حين تقترن الحكمة بالشعر
حسين الصدر
-1-
لبعض قوافي الشعر قدرتُها المتميزة في النفاذ الى القلوب والعقول ، فالألفاظ العذبة والمعاني الجليلة والايقاع الجميل عوامل شتى تسهم في تسهيل عملية الانسياب المذكورة .
-2-
ومتى كان الشاعر غنيّا بتجاربه وعلومه ومعرفته واستطاع أنْ يوظف ذلك كله في شعره قفز به قفزةً نوعية .
-3-
ومن الشعراء الذين ازدانت قوافيهم بالحِكَم المفيدة والآراء السديدة (ابو الفتح البستي ) .
اسمعه يقول :
اذا لم يكن نقصانُ عمري زيادةً
لِعِلمِي فانّي والبهيمة سيانِ
وهذا غاية الحث على الانتهال من ينابيع العلم والمعرفة دون كلل ولا ملل، ومهما كانت الظروف والأحوال .
وكيف يرضى الانسان ان يكون كالحيوان ؟
-4-
ان معظم الطّلاب - وفي مختلف المراحل الدراسية - همهُم النجاح في الامتحان ، وليس الاحاطة العميقة بالمواد العلمية التي يدرسونها .
ومن هنا تراهم وبمجرد انتهائهم مِنْ امتحاناتهم - كأنهم لم يدرسوا شيئا منها..!!
قلت لاحدهم وكان قد حاز على درجة (90) في علم العروض :
هل تستطيع ان تعرف البيت ومن اي بحر يكون بمجرد سماعه ؟
قال :
لا
ولكني استطيع ذلك بعد أنْ أقطّع البيت الشعري المسموع وأعرف البحر .
وحين قرأت له بيتا من (بحر المجتث) وطلبتُ منه تحديد البحر ، دخل في اشتباك مع البيت طال أمده، ثم رفع رأسه وقال :
هل هذا من " الطويل " ؟
في حين أنَّ (المجتث) من البحور القصِيرة وأين القصير من الطويل ؟
-5-
يُضاف الى ذلك أنّ معظم الشباب عندنا اليوم منصرفون عن الشعر والأدب وغارقون في متابعاتهم لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها الكثير مما يخدش الحياء ويصد عن انتهاج المسيرة الخالية من الشوائب..!!
-6-
انّ أعمارنا تنقص ولا تزيد ،
وكلُّ شهر ينقضي عنّا يعتبر أكلاً من رأس المال – على حد تعبير بعضهم-
والمهم أنْ لا ينقضي عنا الشهر الاّ بعد زيادة ملحوظة في الخزين العلمي والمعرفي والأدبي والثقافي ، وحيث أننا لا نحرص على مراعاة ذلك .
فاننا لا نزداد مع ازدياد اعمارنا الا تراجعا وابتعادا عن مرافئ العلم والادب..!!
وهذه هي الخسارة الكبيرة التي لابُدَّ من العمل على تداركها قبل فوات الأوان .
وهنا تكمن العظة .