الذكرى الثامنة لرحيل مبدع يابو بلم عشاري

سالم يلقّب بناظم الصغير لمقاربة مقاماته من الغزالي

بغداد - فائز جواد - ياسين ياس

في مثل هذا الشهر من عام 2013 خسرت الأغنية العراقية أحد أهم روادها في سبعينيات القرن الماضي برحيل المطرب فؤاد السالم، الذي توفي في أحد مستشفيات دمشق في الـ21 من كانون الاول  2013 بعد صراع طويل مع المرض.

ولد سالم  واسمه الحقيقي فالح حسن بريج في محافظة البصرة عام 1945 وبدأ الغناء بشكل احترافي عام 1963 وكان متأثراً بالمطرب  ناظم الغزالي.وكان أول ظهور علني له مع أول أوبريت غنائي (بيادر الخير) في بداية السبعينات، الذي أنتجه نادي الفنون بإمكانيات متواضعة، أما أول ظهور تلفزيوني فكان عام 1968 من خلال برنامج (وجه لوجه)، وقد تبناه في بداية الأمر الموسيقار والمحلن سالم حسين وهو الذي اختار له اسم فؤاد سالم.

وتأثر سالم بأساتذته في معهد الفنون الجميلة في بغداد من أمثال سالم شكر وغانم حداد ورغم انقطاعه الاضطراري عن الدراسة بعد الحملة العنيفة ضد الشيوعيين عام 1979? عاد وأكمل دراسته في جمهورية اليمن الجنوبية.وخرج سالم من العراق لأسباب سياسية حيث اشتدت الحملة ضد أصحاب الفكر الشيوعي ووصلت ذروتها في بداية الثمانينات، فبعدما فصلوه من معهد الفنون، منع من الغناء في الأماكن العامة. ومنع دخول الإذاعة والتلفزيون وفي عام 1982 حضر إلى الكويت وعاش فيها سنوات طويلة، وقدم هناك بعضا من أجمل أغانيه. ثم استقر في سوريا، قبل أن يرحل بصمت عام 2013 تاركا خلفه 4 أبناء وإرثا غنائيا كبير.

وكانت ( الزمان ) سجلت له حديثا في العام 2009 عندما زار العراق وقدم حفلة غنائية حضرها جمهورا غفيرا في المسرح الوطني وقال حينها( انا استعيد صحتي ونجوميتي مع هذا الجمهور العراقي الذي استقبلني من المطار الى المسرح واليوم اقدم معهم اجمل الالحان لانه يستحق ان نغني له وغربتي معه زادتني عشقا وتمسكا بجمهوري العراقي الذي لم يغيب عن ذاكرتني طوال سنين غربتي القسرية عن عراقي).

وسجل سالم اكثر من 75 اغنية بين عاطفية ووطنية تغنى فيها بحب العراق ومن اشهر اغنياته يابو بلم عشاري ومشكورة والمحبوب، ، الناوي، الي الله، أنت اللي بديت، وعشرات الاغاني غيرها واخرها غريب على الخليج .

حفل استذكاري

واستذكارا لسالم  اقيم في منتدى بيتنا الثقافي بغداد ،حفلا استذكاريا له تعاون على اقامته الفنانة بشرى سميسم و الشاعر ناظم السماوي والاعلامي زيدان الربيعي،والذي شهد حضور عدد من الفنانين والمطربين ومن محبي الفنان الراحل ،في البدء شهد الحفل وبدلا من الكلمات قدمت مجموعة من اغاني سالم اداها عدد من المطربين منهم : ناظم الاصيل ،وكريم حسين ،وخضير المالكي،وسعد العطار ،ومكصد الحلي.وقدمت الجلسة الاعلامية بشرى سميم قائلة(لفؤاد وجوه ناصعة كثيرة ..فهو الفنان الملتزم الذي احترم فنّه وصوته ولم يتاجر بموهبته أبدا وهو المثقف الذي  وعى عصره  وحاول التعبير عنه بكلّ صدق وأمانة وهو الشاعر الغرّيد والملحن العذب وقبل كل ذلك هو الانسان الطيب النقي الذي ظل حتى آخر مشواره مثالا للوفاء والنزاهة والخلق الرفيع ) مضيفة (أرتبط سالم مبكرا بالحركة اليسارية العراقية وعلى الرغم من كل الأخطار الجسيمة المعروفة التي أحاطت به والتي أدت به  في النهاية إلى اختيار المنفى الاجباري.. المنفى الطويل.. بدأ فؤاد يغني في مناسبات الشبيبة الديمقراطي وكان يلقب حينها بناظم الصغير لأنه كان يقدم المقامات العراقية متأثرا بطريقة المرحوم ناظم الغزالي.وفي عام 1969اشترك في الأوبريت الغنائي(بيادر الخير) مع سيتا هوكبيان ثم أوبريت (المطرقة) وكلاهما رسّخ قدمه في طريق الفن الملتزم بقضية الانسان وحقّه الأبدي في حياة كريمة  .وفي 1-12-1977وبعد انهيار الجبهة الوطنية وازدياد الملاحقات لكل من يحمل الفكر الشيوعي خرج فؤاد من العراق إلى الكويت ومنها إلى منافي كثيرة ، وقال مرة يصف تلك الأيام: ذات مرة استطعت أن أغني في مكان ما، لكنهم انتظروني في الخارج وأشبعوني ضرباً بأعقاب المسدسات، وجعلوا دمائي تسيل على الأرض، عندها أيقنت أن لا مكان لي في العراق، لأنهم سيقتلونني في المرة القادمة، فغادرت العراق وقلبي على كفي). مشيرة الى ان (في العراق أحُرق  كل نتاجه الفني وما يذاع الان له هو من أرشيف تلفزيون الكويت .وفي الغربة بدأ فؤاد سالم  مشوارا آخر حيث صار هو صوت المعارضة العالي وكانت أغانيه تصدح من اذاعات المعارضة بل أصبحت علامة بارزة وماركة مسجلة لها ..ولعل من أهما أغنية (دكيت بابك ياوطن وأنه غريب ببابك)وأغنية (وحياتج ياغيده)وأغنية (هله يا أهلي العراقيين )و(ليشي ياعمي حمزة)،ولكن تبقى أغنيته الشهيرة هي الأكثر وضوحا وتعبيرا عن انتمائه الواضح للحزب الشيوعي التي كتب كلماتها كاظم اسماعيل  الكاطع : مهرة خيل  تغير دموعي وعشر اسنين مكابل جوعي كلي من ننطلعك شتسوي كتله ارجع للحزب...شيوعي.ولعل مشروعه الكبير والمهم كان توثيق حياة مناضلي الحزب  في أغاني بالاشتراك مع الشاعر فالح حسون الدراجي   ومنهم:فهد الخالد  وسلام عادل وعايدة ياسين وجمال الحيدري وأبو كاطع شمران الياسري وجورج تلو وغيرهم .ومن الجدير بالذكر أن لفؤاد 3مجاميع شعرية هي (عسر الحال) و(مشكورة) و(للوطن للناس أغني) وكلها ذات توجه انساني خالص كان بعضها يذاع أيضا من اذاعات المعارضة العراقية  فترة التسعينات).

نكرة السلمان

- بعدها تحدث الشاعر ناظم السماوي قائلا(علاقتي مع الفنان الراحل فواد سالم بدات نهاية عام 1968 بعد خروجنا من سجن نكرة السلمان تعرفت عليه واول عمل كان اغنية(موبدينة ) التي اخذت صدى واسع و(عشرة عمر )،الحان محسن فرحان كان فواد يختار الشعراء بشكل جيد وجميل وبقيت علاقة المحبة مستمرة بيننا).

وتحدث الملحن محسن فرحان عن الراحل قائلا(فؤاد سالم رجل مسالم يحب الفن ويحترم كل الوان المطربين  عندما ظهر سعدون جابر كان يدافع عن صوته كون قراء المقام لايريدونه )واضاف (في سنة 1964 كنا نذهب جوالة الى البصرة نبحث عن اصوات وصلنا الى فرقة الموانى في البصرة كان يقودها الفنان مجيد العلي ،كان مع فواد سالم يشكلان ثنائياً مهم جدا لحنت له عدد من الاغاني كان ياتي الى كربلاء ويقول لوالدتي انت امي، في يوم من الايام اتصل بي لم يكن لديه جواز سفر عملت له الجواز واوصلته الى سوريا )،واكد الفنان محسن فرحان ان ( الراحل فؤاد سالم اول من غنى الموال اقولها للتاريخ وكان يعتمد على الشاعر عريان سيد خلف في كل مواويله).

-وعن الراحل تحدث الاعلامي زيدان الربيعي قال (كان كريم النفس يحب الجميع في احد الايام كنت انا مريض قال لي تعال الى سوريا وارسل لي تذكرة للعلاج هناك هو طيب ووفي مع الاخرين لكن للاسف كان ممنوع من تعامل الاعلام معه،الفت كتاب عنه يجسد مسيرته الفنية والابداعية كونه احد رموز الفن العراقي). وفي مداخلة للمطرب مكصد الحلي قال(تعرفت على الراحل في الصالحية كان منزله قرب قاعة الخلد كنت اذهب الى ابو نغم واجلب له عربون الحفل كان يقول لي خذه هذا لك ،فؤاد احب اغنية ريفية تاثر بها وكان يرددها هي ،يبياع الورد).

واداها المطرب مكصد بطلاقة ورددها الحضور معه فكانت مسك ختام الجلسة.