الأعلامي وسيكولوجيا اللغة (1)
قاسم حسين صالح
توطئة
ثمة حقيقة في الأعلام العراقي ان معظم العاملين فيه ان لم يكن بالمطلق لا يعرفون ما يخصهم عن سيكولوجيا اللغة مع انها سرّ نجاح او فشل المذيع ومقدم البرامج والصحافي ايضا.
فهم لا يعرفون ان علماء النفس ميزوا بين توقفين اثناء النطق هما:التوقف الصامت والتوقف غير الصامت،وأن هذه التوقفات هي التي تميز بين المتكلمين بطلاقة عن غير المتحدثين بطلاقة. ولا يعرفون أن استحضار معنى الكلمة من الذهن لدي المتلقي يستغرق أقل من ربع ثانية ،وان ذلك مشروط بنوع الكلمة ،ما اذا كانت شائعة ،وبعلاقتها الدلالية بمفردات الجملة التي جاءت في سياقها.ولا يعلمون أن المعلومة او الرسالة الأعلامية تدخل الذاكرتين السمعية والبصرية وتبقى فيهما أقل من ثانية لتنتقل الى الذاكرة قصيرة المدى، لتقرر في عشرين ثانية تحويلها الى الذاكرة بعيدة المدى او مسحها..ومثل هذه الكثير من نتائج الدراسات التي انشغل بها علماء نفس اللغة،سنقدمها عبر هذه الصفحة في ثلاث حلقات موجزة بهدف ان يكون الاعلامي العراقي مؤثرا ومميزا.
تعريف باللغة
اللغة انجاز بشري كبير ومتميز،ورغم ما متوفر من دراسات كثيرة في ميدانها،فأننا سوف لن نتطرق الى مسائل عديدة فيها من قبيل الجوانب الفيزيائية والفسلجية للغة، وتحليل الاصوات " الفونيمات والمورفيمات " وغيرها..لسبب جوهري هو ان الهدف هنا هو التركيز على الجوانب الاجتماعية والنفسية فيها بالشكل الذي يفيد المشتغلين في وسائل الاتصال السمعية والمرئية والمقروءة،والقاريء العام أيضا".
لنبدأ بطريف ما اجراه (عالم النفس - فريش 1954) من تجارب مدهشة على النحل، توصل فيها الى ان النحلة تستطيع ان تدل زميلاتها على مكان الرحيق الذي يبعد عنها مسافة ثلاثة عشر كيلو مترا" عن الخلية..وهي مسافة تعادل حوالي الف كيلو مترا" بالنسبة للأنسان.واكتشف ايضا" ان لكل مسافة رقصة خاصة بها..وان النحلة عندما تؤدي هذه الرقصة فأنها تأخذ بنظر الاعتبار اتجاه المكان وسرعة الرياح التي تؤثر في طيرانها نحو ذلك المكان. وتوصل أيضا" الى ان النحلة تستطيع ان تدل على مصدر الرحيق حتى ولو ادت رقصتها امام زميلاتها في ظلام شديد ،وفي اتجاه عمودي لا افقي.
ولقد أدت هذه الاكتشافات المذهلة الى تفكير وتأمل عميقين،اكدت ان للنحل لغة شبيهة جدا" بلغة الانسان وان اختلفت في الوسيلة.غير ان التجارب اللاحقة جاءت بنتائج مهمة للغاية. فلقد وضع فريش احدى خلايا النحل على قاعدة من الاسمنت يقوم عليها برج لا سلكي ، ثم اخذ عشر نحلات من تلك الخلية وصعد بها مسافة خمسين مترا" داخل ذلك البرج الى ان اوصلها الى مصدر للغذاء مزود بمحلول السكر..وتركها هناك. وبعد ان اكتشفت هذه النحلات مكان محلول السكر عادت الى اسفل البرج، وقامت بتأدية رقصات معينة امام زميلاتها لمدة اربع ساعات كاملة. وحصل شيء غريب ،فبدل ان تطير النحلات الى مكان محلول السكر،كما متوقع،فأنها اخذت تطير في جميع الاتجاهات حول البرج ولكن بشكل افقي فقط،ولم تصعد نحلة واحدة الى البرج.
ومن هذه التجربة وتجارب اخرى خلص الباحثون الى القول بأنه ليس لدى أي من المخلوقات غير البشرية لغة حقيقية تتوافر فيها جميع المواصفات التي تتوافر في لغة الانسان،لتفردها بأنها تستطيع ان تصف وتتفاعل مع اشياء محسوسة في عالم الواقع،والتعبير عن الأفكار الذهنية المجردة،وقدرتها على الخلق والابتكار التي اشار لها تشومسكي في نظرياته اللغوية..واوصيكم بقرائته. وان اللغة وسيلة للتعبير عن المشاعر والاحاسيس الانسانية ولكن طريقة التعبير عنها تختلف من فئة او طبقة اجتماعية الى اخرى،ومن فرد الى آخر، ومن مذيع الى آخر.
نلتقي في الحلقة الثانية - تحياتي
{ مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية