/03 - 11:31 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 5:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 371 الشهر 7939 الكلي 9370011
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير