مغامرة التعويل على التجهيل
فاضل ميراني
مثلي، مثل اي مواطن يتابع نمو الاجيال و الاحداث في العراق، اين كانت و اين تسير و تمشي و ماذا انتجت و ستنتج، و ماذا اخذت و قدّمت؟
نحن جيل ادرك ثورة تموز 1985، وازاحة كريم قاسم للعرش الفيصلي الهاشمي وقد كان قاسم مرافقا لنوري السعيد قبلها و نتذكر الملكية العراقية اطفالا مميزين و طفولتي مثل طفولة ابناء وقتنا ذاك ممن عالمهم هو الريف، وابن الريف و لصعوبة الحياة ينمو و يتسع افقه بما هو اسرع ربما عن ابن الحضر . و وعيت على 1963، حيث قتل الرئيس عارف الاصغر صديقه رئيس الوزراء، و صرت في حزب كان يومها يعمل في سوح المواجهة بلا ازدحام احزاب، و يقود ثورة ايلول القومية الوطنية و شاهدت شقيق الرئيس وهو عارف الاكبر الذي خلعه البعث عام 1968، و عشت ايام اتفاقية اذار، ثم الانتكاسة ثم ثورة الربيع" گولان"، واللجوء قبل ذلك الى ايران، والعودة بعد معارك و تحديات يصدق فيها قول علي بن ابي" يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه"، واستمر المشوار مع الرفاق، فقدنا خلاله الملا مصطفى البارزاني بعد عقود كفاح مر، و فقدنا ادريس سريعا بعد حمل اثقال تنوء بها العصبة من الرجال، و الوف الشهداء و المصابين و المنكسرين و الشادي الامل على الجراح، و مثلهم من باقي العراقيين الذين اختاروا المواجهة حقا لتصحيح المسار. منذ باكر الامر انتبهت على فخ التجهيل الذي تجتهده السلطة ضد شعبها، فتدخر الاتهامات التي توازي ما شرعته هي من عقوبات، و تمكر بمعارف الناس فتقسمهم شيعا و اتباعا و منبوذين و مقربين و مستبعدين، و مع ذلك الجهد فهي سرعان ما تزول مخلفة ندبا قد يروح المها لكن اثرها لا يزول. مضت على زوال النظام السابق ما مقداره عمر وليد صار له حق الادلاء بصوته في الانتخابات، و هي مدة لو تعلمون خطيرة، يمكن ان تعقد الامور الاجتماعية و السياسية و يمكن ان تسهم في تجاوزها، و التعقيد يكون بالتجهيل و الحل يكون بالتوعية.
كان الرئيس مسعود البارزاني، اكثر رجال كردستان و العراق تعرضا لحملات انظمة تكره الانعتاق و المساواة التي يريدها الكرد، شعبا، و حزبا، و لا اريد هنا اختصار الحراك السياسي بحزبنا الديمقراطي الكردستاني الذي وان كان حزبا ابا لأغلب الاحزاب و الكوادر العاملة في توجهات اخرى الا انه يعي التبدلات و التغيرات التي تطال تقدم الحياة و اثمار الاجيال، ولا بالحركة التحررية الكردستانية، فتجارب ورجالات العراق قبل اليوم كانت معطاء واعية، و بالمقابل كان الرئيس مسعود البارزاني و من قبله الرئيس الوالد و الشهيد ادريس حريصين على توعيتين، توعية سياسية حزبية تخص هدف حراكنا بواقعية، و توعية شعبية للحفاظ على توجه من يتقيد من مواطنينا ببرنامجنا القومي الوطني، دون بث فرقة او تدليس او بهت او التجني حتى على الخصم فيما لم يقترف.
ارى ان فوات الاوان عراقيا على عدم بث وعي وطني حقيقي غير منحاز ولا مقيد بثارات ماضية حقيقية او مكذوبة، سيربح بعضا ممن سيضمنهم التاريخ نفس مكان الذين ذبحوا العراق قبلا، لكنه سيزيد الخسارات اضعافا مضعافة، و لندكر ان الرسالات السماوية، و القيم و المبادئ الاخلاقية الوضعية، كلها تقف ضد التجهيل، لمعرفتها بما يجنيه الناس من جاهلية، ايا كانت، دينية ام طائفية ام عرقية.
اخيرا، ان كنت افتتحت كلمتي بعرض سريع للماضي الذي رأيته، فلأجل ان اقدم شهادة عيان لا سماع على فداحة الخسارات دما و مقدرات، ذممنا منتزعيها، و لا يصح ان تتكرر.
{ سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني