وللبصيرة أهميتها الإستثنائية
حسين الصدر
-1-
ثمة اناس يتوقعون أنْ يفرش لهم الطريق بالورد والرياحين، وأنْ يكونوا مصبّا لألوان التقدير والتكريم، انطلاقا من نقائهم وصفاء سريرتهم، وما نالوه من علم وأدب وثقافة ...
وهؤلاء لا يستطيعون التمييز بين الشوط الاول من الحياة وبين شوطها الثاني الممتد الى الابد .
ان طبيعة الحياة الدنيا هي الصراع المحتدم بين الحق والباطل ،وبين العدل والظلم، وبين الاستقامة والانحراف ،والاعتدال والتطرف، وبين الاذعان الى الموازين والانقلاب عليها، وهكذا .
-2-
لم تَخْلُ مرحلةٌ من مراحل التاريخ من أبرارٍ يُستسقى بهم الغَمام، ومِنْ (فُجّار) يُدّنِسُون الاجواء بالرذائل والمنكرات والتمرد والعصيان .
-3-
وما واجَهَهُ الانبياءُ والاوصياء - صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين - من محن وابتلاءات، واضطهاد وجفاء واعراض، لا ينبغي أنْ يغيب عن البال، ولكنهم صبروا، ولم تستطع الازمات أنْ تُثني عزمهم عن المضي في طريق الهداية والاصلاح والانقاذ، واستطاعوا إحراز أكبر النجاحات في مهامهم الرسالية بعد تلك الملاحم والمخاضات الصعبة .
-4-
ليس كل الناس يُولدون وفي أفواههم مَلاعِقُ مِنْ ذَهَب ..،
انّ أكثرهم يولدون في خضم اجواء مغموسة بالضيق والمصاعب وبفضل صلابتهم في مواجهة التحديات، واستمرارهم على العمل الجاد الدؤوب للخروج من المآزق، يتجاوزون تلك الصعاب ويتخطونها الى عوالم اخرى تُمَكّنُهُم من النهوض والانتاج والابداع والاسهام في تحريك عجلة الحياة نحو التقدم والازدهار .
-5-
انّ التجارب البشرية دَلّتْ على أنّ الشخصيات الهشة التي لم تذق طعم العناء والفاقة في يوم من الايام واعتادتْ على تأمين كل ما تريد دون تعب وبلا عمل – لا توفق لكتابة صفحات بيضاء مُشْرِقَة في تاريخها، ولا تصلحُ الأوطانُ بمثل هذا الطراز الواهي من الرجال ،وانما نحتاج الى الابطال الذي يكافحون من أجل الاعمار والتنمية والنفع الاجتماعي العام ، وإعلاء راية الوطن على كل الصعد وفي كل المجالات .
وقد قرأت في ترجمة (ابراهيم بن احمد الباعوني ) وهو ممن ترجَمَهُم السخاوي في الضوء اللامع لاهل القرن التاسع ج 1 /ص23
قوله :
سَئِمْتُ مِنَ الدنيا وصحبةِ أهلِها
وأصبحتُ مرتاحاً الى نقلتي مِنْها
واللهِ ما آسي عليها وأنّني
وانْ رغبتْ في صُحْبَتي راغبٌ عنها
وهذا اللون من السأم والضجر من الناس والحياة هو وراء موجة الانتحارات التي كثرت في الآونة الاخيرة ، وتحوّلت للاسف الشديد الى نحرٍ للابناء من قِبَل آبائهم قبل أنْ ينحروا انفسهم في غمرة الاحباط والهزيمة النفسية .
ان الفهم الخاطئ للحياة ، وغياب الوعي الديني والوازع الاخلاقي يقودان المجتمع الى ألوان من الكوارث والفجائع ...
ومن هنا
كانت الحـــــاجة ماسةً الى الاقــــبال على امتــــلاك (البصــــيرة) بعد أنْ وهبـــــنا الله (الأبصار)، ومتى ما امتلكنا البصائر اختفت عن المسرح الاجتماعي العام تلك الظواهر والمظاهر .
نسأله سبحانه أنْ يُعيــــننا وإيّاكم على إصلاح نفوســــنا التي يصـــلح بصلاحها الوضع العام ..