ما بين الحرية والفوضى

مازن الحيدري

يعد الدستور الامريكي الذي كتب قبل اكثر من قرنين من الزمان واحدا من افضل الدساتير الحديثة في العالم ،، ولا يخفى على الجميع بان الظروف التي كتب فيها الدستور الامريكي تختلف كثيرا عن الظروف التي نعيشها اليوم ، حيث كانت امريكا في بدايات تشكيلها ومازالت الحرب الاهلية والعبودية والتمييز العنصري حاضرة ، ورغم هذا فقد نجح المؤسسون في التوصل الى صيغة لكتابة هذا العقد الاجتماعي الذي حصل على إجماع وموافقة المهاجرين من مختلف دول اوربا وغيرها والذين شكلوا النواة لشعب متعدد الاعراق والأصول والديانات والثقافات تحت هوية واحدة تمنح المهاجر صفة مواطن من رعايا الولايات المتحدة الامريكية.

وخلال مايقرب من مئتين وخمسين عاما جرى ثلاثة وثلاثين تعديلا على الدستور ، وشملت هذه التعديلات امورا تتعلق بالصيغ التشريعية والحقوق المدنية .

يعتبر حق امتلاك السلاح واحدا من الفقرات التي نص عليها الدستور الامريكي ، حيث كان رعي الابقار والمواشي يشكل أحد اهم النشاطات الاقتصادية للمجتمع الامريكي الذي اكتسب صفة ( الكاوبوي ) نسبة لهذا النشاط !!

وقد كان امر حيازة وحمل السلاح واحدا من المتطلبات الضرورية لتوفير الحماية انذاك ، واليوم وبعد انحسار رعي الابقار ودخول التكنولوجيا الحديثة في كافة مفاصل الحياة نجد ان حيازة وحمل الاسلحة مازالت قائمة او بالاحرى في تزايد متسارع !!

ولا يخفى على الجميع بان هذا الامر مرتبط بمصالح شركات تصنيع الاسلحة المتنفذة والمؤثرة في دائرة صنع القرار الدستوري !!

إن التغاضي عن اي خلل او قصور يحصل في مواد وفقرات الدستور يسبب اضرارا كبيرة للمجتمع ويجب ان يخضع لمعالجات وتعديلات مدروسة وفعالة وسريعة ..

حين اشاهد حوادث اطلاق النار التي تتزايد هنا في الولايات المتحدة الامريكية وما يقابلها من رفض لاجراء تعديل دستوري يحد او يلغي حق امتلاك السلاح بحجة الحفاظ على الحريات يقودني ذلك الى التفكير في عدد غير قليل من المواد التي تضمنها الدستور العراقي الذي تمت مصادقته في العام الفين وخمسة والذي اثبتت تجارب السنوات القليلة الماضية ضرورة مراجعة هذا العقد الاجتماعي وتعديل فقراته بما يخدم المجتمع ..

ان الحرية الدستورية ساهمت في بناء اكبر نظام في العالم لكنها ستكون هي ذاتها السبب في انهيار هذه النظام حين تبلغ الحرية حد الفوضى الدستورية !!