الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سنوات الرئيس معصوم الأربع في‮ ‬قصر السلام.. قرارات اللحظة الأخيرة تمشية حال وليس معالجة جذرية

بواسطة azzaman

سنوات الرئيس معصوم الأربع في‮ ‬قصر السلام.. قرارات اللحظة الأخيرة تمشية حال وليس معالجة جذرية
الإستفتاء خطأ سياسي‮ ‬ومغامرة خاسرة‮ ‬غير محسوبة
حسين فوزي
‮"‬السنوات الأربع في‮ ‬قصر السلام‮..‬سيرة ومراجعات‮" ‬للرئيس د‮. ‬فؤاد معصوم‮ ‬يصدر عن دار الرافدين مطلع شهر آب الحالي‮ ‬في‮ ‬280 ‮ ‬صفحة،‮ ‬موزعة على‮ ‬ 20 موضوعاً‮ ‬مفهرساً‮ ‬إلى حد الصفحة‮ ‬245‮ ‬ لتسندها مجموعة من الصور والوثائق في‮ ‬بقية الكتاب‮.‬
وقراءة مذكرات الرئيس السابق تبين إلى أي‮ ‬مدى‮ ‬غياب الوعي‮ ‬الدستوري‮ ‬والقانوني‮ ‬لأغلب ساسة العراق الحاليين ممن‮ ‬يقبضون على مفاصل إدارة البلاد،‮ ‬مما شكل معاناة حقيقية لرئيس الدولة‮ " ‬رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن‮ ‬يمثل سيادة البلاد،‮ ‬و‮ ‬يسهر على ضمان الالتزام بالدستور،‮ ‬والمحافظة على استقلال العراق،‮ ‬وسيادته،‮ ‬ووحدته،‮ ‬وسلامة أراضيه،‮ ‬وفقاً‮ ‬لأحكام الدستور‮".‬
فالرئيس معصوم استلم مهام رئاسة الدولة،‮ ‬وأول شيء لاحظه هو‮ ‬غياب قانون‮ ‬ينظم صلاحيات رئيس الجمهورية،‮ ‬مما دفعه إلى إعداد مشروع قانون دفعه إلى مجلس النواب ليبقى محفوظاً‮ ‬في‮ ‬أدراج رئاسته‮(!‬؟‮)‬،‮ ‬شأن العديد من القوانين الأخرى الضرورية لتنظيم عمل الدولة العراقية،‮ ‬في‮ ‬مقدمتها قانون المجلس الاتحادي‮ ‬المكمل لعمل مجلس النواب ضمن السلطة التشريعية،‮ ‬كونه الفرع الثاني‮ ‬لها،‮ ‬والضابط لإيقاع التشريعات بما‮ ‬ينسجم ومعطيات الدستور،‮ ‬الذي‮ ‬نصت عليه المادة‮ (‬65) "أولا‮: ‬يتم إنشاء مجلس تشريعي‮ ‬يدعى بـ"مجلس الاتحاد‮" ‬يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات‮ ‬غير المنتظمة في‮ ‬إقليم،‮ ‬وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته،‮ ‬وكل ما‮ ‬يتعلق به بقانون‮ ‬يسن بأغلبية ثلثي‮ ‬أعضاء مجلس النواب‮."‬
وهكذا فقراءة مذكرات د‮. ‬معصوم تبين أنه بصفته رئيساً‮ ‬للبلاد قد جرد من أية صلاحيات‮ ‬يمكن له أن‮ ‬يقدم عليها،‮ ‬وأصبح مجرد أداة لدمغ،‮ ‬أو حتى بدون دمغ،‮ ‬ما‮ ‬يقرره الآخرون على وفق ما جاء في‮ ‬نص المادة‮ ‬73 بشأن صلاحيات رئيس الجمهورية،‮ ‬حيث أن أي‮ ‬تشريع أو قرار‮ ‬يعتبر نافذاً‮ ‬وينشر في‮ ‬الجريدة الرسمية بعد‮ ‬15 يوماً‮ ‬من تسليمه لرئاسة البلاد‮. ‬وهو الوضع الذي‮ ‬يشكل تحجيماً‮ ‬مروعاً‮ ‬لدور الرئيس وتوصيفه في‮ ‬المادة‮ ‬67‮ ‬ فمن ناحية عملية لن‮ ‬يستطيع الرئيس لا حراسة الدستور ولا مراقبة دستورية أي‮ ‬أجراء‮ ‬يقدم عليه الفرع الثاني‮  ‬السلطة التنفيذية‮ (‬مجلس الوزراء‮)‬،‮ ‬كذلك ما‮ ‬يشرعه مجلس النواب‮. ‬وهي‮ ‬الحال التي‮ ‬تصطدم بالوعي‮ ‬الدستوري‮ ‬والقانوني‮ ‬والخبرة المتراكمة لشخصية مثل د‮. ‬معصوم الذي‮ ‬استوعب نجاحات وإخفاقات الكثير من التجارب الإنسانية،‮ ‬وكانت ملهمه عند توليه رئاسة حكومة إقليم كردستان بعد انسحاب النظام الشمولي‮ ‬من الإقليم بعد انتفاضة آذار‮ ‬1991 ‮ ‬وانسحاب الإدارة العراقية الاتحادية من الإقليم بمحافظاته الثلاث،‮ ‬مما وفر خلال فترته حل مشاكل مستعصية،‮ ‬في‮ ‬مقدمتها توفير أموال الرواتب والخدمات،‮ ‬إضافة إلى استبعاد كل أشكال المحسوبية،‮ ‬وهو ما أثار نقمة الكثيرين عليه‮.‬
في‮ ‬ظل هذا‮ "‬التجريد والتكتيف‮" ‬الواضحين لرئيس الجمهورية واجه د‮. ‬معصوم منذ اللحظة الأولى ما أسماه بـ"الاشتباك المعقد‮"(‬ص32) عند توليه مهامه رئيساً‮ ‬للبلاد بعد أداء اليمين الدستوري،‮ ‬حيث جاءه مظروف‮ ‬يتضمن ورقة بتوقيع السيد نوري‮ ‬المالكي‮ ‬رئيس الوزراء المنتهية ولايته الثانية تقول‮ "‬إن الكتلة الأكبر هي‮ ‬دولة القانون ومرشحها لرئاسة الحكومة السيد المالكي‮"‬،‮ ‬وبحكم وعيه لسياقات العملية الدستورية فأنه ألتزم بالمضمون الدستوري‮ ‬والقانوني‮ ‬في‮ ‬أن‮ ‬يتولى تحديد من هي‮ ‬الكتلة الأكبر رئيس مجلس النواب أو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أو المحكمة الاتحادية‮. ‬وهذا مثال بسيط لكنه بالغ‮ ‬الحساسية في‮ ‬الوعي‮ ‬العميق للرئيس معصوم لكيفية إدارة أمور الدولة،‮ ‬على الرغم مما‮ ‬يربطه من علاقة شخصية بالمالكي‮ ‬حيث‮ ‬يقول‮ "‬وحين كنت أفكر بأسماء المرشحين لتولي‮ ‬رئاسة مجلس الوزراء كنت أتمنى في‮ ‬قرارة نفسي‮ ‬أن‮ ‬يكون المالكي‮ ‬واحداً‮ ‬منهم‮...".(‬ص38)? وهنا لا بد من تذكر أن السيد المالكي‮ ‬نفسه وقف ضد تكليف السيد إياد علاوي‮ ‬بتشكيل حكومة عندما‮  ‬أحرز مقعدين أكثر مما أحرزه المالكي‮ ‬في‮ ‬ولايته الثانية‮.‬
قرارات وتشريعات اللحظة الأخيرة
كان د‮. ‬معصوم قد أعلن تأييده لترشيح د‮. ‬برهم صالح لتولي‮ ‬رئاسة الجمهورية،‮ ‬لكن عندما برز أكثر من مرشح ضمن الاتحاد الوطني‮ ‬الكردستاني،‮ ‬إذ ترشح محافظ كركوك الطبيب نجم الدين كريم لرئاسة العراق،‮ ‬قرر الترشح لرئاسة الدولة،‮ ‬وهو ترشح لم‮ ‬يحسم حتى قبل ساعتين من موعد إغلاق باب الترشيح،‮ ‬إذ اتصلت به السيدة هيرو أحمد عضو المكتب السياسي‮ ‬الأكثر نفوذا في‮ ‬الحزب‮ ‬يوم‮ ‬20 ‮ ‬تموز‮ ‬2014 ‮ ‬وسألته إن كان قدم طلباً‮ ‬لترشيح نفسه للمسؤولية،‮ ‬ودعته إلى الإسراع بتقديم طلب ترشحه إلى رئيس مجلس النواب‮. (‬ص17‮).‬
وعلى نفس المنوال كان تكليف د‮. ‬حيدر العبادي‮ ‬برئاسة مجلس الوزراء،‮ ‬فيقول الرئيس معصوم أنه حتى‮ ‬يوم الأحد‮ ‬10 آب‮ ‬2014 لم تكن الكتلة الأكبر قد قدمت أسم مرشحها لرئاسة الوزراء،‮ ‬وأبلغت د‮. ‬إبراهيم الجعفري‮ ‬بصفته رئيس التحالف الوطني‮ ‬ليبلغ‮ ‬جميع الأطراف أنه أمامهم‮ ‬24 ‮ ‬ساعة،‮ ‬في‮ ‬حالة عدم تقديم مرشحهم سيكلف ظهر‮ ‬يوم الاثنين‮ ‬11 ‮ ‬آب‮ ‬2014 المالكي‮ ‬بتشكيل الحكومة‮. ‬في‮ ‬صباح اليوم التالي،‮ ‬في‮ ‬ساعة مبكرة من‮ ‬يوم الاثنين تم التوافق على ترشيح العبادي‮ ‬من حزب الدعوة،‮ ‬وأبلغت بذلك،‮ ‬ليحضر العبادي‮ ‬ومعه رئيس مجلس النواب د‮. ‬سليم الجبوري‮ ‬ود‮. ‬الجعفري‮ ‬رئيس التحالف الوطني‮ ‬وعدد من قيادات التحالف منهم د‮. ‬حسين الشهرستاني‮ ‬وباقر جبر صولاغ‮ ‬وآخرين للمشاركة في‮ ‬حفل بسيط لتكليف العبادي‮ ‬رئيساً‮ ‬لمجلس الوزراء‮. (‬ص39‮).‬
ويقول الرئيس معصوم في‮ ‬نفس الصفحة عن طبيعة الإجراءات المتخذة لمعالجة الأوضاع العراقية‮ "‬دائماً‮ ‬تأتي‮ ‬الحلول في‮ ‬اللحظات الأخيرة،‮ ‬وهذا ما دأبت عليه العملية السياسية في‮ ‬معظم اختناقاتها‮. ‬قد تكون أحياناً‮ ‬حلولاً‮ ‬اضطرارية،‮ ‬لكنها تظل حلولاً‮ ‬لـ"تمشية الحال‮"‬،‮..." ‬ويضيف‮ "‬أخذت نفساً‮ ‬عميقاً‮...‬،‮ ‬لقد اجتزنا وضعاً‮ ‬خانقاً‮ ‬وصعباً‮...‬لكن ما‮ ‬ينتظرنا رئيساً‮ ‬وحكومة وبرلماناً‮ ‬وشعباً‮ ‬كان هو الأصعب‮."‬
انعدام الانسجام والتنسيق بين فرعي‮ ‬السلطة التنفيذية
رئاسية أم نيابية
في‮ ‬غالبية العناوين التالية لمذكراته،‮ ‬يشيد الرئيس معصوم بقدرات د‮. ‬العبادي‮ ‬على تحشيد كل الطاقات لمواجهة هجمتين خطيرتين،‮ ‬الأولى هجمة داعش والسيطرة على محافظات عديدة تقارب أكثر من ربع أراضي‮ ‬البلاد،‮ ‬وتدني‮ ‬أسعار النفط بكل ما شكلته من ضغط على موارد حياة المواطنين بجانب تمويل الجهد العسكري‮ ‬وبقية الجهود الوطنية للتصدي‮ ‬لداعش وطردها من الأراضي‮ ‬العراقية‮.‬
كما انه‮ ‬يشيد بتوجهات مجلس الوزراء برئاسة العبادي‮ ‬لمحاربة الكثير من السلبيات،‮ ‬ضمنها التضخم الوظيفي‮ ‬وتعدد الرواتب واخذ بعض الدرجات الوظيفية العليا لرواتب بدون استحقاق شروط الخدمة،‮ ‬لكنه‮ ‬يأخذ على العبادي‮ ‬أنه أقدم،‮ ‬بسبب سوء المشورة القانونية والدستورية من معاونيه،‮ ‬على بعض الخطوات خارج السياقات المنصوص عليها،‮ ‬منها على سبيل المثال مسألة إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية،‮ ‬حيث ردت المحكمة الاتحادية قراره،‮ ‬وهناك قرارات عديدة أخرى ردت لنفس السبب‮. ‬ويؤكد د‮. ‬معصوم أنه تمنى على العبادي‮ ‬أن تكون الإجراءات وفق السياقات التي‮ ‬تمنع الارتداد عليها‮... ‬لكن ما حدث هو العكس،‮ ‬وبقدر ما حاول البعض الاحتماء من الغضب الشعبي‮ ‬بالوقوف خلف مطلب الإصلاح والتغيير،‮ ‬فأنهم استغلوا أخطاء الإجراءات ليلتفوا على العبادي‮ ‬ويوقفوا زخم الإصلاحات التي‮ ‬كان‮ ‬يريدها‮.‬
أما القضية الثانية التي‮ ‬توضح مدى عدم الانسجام فهي‮ ‬قضية المشاركة في‮ ‬المؤتمرات واللقاءات العربية والعالمية،‮ ‬حيث حضر رئيس الجمهورية دورة الأمم المتحدة بناء على الدعوة الموجهة له،‮ ‬لكن حضرها أيضاً‮ ‬رئيس الوزراء،‮ ‬كل منهم منفصلاً‮ ‬عن الأخر وعلى رأس وفد‮. (‬ص64‮).‬
والحقيقة أن هذا الموضوع‮ ‬يتخطى مسألة الانسجام والتفاهم بين رئيسي‮ ‬فرعي‮ ‬السلطة التنفيذية إلى قضية اكبر هي‮ ‬طبيعة النظام السياسي‮ ‬في‮ ‬البلاد،‮ ‬فالعادة جرت قبل خلع النظام الشمولي‮ ‬أن توجه الدعوات إلى رئيس الجمهورية من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية وأية ملتقيات،‮ ‬بحكم طبيعة النظام الرئاسي‮ (‬الشمولي‮) ‬في‮ ‬العراق حينذاك،‮ ‬حيث لرئيس الجمهورية صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة‮. ‬وقد بقيت الدعوات توجه للعراق على هذا الأساس دون تشخيص المتغيرات‮. ‬من ناحية أخرى فأن للدكتور فؤاد معصوم ثقله في‮ ‬العلاقات العربية والإقليمية والدولية،‮ ‬بحكم تاريخ نضاله السياسي،‮ ‬وسيرته السياسية المتسمة بالاعتدال والحرص على العدالة والرحمة،‮ ‬مما جعل الكثير من الأطراف،‮ ‬حتى زمن النظام الشمولي،‮ ‬تفضل عند التفاوض وجوده لقدرته على استنباط حلول تجعل الجميع رابحين‮.‬
مع هذا ففي‮ ‬أحيان عديدة تولى الرئيس معصوم تمثيل العراق بدون هذه الازدواجية الضارة على رأس وفود وزارية رفيعة المستوى من اجل تحري‮ ‬المصالح المشتركة مع الدول والمنظمات العربية والإقليمية والدولية‮.‬
وفي‮ ‬هذا السياق أيضاً‮ ‬يمكن مراجعة زيارة الرئيس معصوم متوجهاً‮ ‬مباشرة من النجف بعد لقائه مع سماحة المجتهد الأكبر سماحة السيد علي‮ ‬السيستاني‮ ‬إلى السعودية ولقائه مع الملك عبد الله،‮ ‬بكل ما‮ ‬يعنيه خط السفر من معنى قصده الرئيس العراقي،‮ ‬ولم‮ ‬يغفل معانيه الملك السعودي‮ ‬الذي‮ ‬قال في‮ ‬معرض المحادثات‮ "‬السيد السيستاني‮ ‬رجل حكيم‮" ‬وعبر عن حرص السعودية على سلامة‮ "‬وحدة العراق الموحد‮". ‬ص86-87.
وفي‮ ‬السياق نفسه كانت له زيارات إلى الأردن ومصر ولقاء مع الرئيس التركي‮ ‬اردوغان والإدارة‮  ‬الأميركية وجميعها اتسمت بالاستجابة لطروحات الرئيس معصوم والاتفاق على التعاون لدعم محاربة الإرهاب،‮ ‬حد أن العاهل الأردني‮ ‬الملك عبد الله الثاني‮ ‬طرح فكرة وضع شارات الجيش العراقي‮ ‬على الطائرات العراقية لاستخدامها في‮ ‬ضرب أوكار داعش‮. ‬إلى جانب حرصه على طرح متوازن للعلاقة مع الجارة إيران وطبيعة الوشائج التاريخية والاجتماعية والجغرافية التي‮ ‬تربط البلدين،‮ ‬في‮ ‬ظل الصراع الدائر بين واشنطن وإيران،‮ ‬من خلال اللقاء بقيادة البلدين وتأكيد تمسك العراق بمبدأ أن لا تكون أرضه ساحة للصراع الطرفين،‮ ‬أو منطلقاً‮ ‬ضد أية دولة أخرى‮.‬
من ناحية أخرى فأن د‮. ‬العبادي‮ ‬رئيس مجلس‮  ‬الوزراء وفق المادة‮ ‬78 ‮ ‬من الدستور هو‮ "‬رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي‮ ‬المباشر عن السياسة العامة للدولة،‮ ‬والقائد العام للقوات المسلحة،‮ ‬يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته‮..."‬،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن مشاركة العبادي‮ ‬في‮ ‬اللقاءات مع بقية العالم تكتسب ضرورة ملحة،‮ ‬أو بالأقل أن لا‮ ‬يتم أي‮ ‬لقاء أو مشاركة فيها دون تنسيق كامل مع مجلس الوزراء ورئيسه،‮ ‬وهو ما حاول د‮. ‬معصوم تحقيقه قبل أي‮ ‬لقاء،‮ ‬لكن القضية كانت في‮ ‬نظر‮ "‬رئاسة‮" ‬الوزراء هي‮ ‬قضية طبيعة النظام هل هو رئاسي‮ ‬أو نيابي،‮ ‬وفي‮ ‬ظل‮ ‬غياب قانون‮ ‬ينظم صلاحيات رئيس الجمهورية،‮ ‬وتدني‮ ‬مستوى التنسيق الثنائي،‮ ‬فكان الحضور‮ "‬المتضارب‮" ‬لشخصيتين تتشاركان الكثير من الأفكار لكنهما صارا في‮ ‬خلاف بحكم عدم وضوح القوانين،‮ ‬وطبيعة شخصية د.العبادي‮ ‬المتشددة في‮ ‬بعض الجوانب أحياناً،‮ ‬برغم كل ما أثبته من مرونة وفطنة عاليتين في‮ ‬معالجة الكثير من القضايا،‮ ‬في‮ ‬مقدمتها الخلافات مع إقليم كردستان،‮ ‬بالأخص قضية الاستفتاء على الانفصال‮. ‬
وفي‮ ‬ص93 نص لرسالة للراحل الرئيس جلال طالباني‮ ‬عن تصوره لصلاحيات رئيس الجمهورية تبين طبيعة الاختلاف بين رؤية‮ "‬التحالف الوطني‮" ‬وما‮ ‬يمثله لرئاسة الدولة،‮ ‬سواء أكانت للكرد أو‮ "‬غيرهم‮"‬،‮ ‬والحرص على أن تكون كل صلاحيات السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء‮.‬
الاستفتاء وطموح الدولة الكردستانية
تعرض الرئيس د‮. ‬محمد فؤاد معصوم،‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يعرف الكثيرون أن أسمه محمد فؤاد،‮ ‬حتى‮ ‬غالبية أعضاء مجلس النواب،‮ ‬ضمنهم القيادي‮ ‬في‮ ‬المجلس الأعلى باقر جبر صولاغ‮ ‬الذي‮ ‬كان قريباً‮ ‬منه،‮ ‬على طريقة الإسلاميين المتصوفة الذين‮ ‬يحرصون على أسماء أل البيت،‮ ‬بالأخص أسم سيدنا الرسول‮ (‬ص‮) ‬والأئمة من عترته،‮ ‬تعرض للكثير من محاولات التشويه والتشهير،‮ ‬في‮ ‬البداية كانت قضية جنسيته البريطانية التي‮ ‬كان قد سارع للتخلي‮ ‬عنها فور توليه منصبه السيادي،‮ ‬حيث‮ ‬يقول في‮ ‬ص74 أنه بعد انتخابه لرئاسة دولة العراق تقدم بطلب إلى سلطات المملكة المتحدة عبر سفارتها في‮ ‬بغداد شاكراً‮ ‬رعاية العراقيين المعارضين،‮ ‬والتخلي‮ ‬عن جواز سفر المملكة المتحدة‮. ‬وكان سفره إلى نيويورك في‮ ‬أيلول‮ ‬2014 ‮ ‬بجواز سفر عراقي،‮ ‬وكانت زيارته لبريطانيا بعد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى لندن بالجواز العراقي،‮ ‬لكن مع الأسف العديد من كتاب التواصل الاجتماعي،‮ ‬وبعض الصحفيين ممن‮ ‬يفتقرون للقدرة على التحري‮ ‬والدقة،‮ ‬ظلوا‮ ‬يستنكرون وجود رئيس بجنسية أجنبية،‮ ‬فيما أن العديد من المسؤولين ظلوا محتفظين بجنسياتهم الأجنبية دون أي‮ ‬تعرض أو محاولة تشويه لأسباب‮ ‬يدركها القارئ،ضمن توجه للنيل من الشخصيات الكيسة الحريصة على وحدة العراق والباحثة عما‮ ‬يجمع وليس ما‮ ‬يفرق‮. ‬وهو القيادي‮ ‬في‮ ‬الاتحاد الوطني‮ ‬الكردستاني‮ ‬الذي‮ ‬لقبه زعيم الحزب الراحل طالباني‮ ‬بـ"حكيم الدولة‮"‬،‮ ‬كونه لم‮ ‬يكن‮ ‬يسير مع التيار إنما‮ ‬يطرح مواقف نابعة من وعي‮ ‬سياسي‮ ‬جغرافي‮ ‬واجتماعي‮ ‬وجماهيري‮ ‬عميق بعيد الأفق،‮ ‬وهو ما عادة‮ ‬يثير‮ ‬غيض قصيري‮ ‬النظر‮. ‬لذلك فأن البعض ظنوا أن صمت الرئيس ضعفاً‮ ‬وليس تغاضياً‮ ‬كما أوصى سيدنا الرسول،‮ ‬وأملاً‮ ‬في‮ ‬بناء وعي‮ ‬لاحق لمعنى ما‮ ‬يطرحه وما‮ ‬يصمت عنه‮.‬
لم‮ ‬يكن الاستفتاء بحد ذاته مفاجئة للقائد السياسي‮ ‬الكردستاني‮ ‬في‮ ‬الاتحاد الوطني‮ ‬فؤاد معصوم،‮ ‬فهو منذ وقت مبكر اخذ على العديد من القيادات الكردستانية ميلها للتصعيد مع سلطات بغداد الاتحادية،‮ ‬ففي‮ ‬لقاء مع الكتلة النيابية الكردستانية ترأسه السيد مسعود بارزاني،‮ ‬وشارك فيه بصفته رئيس كتلة التحالف الكردستاني‮ ‬في‮ ‬مجلس النواب العراقي‮ ‬الاتحادي‮ ‬للمرة الأخيرة عام‮ ‬2013‮ ‬ وكنت حاضراً‮ ‬فيه بصفتي‮ ‬إعلامياً‮ ‬عربياً‮ ‬مستشاراً‮ ‬لرئيس كتلة التحالف،‮ ‬بشأن حصة الإقليم من الموازنة العامة ومستحقاته دعا الحضور،‮ ‬في‮ ‬مقدمتهم بالطبع السيد مسعود،‮ ‬إلى ضرورة التركيز على مطالب جماهير كردستان المعيشية والثقافية،‮ ‬والابتعاد عن تبني‮ ‬طروحات الآخرين التي‮ ‬تضعف التحالف الرئيس الذي‮ ‬قامت على أساسه جمهورية العراق الاتحادية التي‮ ‬يمكن أن تكون ديمقراطية مدنية كلما تعمق التحالف على أساس مبادئ ديمقراطية إنسانية واضحة‮.‬
وحين طرح موضوع الاستفتاء،‮ ‬لم‮ ‬يأخذ السيد مسعود ولا بقية الأطراف المشاركة في‮ ‬القرار رأي‮ ‬المناضل الكردستاني‮ ‬والشخص الأقرب لزعيم الاتحاد الوطني‮ ‬الكردستاني‮ ‬جلال طالباني‮ ‬في‮ ‬مجال الاستشارات وتنضيج القرارات والإجراءات،‮ ‬لذلك في‮ ‬ص‮ ‬205 ‮ ‬وما قبلها وبعدها،‮ ‬يسجل الرئيس العراقي‮ ‬القيادي‮ ‬الكردستاني‮ ‬د‮. ‬معصوم مجموعة من الآراء المهمة بشأن العلاقة بين السلطات الاتحادية العراقية وقيادة إقليم كردستان العراقي،‮ ‬فهو رفض الاستفتاء من حيث كونه لم‮ ‬يأت بالتوافق بين السلطتين الاتحادية والكردستانية أولاً‮ ‬،‮ ‬كونها مخالفة صريحة للدستور،‮ ‬ورفض الاستفتاء ثانياً‮ ‬كونه‮ ‬ينسجم مع الفهم التاريخي‮ ‬والطموح الكردستاني‮ ‬في‮ ‬تتويج النضال بإقامة دولة كردستانية،‮ ‬لكن هذا الطموح‮ ‬يتعارض مع حقائق الجغرافية السياسية،‮ ‬بكل ما‮ ‬يعنيه من خسائر تلحق شعب كردستان في‮ ‬حالة إقامة الدولة وما‮ ‬يترتب عليها من أضرار خطيرة،‮ ‬ابسطها الحصار الاقتصادي،‮ ‬وثالثاً‮ ‬شخص أن فرص التعايش السلمي‮ ‬وبناء الإقليم في‮ ‬ظل دولة العراق هو الأفضل لمصلحة المواطنين في‮ ‬الإقليم بكل ما‮ ‬يوفره من فرص تنمية وعوائد،‮ ‬على أن تحل قضية تشريع قانوني‮ ‬النفط والغاز وتوزيع موارد الدولة وجبايتها‮. ‬وعملياً‮ ‬فأن موقف الرئيس معصوم من الاستفتاء،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يدعو بعض قادة الكرد،‮ ‬في‮ ‬مقدمتهم السيد مسعود برزاني‮ ‬وأبنه مسرور وعدد أخر من قادة الحزبين الديمقراطي‮ ‬الكردستاني‮ ‬والاتحاد الوطني،‮ ‬ضمنهم السيدين كوسرت رسول النائب الأول لزعيم حزب مام جلال كذلك د‮. ‬برهم صالح،‮  ‬إلى أن‮ ‬يكون بشكل كتابة رسالة إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة مصطفاً‮ ‬بجانب الاستفتاء،‮ ‬وعليه انسحابه من مقره في‮ ‬قصر السلام وإعلان تخليه عن رئاسة دولة العراق الاتحادية واصطفافه مع‮ "‬إرادة‮" ‬جماهير الاستفتاء في‮ ‬الانفصال،‮ ‬لكنه حرص على محاولة تطويق الأزمة من خلال التخلي‮ ‬عن الاستفتاء،‮ ‬أو بالأقل إجراؤه ضمن حدود الإقليم المتفق عليها مع السلطات الاتحادية دون‮ "‬المناطق المتنازع عليها‮"‬،‮ ‬وحين جرى الاستفتاء،‮ ‬دوناً‮ ‬عن‮ ‬غالبية القادة السياسيين في‮ ‬الإقليم،‮ ‬نأي‮ ‬الرئيس معصوم بنفسه عن الاستفتاء،‮ ‬بعد أن فشلت كل محاولاته‮  ‬بكل السبل للتراجع عنه تحت باب التأجيل،‮ ‬ضمن مساعيه لحفظ ماء وجه زعامة دعاة الاستفتاء من خلال إحالة موضوع الاستفتاء إلى سلطة الإقليم التشريعية،‮ ‬التي‮ ‬تتولى أرجاء الاستفتاء على أساس ما‮ ‬يقدمه مجلس النواب الاتحادي‮ ‬من وعود بحل المشاكل العالقة،
هذا الموقف أدى إلى انحسار فرص تجديد رئاسة د‮. ‬معصوم للعراق،‮ ‬التي‮ ‬كانت أطراف عراقية عديدة تؤيد تجديدها،‮ ‬لكنه لم‮ ‬يرغب في‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ "‬خوارجياً‮" ‬على‮ ‬غالبية الإرادة الكردستانية التي‮ ‬يشكل نواب الحزب الديمقراطي‮ ‬الكردستاني‮ ‬ثقلها الرئيس في‮ ‬ترشيح رئيس العراق عن الكتلة الكردستانية،‮ ‬بعد الاختلاف معهم‮.‬
‮"‬السنوات الأربع في‮ ‬قصر السلام‮" ‬بين سطورها الكثير للقارئ المستقصي‮ ‬بدقة لمسار الأحداث،‮ ‬وخلاصتها أن محمد فؤاد معصوم كان رئيساً‮ ‬عراقياً‮ ‬من كردستان،‮ ‬اخلص لقسمه الدستوري‮ ‬فخسر الكثير من رصيده الشخصي‮ ‬الكردستاني‮ ‬في‮ ‬اللعبة السياسية على مشاعر المواطنين والشعارات البراقة‮.‬
و لكونه لا‮ ‬يميل للعب الشرس شأن بعض الأطراف الأخرى،‮ ‬قرر الانزواء وتقديم النصيحة لمن‮ ‬يسال ولا بد أن التاريخ سينصفه،‮ ‬سواء خلال نشاطه في‮ ‬المعارضة ضمن قيادة الاتحاد الوطني‮ ‬الكردستاني،‮ ‬أو خلال فترة رئاسة الدولة والمنازعات الخفية وطموحات الإصلاح،‮ ‬التي‮ ‬لن‮ ‬يكون أوفى بحقه سوى الإشارة إلى ما قاله في‮ ‬ص13-14-15 ‮ ‬من أن الإصلاح لن‮ ‬يتحقق إلا بأغلبية برلمانية تؤمن بالإصلاح وتعرف السبل الكفيلة بتحقيقه،‮ ‬ولا‮ ‬يكفي‮ ‬لهذا طموح رئيس وزراء مثل السيد العبادي،‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يتحسب لمواقف البرلمان الذي‮ ‬آزره في‮ ‬إجراءاته عندما كانت التظاهرات في‮ ‬أوجها عام‮ ‬2015‮ ‬ ثم عاد بعدها الأطراف نفسها التي‮ ‬أيدته إلى إبطالها باللجوء للقضاء،‮ ‬حيث‮ ‬يختتم د‮. ‬معصوم مقدمته في‮ ‬هذا الخصوص متأسفاً‮ "‬لم‮ ‬يتحسب رئيس مجلس الوزراء لهذا التناقض في‮ ‬مواقف البرلمان والقوى النافذة فيه‮."‬
وعلى هامش مذكراته،‮ ‬وقف الرئيس معصوم عند تقييم دور زعيم المؤتمر الوطني‮ ‬د‮. ‬احمد الجلبي‮ ‬ففي‮ ‬ص237-240 وتحت عنوان‮ "‬احمد الجلبي‮...‬دور وطني‮ ‬ديمقراطي‮ ‬استثنائي‮" ‬أوضح الكثير عن مواقف الراحل،‮ ‬وكيف انه حرص على جمع شمل المعارضة العراقية،‮ ‬وكيف كان له دور رئيس في‮ ‬وقف الاقتتال بين الاتحاد الوطني‮ ‬والحزب الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬كردستان،‮ ‬وكيف انه كان عضو مجلس الحكم الذي‮ ‬طالما ناكد الحاكم المدني‮ ‬الأميركي‮ ‬بول بريمر،فيقول‮ " ‬أجد أن الرجل لم‮ ‬يكن معنياً‮ ‬ومكترثاً‮ ‬بالمصالح الشخصية والحزبية قدر انشغاله بالمصير الديمقراطي‮ ‬للعراق،‮ ‬بل‮ ‬غالباً‮ ‬ما قام بالتفريط بما هو شخصي‮ ‬لصالح بلده وشعبه في‮ ‬داخل اجتماعات مجلس الحكم‮.." ‬وكان‮ ‬يطالب بتسليم السلطة مبكراً‮ ‬للعراقيين‮.‬
وهذا في‮ ‬الحقيقة‮ ‬ينطبق على الرئيس معصوم نفسه،‮ ‬ومن قبله مسؤولون عراقيون قياديون مثل الراحلين د‮. ‬فاضل الجمالي‮ ‬و أ‮. ‬د‮. ‬عبد الرحمن البزاز‮...‬فمثل هؤلاء الرجال وغيرهم قلة‮ ‬يحتاج إنصافهم إلى دراسة عميقة موضوعية‮ ‬يندر وجودها في‮ ‬مجتمعنا مع الأسف‮.‬


مشاهدات 1288
أضيف 2021/08/02 - 10:44 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 5:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 174 الشهر 7742 الكلي 9369814
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير