الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ذكرياتي عن المذيعة عربية توفيق لازم.. أول من أذاع بيانات الثورة ثم فصلت من الوظيفة بعد ستة أشهر

بواسطة azzaman

ذكرياتي عن المذيعة عربية توفيق لازم.. أول من أذاع بيانات الثورة ثم فصلت من الوظيفة بعد ستة أشهر

محسن حسين

عرفت عربية توفيق لازم قبل ثورة 14 تموز 1958 التي اعلنت بصوتها من اذاعة بغداد قيام الجمهورية العراقية واذاعت بيانات الثورة.كان ذلك في بدايات عملي الصحفي وفي بدايات عملها الاذاعي قبل الثورة باقل من سنتين وقد استعنت بها في تحقيق صحفي نشرته صحيفة الشعب في العهد الملكي كما كتبت تحقيقا عن المذيعين والمذيعات في الايام الاولى للثورة نشر في مجلة صباح الخير المصرية ثم تابعت نشاطها وخاصة في المجال الاكاديمي.

عربية من مواليد 1939  توفيت عام 2008  عن عمر ناهز السبعين عاما  والدها الفنان توفيق لازم وتنحدر أسرتها من مدينة العمارة جنوبي العراق،لها شقيقان هما العميد المهندس محمد توفيق من اساتذة الكلية الهندسية العسكرية والرياضي اللواء خالد توفيق لازم من أبطال العراق ومؤسس الرياضة العسكرية العراقية ولها شقيقة هي الجراحة الدكتورة آمال توفيق لازم.

حين عرفتها كانت طالبة في كلية التربية جامعة بغداد التي تخرجت منها عام 1960  وحصلت على الماجستير من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1968  ثم نالت شهادة الدكتوراه  في الأدب العربي من جامعة بغداد عام 1983 . عملت مدرسة في المدارس وبعد نيلها الشهادات العليا عملت استاذة في الجامعات العراقية في بغداد والموصل ولها عدة مؤلفات منها حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث. والمرأة في الشعر العراقي

وتقول عربية عن عملها في الاذاعة (انا أول مذيعة تقرأ أخباراً، في حين كانت قبلي السيدة صبيحة المدرس مذيعة ربط بين البرامج وليس مذيعة أخبار متخصصة، لكن هذا لم يمنعني من الإشتراك في تقديم برامج أخرى).

 توزع عملها بين قراءة التعليق السياسي ونشرة الاخبار وبرنامج ما يطلبه المستمعون وطبيب الاسرة وبرنامج الحصاد الذي كان يعده سليم معروف.

هنا اروي حكايتين الاولى عن عملها في الاذاعة والثانية عن التحقيق الصحفي الذي كتبته واثار ضجة في الكلية التي كانت فيها.

*مما روته عربية عن اذاعتها بيانات الثورة انها كانت في بيتها في يوم عطلتها الاسبوعية وفوجئت في الساعة الخامسة صباحا بسيارة الاذاعة تقف امام بيتها وفيها من يطلب الحضور فورا الى الاذاعة وعندما ذهبت فوجئت بقوات عسكرية امام  مبنى الاذاعة في الصالحية وعلمت على الفور بقيام الثورة وقيام الجمهورية وسقوط النظام الملكي. تقدم أحد الرجال الغرباء الى رجل كان واقفاً بزيه العسكري عند مدخل الاذاعة، وقدمني له قائلاً:- سيدي، هذه هي المذيعة عربية توفيق لازم.

صافحني وعرفني بنفسه، وهو يتكلم بنبرة واثقة، وقدم لي مجموعة من البيانات التي كان يريد مني تقديمها. وبنوع من الحماس والاطمئنان الذي تملكني إثر محادثته لي، سألته باندفاع:

- ماذا عن المرسلات الإذاعية؟ هل وضعتم يدكم عليها؟

أجابني متفاجئاً باستغراب:- وأين هذه المرسلات؟

فقلت له بحيوية:- هي في أبي غريب، وإذا لم تستولوا عليها فلا قيمة لهذه البناية؟

كنت أقصد الإذاعة، وسرعان ما نادى على أحد الجنود وقال له:- تأخذ سرية كاملة وتذهب الى أبي غريب، وتسيطروا على المرسلات الإذاعية.

كان هذا الصوت الذي يأمر من حوله، ويحاول السيطرة على المكان صوت العقيد عبد السلام عارف.

قطعات الجيش

كان الوقت يمضي سريعاً، ولم يتبق أمامنا سوى ربع ساعة لموعد إفتتاح الإذاعة، الساعة السادسة صباحاً، وهو الموعد نفسه الذي إتفق عليه القائمون بالثورة لدخول بقية قطعات الجيش المشاركة للإحاطة بالإذاعة. دخلت مع العقيد عبد السلام إلى الأستوديو، وقلت له:

- لنعطي فرصة للجماعة التي ذهبت الى أبي غريب، كي تنجز مهمتها، ودعني أتصرف بمعرفتي.

فأجابني بنوع من الاطمئنان المشوب بالقلق والترقب:- تصرفي.

أعطيت إشارة الإفتتاح قبل خمس دقائق من الوقت المحدد، إلى أحد الفنيين العاملين في الكونترول، فوضع إشارة المحطة، وبدأت بعد ذلك أتكلم، حييت الجمهور العراقي بكلمات إعتيادية، وكأن شيئاً لم يحصل، وبأسلوب هادىء، ثم بدلاً من أن أقرأ المنهاج لذلك اليوم، أخذت أتكلم عن إشراقة الصباح والجو الجميل في بغداد، ثم فتحت المايكروفون لدقات الساعة، وقلت بعدها:

- أيها المواطنون الكرام! ، أحييكم وأقدم لكم هذا البيان. جلس العقيد وبدأ يقرأ بيان الثورة الأول بصوته، وبدأنا بعد ذلك، نتوجه الى الجماهير بالحث لخروجها، لمساندة الثورة وتشجيعها وتشجيع القبائل على إرسال البرقيات المؤيدة.

لكن التي كانت اول من اذاع عبارة الجمهورية العراقية وبياناتها الاولى فوجئت بعد سبعة أشهر (يوم 2 اذار 1959) بامر وزاري بالفصل من وظيفتها وهذا نصه:- (بناءً على مقتضيات المصلحة العامة ونظراً لمتطلبات الأمن فقد قررنا فصل (عربية توفيق لازم)، ينفذ هذا الأمر اعتباراً من تاريخ صدوره).

*اما التحقيق الصحفي فحكايته حكاية اذ كنت متاثرا بالصحافة المصرية ابحث عن مواضيع مثيرة فقررت ان تكون  فكرة التحقيق استطلاع أراء عدد من الطالبات الجامعيات و رأي كل طالبة عما تفعله لو وجدت في أحد كتبها رسالة غرامية من زميل لها في  الجامعة!استعنت بالطالبة (عربية توفيق لازم) في دار المعلمين العالية التي اصبحت فيما بعد كلية التربية واستطاعت عربية اقناع 4 طالبات للمشاركة في هذا التحقيق أذكر من بينهن (شهرزاد) بنت الأديب والقاص المعروف (ذو النون أيوب) وكانت أكثرهن جرأة في انتقاد الطلاب، ومن بين ما قالته عما تفعله لو وجدت رسالة غرامية من أحد الطلاب إنها ستذهب إليه وتنتقده على ما فعل وتخبره إنه كان عليه أن يفاتحها مباشرة لأنها تتمتع بالحرية الكافية بما في ذلك مقابلة زملائها وأصدقائها في بيتها.

وما أن نشر التحقيق في صحيفة الشعب يوم 31/1/1958  وتحت عنوان (معلمات المستقبل ثائرات) حتى حدث هيجان في الدار وأخذ الطلاب يهاجمون الطالبات المشتركات في التحقيق وغيرهن بمختلف الطرق بما في ذلك إسماعهن الكلمات البذيئة وأدى ذلك إلى إيقاف الدوام في الدار مدة ثلاثة أيام.وقد أثارت الطلاب عبارات للطالبات مثل (إن سلوك الطلاب من الزميلات سيئ والطلاب لا يستحقون المخالطة لأنهم على العموم غير مثقفين ويسيئون السلوك باختلاطهم).ومن العبارات التي أثارت الطلاب قول (شهرزاد) إنها تكره الكلية وتكره كل طلابها وأنهم (غير حلوين)!

ذو النون ايوب يعتذر

وبعد نشر التحقيق وردتني عدة تعقيبات ومقالات وردود من طلبة وأساتذة نشرنا بعضها ومازلت احتفظ بعدد منها رغم مرور أكثر من 60 عاما.وقد بذل عميد الدار الدكتور محمد ناصر (الذي أصبح وزيرا في الستينات) جهودا كبيرة لإعادة النظام ومتابعة الدراسة.

بعد يومين جاءني والد شهرزاد الأستاذ ذوالنون أيوب ومعه ابنته شهرزاد نفسها وهي تحمل توضيحا واعتذارا لما بدر منها وأظن ان والدها هو الذي كتب ذلك الاعتذار ، ومما جاء فيه ان إجاباتها (كانت  مستعجلة وفورية كأنها في ساحة امتحان) وقالت شهرزاد (ان الإنسان في هذه الظروف عندما يقول انه يكره الكلية فهو يعني ان الكلية لا تريحه من جميع الوجوه وفيها متعبات ومنغصات، وحين يقول انه يكره كل الطلاب يعني طبعا انه لا يرتاح الى مضايقات الطلاب وعدم تقديرهم لإحساس رفيقاتهم الطالبات والكل يعني البعض او الأغلب في الكلام الجاري الاعتيادي ولست من الكاتبات لكي ازن كلامي بالمثقال، ومهما كان الأمر فقد سببت هذه الغلطة اطلاعي على اني كنت مخطئة بعض الشيء).وختمت اعتذارها قائلة (اني امد يدي لمن يصافحني واعتذر له ان كنت قد اسأت اليه)! وخلال أسبوعين نشرنا الكثير من الردود والتعقيبات من أساتذة الجامعة وطلاب الجامعة وبعض الكتاب والصحفيين واعتقد ان سبب الضجة  يعود إلى أن الناس في تلك الفترة لم يعتادوا على مثل هذه الآراء.وعلى المستوى الشخصي نلت مكافأة من رئيس التحرير الاستاذ يحي قاسم وكله كان بفضل مساعدة عربية توفيق لازم.


مشاهدات 684
أضيف 2022/04/11 - 4:05 PM
آخر تحديث 2024/07/01 - 9:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 161 الشهر 588 الكلي 9362660
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير