الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يسخو القلم

بواسطة azzaman

حين يسخو القلم

حسين الصدر

-1-

حين قدّمتُ أحد كتبي هديةً للأخ الحبيب الاستاذ الأديب السيد محسن الموسوي – حفظه الله – استشهدتُ بالبيت الشعري المعروف :

ومَنْ كانَ للآدابِ والعِلمِ عاشِقاً

فأجملُ ما يُهدى إليهِ كتابُ

ولم أكن مُحيطا بعمق العلاقة والصلة بين السيد الموسوي حفظه الله وبين ما يُصدره الكُتّابُ والمؤلفون من اصدارات جديدة ، ولم أكن محيطاً أيضا بانَّ الرجل سخيٌّ بوقته ،يغوص في أعماق ما ضَمَّتْهُ تلك الكتب ليقطف من رياضها أطيب الثمار، ولا يكتفي بذلك بل يحرص على تقديم تلك الثمار الى قرائه أيضا.

ويمكنني القول :

أنه في طليعة من يسخو بِقَلَمِه ليضيء الدرب للباحثين عن النافع المفيد في ميدان التكامل الروحي والاخلاقي والادبي والثقافي ، وقد أصبح بهذا واحداً من الرّواد الذين نذروا انفسهم لخدمة الدين والعلم والأدب، وكفاه ذلك مجداً ورفعة واستحقاقاً للتبجيل والتقدير .

-2-

وقد عوّدني أنْ يبادر الى قراءة كُلِّ جزءٍ أُصدرُهُ مِنْ (موسوعة العراق الجديد) المعنيّة بشؤون الوطن الحبيب وما يعانيه المواطنون العراقيون الاعزاء في شتى النواحي والمجالات لاسيما التقصير الكبير في ميدان الخدمات الضرورية .

-3-

ولا أكتم القارئ العزيز سراً اذا قلتُ :

انه يكتب ولكنَّ حِبْرَهُ المودة والوفاء والنبل والإخاء، وهو بهذا يطوّق جيدي بما أعجز عن شكره، وبما لا أقوى على بيانه من مشاعر البهجة والنشوة والارتياح ، لما تفوح به كتاباته من عِطر وسِحْر .

-4-

واليك ما كتبه عن كتابنا ( رُزْمَةُ أوراق في الملتقى الشهري ) – وهو الجزء الخامس والسبعون من موسوعة العراق الجديد – لتقف بنفسك على حقيقة ما قلناهُ ...

مع ازجاء التحيات الحارة والدعوات الخالصة للاديب المفضال صديقنا الموسوي .

{ { { {

وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ ...

الكتاب : رزمةُ أوراقٍ في الملتقى الشهري

تأليف   : سماحة العلامة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر  ، حفظه الله

الطبعة  : الأولى  / بغداد 2022م _ 1443هج

عدد الصفحات : 144صفحة

من مفاخر الإسلام أنّه قد بدأ طريقه ومشواره بالقراءة والعلم والقلم  ، وأول أمر وجّهه اللهُ إلى نبيّه كان أمراً ثقافياً  ، وهو قراءة لوحٍ نُشرَ لأوّل مرّةٍ أمام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله  وسلم  ، وكان اللوحُ منظّماً ومكتوباً .

فأذن  ، أوّل أمرٍ جاء في الإسلام  ، كان أمراً ثقافياً : ( إقرأ ) .

وهذا فعل الأمر: ( إقرأ ) له دلالات  كثيرةٌ  ، لاتخفى على الإنسان  ، وخاصةً اللبيب منهم  ، فالقراءة هي المصدر الأساس لتحصيل أنواع العلوم والفنون والآداب  ، وإذا حُرِمَ الإنسان من نعمة القراءة  ، فقد حُرِمَ من خيرٍ كثير .

ولذائد الدنيا كثيرة ومتنوعة  ، منها لذّة الأكل والشرب  ، ولذة امتلاك الأموال المنقولة وغير المنقولة  ، ولذة كرسي الحُكْم ، ولكن أعظم اللّذات هي لذة طلب العلم  ، وقد روي عن أحد العلماء قوله : لو عَلِمَ الملوك بما نحنُ فيه من لذّة طلب العِلْم لَجالدونا عليه بالسيوف .

ولِسيدنا سماحة العلاّمة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر  ، حفظه الله  ، الحظ الوافر في لذّة طلب العلم  ، ولذّة نشره على الناس  ، وأمامنا  الجزء الخامس والسبعون من ( موسوعة العراق الجديد )  ، وقد جعل لها عنواناً مبتكراً ، لايبتعد كثيراً عن عالَم القراءة ، وهي الأوراق  : (رزمةُ أوراقٍ في الملتقى الشهري ) .

تتميّز كتابات سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله،  ببراعة اختياره للموضوعات التي يتناولها  ، لايوجد في قاموسه ( الترف الفكري ) الذي لايُسمنُ ولايُغني من جوع ، وإنما تكون كتاباته من صميم معاناة الناس  ، وما يحتاجه العقل،  وما تحتاجه العاطفة ، وما يحتاجه الإنسان العراقي في دينه ودنياه  ، وهو يُؤشر على نقاط الضوء في طريق الحياة الروحية والأخلاقية  والعقائدية  ، كما يُؤشر على مزايا الإنسان حين ترتفع نفسه نحو السمو الروحي  ، أو حين تَنّدك في الطين  ، وينسى نفسه  ، ويركبه الغرور والجهل   ، فيعود به إلى الصواب  ، يخاطبه بلغة الحكيم الحاني  ، أو يخاطبه بلغة التهكّم والازدراء  ، حينما يراه سادراً في غيّه .

لغة سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، لغة الأدب المعاصر  ، النقي من هفوات اللغة  ، المليء برصانة اللغة  ، مستمداً ذلك من لغة القرآن الكريم  ، ونهج البلاغة ، وأمّات مصادر تراثنا العربي الهائل  ، مازجاً بين تلك اللغة الفصيحة،  وعباراتها الجزلة  ، وبين لغة هذا العصر الذي له عباراته وجُمَله وايحاءاته  ، لغة تكاد تَقطرُ لطفاً ، وعذوبةً  ، وفصاحة عصرية ، ولمثل كتاباته وإشاراته،  نقول تلك لغة السهل الممتنع  حقاً وواقعاً .

وكتابات سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، حزمة من نور الفكر في قضايا عقائدية وأخلاقية ووطنية واجتماعية وأدبية  ، وما شئت أن تقول عن مزاياها فَلَكَ ذلكَ بكل ثقةٍ وأريحية .

إنّ هذه الكتابات التي ينثّها سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، هي ربيع للعقول والقلوب ، وليس في هذا القول من مبالغة في حقّ هذه الكتابات  ، بل ربما في كتاباتي عنها نوع من التقصير ، فأنا متابع لكتابات سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، بكلّ دقّة وامعان  ، وشَهِد الله أن هذه الكتابات تغذّي روحي وعقلي  ، وتعطيني دفقاً حيوياً لمعاني الدين والدنيا  ، والمحروم مَن لم يمتّع بصره وعقله ووجدانه  بحروف هذه الكتابات.

ضمّ هذا الجزء من الموسوعة  ( 40) مقالاً متنوعاً ، وهو حصيلة كتابات الشهر الأول من هذه السنة  ( 2022م)  ، كما فيه ملف خاص عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام  ، نثراً وشعراً .

يقول سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام  :

( في تأريخ البشرية برزت أسماء لامعة لسيدات كان لهنّ دورهن الرائد في دنيا الرسالات والمروءات  .

غير أنّ الزهراء البتول فاطمة ( عليها السلام ) جمعت من السمات والمناقب والمزايا ما جعلها أعظم النساء في التأريخ كله ، فهي ربة النسب الباذخ  ، والشموخ الفريد  ، والإخلاص الكامل في الأعمال والأقوال  ، والذبّ عن الرسول والإسلام.

وهي إلى ذلك( البنت) التي استحقت أنْ تُكنّى ( بأم أبيها  ) لما انطوت عليه من حب وتعظيم صادقَيْن للرسول الأعظم( ص)  ، ومن حرص شديد على كل ما يملأ نفسه رضاً وارتياحاً وسعادة:

إنّها بَضْعَةُ النبيّ ومَن ذا

يُنكرُ الشمسَ في سَناً أو سَناءِ ؟

ما رأينا  من النساء مدى الدهر

مَثيلاً للبِضْعَةِ الزهراءِ

صانها اللهُ من جميعِ الخطيئاتِ

كما صانها من الأخطاءِ

إنّ حُبَّ الزهراءِ حِصْني وحسبي

أنّني  فائزٌ بكأسِ الولاءِ   ))

قديماً قيل : المرءُ بأصغريه ؛ قلبه ولسانه  .

ولقد أصبحت وسائل النشر متاحة للجميع   ، ولاشكَّ أن هناك مَن لايلتزم بأدنى اللياقات في نشره  ، وتراه يخبط خبط عشاء يميناً ويساراً لايُراعي كبيراً أو صغيراً  ، وهي ظاهرة تحتاج إلى وقفة لمناقشتها وتهذيبها  وردعها  ، وقد لاحظ ذلك سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  :

( من الظواهر السلبية إستخدام الكثيرين لألوان من الشتائم والطعون بحق غيرهم  ، لا بل يقذفون أمهاتهم ولايبالون )

والظاهر أن هذه الأعمال لم تكن وليدة هذا العصر ، فقد كانت في الجيل الأول والثاني في صدر الإسلام  ، وقد عالجها الأئمة عليهم السلام  ، ووضعوا لها قواعد لجيلهم والأجيال التي تليهم،  ومنها هذه الرواية التي ينقلها سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  :

( من روائع النصوص في هذا الباب ما رواه عمارة الجعفي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد  (عليه السلام ) حيث روي عنه أنه قال :

( كان لأبي عبد الله(ع) صديقٌ لايكاد يفارقه  ، فبينما هو يمشي معه(ع) وخَلْفَهُ غلامُه ، إذ التفتَ فلم يَرَهُ  فكرّرَ الالتفات ثانياً وثالثاً فلم يَرَهُ  وفي المرة الرابعة رآه  فقال له  :

ياابن الفاعلة أين كنتَ ؟

فرفع أبو عبد الله(ع) يَدَه فصكَ بها وَجْهَه  ، قال : سبحان الله تقذف أُمَّه ؟ قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً   ، فإذا ليس لك ورع .

فقال : جُعلتُ فداكَ إنّ أُمَّهُ سندية مُشْركة.

فقال( ع) : أما علمتَ أنّ لكلّ أمّةٍ نكاحاً  ، تَنَحَ عنّي .

يقول عمارة  : فما رأيته يمشي معه حتى فرّقَ الموتُ بينهما)  .

هذا الإنسان  ، المخلوق المكرّم من خالقه  ، خلَقهُ  فسوّاهُ فَعَدَله  ، في أي صورة ما شاء ركّبه  ، وخلق له جميع أعضاء هذا الجسد ، ولكن هناك عضوان بهما يدخل الجنان إذا صَلُحا  ، وبهما يدخل النار إذا خَبُثا  ، وهما: اليد واللسان.

وفي هذا يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  وسلم  ،لرجل سأل عن مكانه بعد الموت  ، فقال صلى الله عليه وآله  وسلم له :

(.أنت معي في الفردوس الأعلى  ، إنْ سَلمَ الناسُ مِن يدكَ ولسانك  ) .

ويعقّب سيدنا الحجة الصدر  ،حفظه الله  ، على هذا الحديث :

( هذان الشرطان في غاية الأهمية والخطورة  ، ذلك أنّ الأمن والسلم الإجتماعي لا يتحقق إلاّ بالالتزام بهما التزاماً كاملاً  ) .

ماهي الأخلاق  ؟ وما أهمية الأخلاق  ؟ هذا سؤال يتجدد مع كل جيل  ، والظاهر أن موكب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام  كلهم جاؤا إلى مجتمعاتهم لتهذيب الأخلاق  المتوحشة  ، حقّقوا في هذا السبيل  بعض النجاحات  ، وهذبوا الأمم التي أُرسَلوا  إليها  ، ولكن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  وسلم جاء لإكمال هذا السبيل  ، فقال صلى الله عليه وآله  وسلم  : إنما بُعثت لأتتم مكارم الأخلاق  . يقول سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  :

( تتجلّى أهمية العامل الأخلاقي في شخصية الإنسان  ، فالرصيد الأخلاقي هو المميز الأكبر بينه وبين المنحدرين إلى القاع ممّن يحمل شكل الإنسان دون أن يحمل شيئاً  من مشاعره الإنسانية .

ومن أغرب الغرائب أن ترى الإنسان  _ وهو أشرف المخلوقات  _ يمارس أعمالاً لا تمارسها الذئاب...

وليس الذئبُ يأكل لحم ذئبٍ

ويأكلُ بعضُنا  بعضاً عِيانا  ) .

كان سيدنا الحجة الصدر  ،حفظه الله  ، كثيراً ما نسمع منه أحاديث  استنطاق النص  ، وعملية استنطاق النصّ تحتاج إلى أدوات علمية  كثيرة لتمكنه من استنطاق النص  ، أو قراءة ما بين السطور  ، وقد دعا أمير المؤمنين علي عليه السلام  إلى استنطاق القرآن الكريم  ، وأنّى لهم استنطاق النص القرآني بدون أهله  ، وهم سلام الله عليهم استنطقوا القرآن الكريم ووضعوا لنا منهاجاً حافلاً بالأمثلة في ذلك .

فالنص الأدبي والرواية التاريخية والنص الشعري  له ظلال  تختفي بين بلاغته وسطوره  ، لايعلمها إلا ذوو الفطنة والخبرة  ، وهذا ما فعله  سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  ، في نص شعري يمدح  أبا دلف  ، الشخصية التاريخية.

وقد أعطى سيدنا الحجة الصدر  ،حفظه الله  ، ثمان صور لاستنطاق النصّ الشعري  ، ولعل أبرزها أهمية العناية بالعربية وآدابها لكي تتولد لدى القارئ إمكانية استنطاق النصّ  .

يتفاوت الناس في المزايا  ، كما يتفاوتون في الاهتمامات  ، ومن المستحيل أن يتساوى الناس في مزاياهم وأخلاقهم  وحسناتهم وسيئاتهم  ، وكيف يتساوون  ، والدار دار تزاحم وتنافس في الخير وفي الشرّ  . هذه الأجيال الكثيرة التي مرّتْ والتي ستمرّ  ، عاشوا ولهم اهتمامات واخلاقيات  وسلوكيات متنوعة  ، والإنسان  مخلوق غير مسيّر وغير مفوّض له السير  ، فهو إذن  أمرٌ بين  أمرين  ، ولهذا يُحاسب  غداً ، فبإمكانه  أن  يرتقي  وبإمكانه  أن يتسافل  ، إنّا  هديناه  النجدَين  ، فهناك شخصيات رسالية  ، وهناك شخصيات أنانية  ، يقول سيدنا الحجة الصدر  ، حفظه الله  :

( من أهم الفوارق بين الشخصية الرسالية وبين غيرها من الشخصيات  الذائبة في شؤونها الخاصة  ، والساعية لاكتناز الأموال واتباع الشهوات المحمومة وتحقيق الرغائب المتنوعة  ، أنّ الأولى كسرت حاجز الذات وعَبَرتْ إلى الفضاء الإجتماعي العام  ،  فأنفقت من الجهد والوقت ما أملّت  به إشاعة  الوعي واليقظة الروحية في الوسط الإجتماعي  ، تمهيداً لاحداث النقلة الكبرى من خندق العصيان واللهو والعَبَث إلى خندق الإيمان والعرفان والتمسك بأهداب القيم المقدسة ) .هذه جولة سريعة في هذا الجزء من موسوعة العراق الجديد  ، وأترك القارئ الكريم ليقرأ هذا الجزء  وما فيه من مائدة مليئة بالأفكار والمواعظ  والحكم  ، والأدب وفنونه.

حفظ الله سيدنا الحجة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر  ، وبارك الله فيه وله وعليه  .

من تلميذه المخلص  : محسن حسن الموسوي


مشاهدات 424
أضيف 2022/02/06 - 5:03 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 12:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 276 الشهر 276 الكلي 9362348
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير