التجربة المصرية وأهميتها في تعزيز الإكتفاء الذاتي للحنطة
حيدر عبد الامير الغريباوي
يعد لزاماً ان يكون حاضراً في اذهاننا دوماً أن بحلول عـام 2050 سـوف يبلغ عدد سكان العالم 9.1 مليار نسـمة، أي بزيـادة 34 بالمئة عما هـو اليـوم، وسيحصل جـلّ هـذه الزيادة السكانية في البلدان الناميـة، مما يتوجب زيادة الإنتاج الغذائي بنسـبة 60 بالمئة ومـن المتوقع أن تكـون هنـاك حاجة الى معدل سنوي من الاستثمارات الصافية البالغة 83 مليـار دولار أمريكي في الزراعـة في البلدان النامية من أجل تحقيق هذه الزيادة في الإنتاج .
ولظهور الأزمة العالمية للغذاء والتي تشكل الحنطة العنصر الرئيسي فيها والتي تعمل الدول المنتجة لها على رفع أسعارها أو فرض الشروط عند عقد صفقات استيرادها ولضمان توفير الحد الأدنى والكافي من المحاصيل الاستراتيجية بشكل منتظم فضلا عن التنافس في زراعة الأرض بالمحاصيل المختلفة والاستخدامات البديلة لها.
وفيما يخص العراق يعتبــر تأميــن توافــر القمــح فــي الوقــت الراهــن قضيــة ذات أهميـة بالغـة لـكل مـن الامـن الغذائـي والاسـتقرار السياسـي حالياً وفـي المسـتقبل، حيث يشــكل القمــح مــا يزيــد علــى ثلــث اســتهلاك الســكان مــن الســعرات الحراريــة والبروتينــات، وقــد تصــل النســبة إلــى 50 بالمئة فــي بعــض البلــدان، وحسب الجهاز المركزي للإحصاء فإن “المساحة المزروعة لمحصول القمح فقط حسب طريقة الري بالغمر لعام 2019 بلغت نحو 6.331 ملايين دونم وكانت كمية الإنتاج 4.343 ملايين طن، في حين بلغت كمية المحصول حسب المناطق المطرية 947.047 ألف طن، حيث تقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة با48 مليون دونم أي بنسبة 27.7 بالمئة من مساحة العراق الكلية وهي المساحة الصالحة للزراعة فيه، وتتوزع على 16 مليون دونم في المنطقة الشمالية، وتعتمد زراعتها بصورة أساسية على مياه الأمطار الموسمية مشكلة 33.3 بالمئة من مجموع الاراضي الصالحة للزراعة، أما المساحة الباقية والبالغة 32 مليون دونم فهي توزع في المناطق الوسطى والجنوبية.
محاصيل استراتيجية
يبرز دور الحنطة كمحصول من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في العراق بل يحتل المرتبة الأولى من بين السلع الاستهلاكية بصفة عامة والسلع الغذائية بصفة خاصة، اذ يتبين بان الانتاج اللازم لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحصول قد تزايد من 137.5 مليون طن عام 2010 ليصل الى نحو 539.6 مليون طن عام 2020.
نسترشد بالتجربة المصرية في مجال تجارة الحبوب ودورها في تعزيز الأمن الغذائي، ويعتبر القمح المحصول الاستراتيجى الأول فى مصر لما يمثله من مكانة اقتصادية هامة في القطاع الزراعي المصري، حيث بلغت المساحة المزروعة منه نحو 2.3 مليون فدان، تمثل نحو 6.45 بالمئة من إجمالى مساحة المحاصيل الشتوية البالغة نحو 02.7 مليون فدان، وتمثل نحو 9.19 بالمئة من إجمالى المساحة المحصولية البالغة نحو 06.16 مليون فدان فى عام 2018 . وقد بلغ اإلنتاج المحلى للقمح نحو 35.8 مليون طن، في حين قدر االستهالك المحلي بنحو 35.17 مليون طن، ومن ثم تقدر الفجوة الغذائية القمحية فى مصر بنحو 0.9 مليون طن فى عام 2018.
حيث أعلنــت مصــر عــن خططها لكــي تصبــح ”مركــزاً للأمــن الغذائــي“فــي الشــرق الاوســط مــن خلال بنــاء مركــز متكامــل علــى مسـتوى عالمـي لتخزيـن الحبـوب فـي قلـب مصـر، علـى أن يتـم ذلـك بالتعـاون مـع شـركة بلومبـرج العالميـة للحبـوب، وهـي شـركة رائـدة فـي مجـال الامـن الغذائـي فـي العالـم، ورائدة في مجال الأمن الغذائي، حيث تعمل على توفير تقنيات وأنظمة لحماية المحاصيل، وتساهم أنظمة الأمن الغذائي المتكاملة لدى شركة بلومبرج جرين والمجهزة لحفظ المحاصيل والأغذية في خفض خسائر ما بعد الحصاد من الحبوب والمنتجات والمحاصيل سريعة التلف إلى نسبة 5 بالمئة أو أقل.
علماً أن شركة بلومبرج جرين للحبوب تقوم ببناء صوامع قمح تعمل بالتكنولوجيا الفائقة تكفي لتخزين ما يصل إلى مليون طن من الحبوب بغية تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في سلعة أساسية تطعم عشرات الملايين من الفقراء تشتري مصر محصول القمح المحلي بسعر مدعوم بسخاء. وستدفع مصر للمزارعين 370 دولارا للطن هذا العام أو ما يعادل ضعفي ما دفعته في أحدث مناقصة لاستيراد القمح عندما تعاقدت على الشراء مقابل 190 دولارا للطن. وتتعاون شركة بلومبرج جرين مع الشركات والدول في تطوير العملية الزراعية وزيادة جودة وكمية المحاصيل وتحقيق أقصى استفادة سوقية من المحاصيل، علاوة على زيادة الصادرات من المنتجات الزراعية.
احتياجات وطنية
ويهـدف المشـروع إلـى تأميـن الاحتياجـات الوطنيـة فـي مصـر مـن القمـح والحبـوب الاخـرى، اضافـة إلـى إنشـاء احتياطـي استراتيجي مـن القمـح لتوفيـره للبلـدان المجـاورة ذات الاحتياجـات مـن الحبـوب، فضلا عن تحول مصر كمركز عالمي لتجميع الاقماح وطحنه وتوفيره للدول العربية، وتقوم مصر ببناء حاليا 108 صومعة تتيح سعة تخزينية حوالى 5.5 ملايين طن قمح، ومن المقرر الانتهاء من إنشاء هذه الصوامع خلال عام ونصف، للحفاظ على جودة القمح والحد من المهدر منه، ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتشتري في العادة حوالي 10 ملايين طن سنويا من الأسواق الدولية، وتستخدم خليطا من القمح المحلي والمستورد لبرنامجها للخبز المدعوم، ويتجاوز السعر الذي تدفعه لشراء القمح من الأسواق الدولية 200 دولار للطن، وقال ديفيد بلومبرج الرئيس التنفيذي للشركة سيمكن النظام الكامل الحكومة المصرية من توفير نحو 550 مليون دولار سنويا في شكل وفورات القمح والقيمة المضافة ومزايا العمالة الإضافية، وأضاف قائلا “كل شيء يخضع للمراقبة والتقييم من مركز القيادة والسيطرة هذا” مشيرا إلى شاشة تبث صورا حية من داخل مستودع مصنوع من الصلب في مدينة الإسكندرية الساحلية كواحدة من أكبر أنظمة الأمن الغذائي وأكثرها تطورا في العالم لتخزين الحبوب.
علماً أن شركة بلومبرج جرين للحبوب تقوم ببناء صوامع قمح تعمل بالتكنولوجيا الفائقة تكفي لتخزين ما يصل إلى مليون طن من الحبوب بغية تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في سلعة أساسية تطعم عشرات الملايين من الفقراء تشتري مصر محصول القمح المحلي بسعر مدعوم بسخاء. وستدفع مصر للمزارعين 370 دولارا للطن هذا العام أو ما يعادل ضعفي ما دفعته في أحدث مناقصة لاستيراد القمح عندما تعاقدت على الشراء مقابل 190 دولارا للطن.
كمـا قامـت مصـر بتأجير أراضيها إلـى الـدول العربيـة الاخـرى الغنيـة أو المســتثمرين العــرب مــن قبيــل الســعودية والكويــت والامــارات العربيـة المتحـدة، فـي خطـة لتطويـر القطـاع الزراعـي علـى نحـو مسـتدام.
يذكر ان مصر عملت على التوسع في مجالات تساهم في دعم الأمن الغذائي خارج حدودها، فقد وقعت فـي عام2011، عقـدا مـع الحكومـة السـودانية بتخصيـص حوالـي مليـون فـدان مـن الاراضـي الصالحـة للزراعـة فـي السـودان لزراعـة المحاصيـل الاساسـية مثـل القمـح، وكـانـت الخطـة تقضـي ان يتـم إنتـاج 2 مليـون طـن مـن القمـح فـي السـنة لتصديرهـا إلـى مصـر، كمـا تسـعى مصـر بحمـاس كذلـك إلـى تربيـة المواشـي هنـاك وقد لعــب القطــاع الخــاص المصــري كذلك دوراً في ذلك.
ومن التجربة المصرية إذن يتضح أن الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه العراق لتحقيق أمنه الغذائي يتمحور حول تجارة الحبوب، لأنه يمتلك إمكانات هائلة من موارد أرضية ومياه ولكنها ?مستثمره بطريقه بدائيه، فعلى سبيل المثال لو استخدمنا طرق الزراعة الحديثة ورفعنا مستويات الإنتاجية من الحبوب إلى مستوى الإنتاجية في مصر أو في الدول المتقدمة التي تتراوح بين 5.4 -5.8 طن/هكتار سوف يتحقق فائض من الحبوب ?لدى العراق يقدر بأكثر من 10.5 مليون طن في ضوء المساحة المزروعة سنة 2019 والبالغة 16.9 مليون دونم.
أما لو أخذنا المساحة المروية والمزروعة بالحبوب والتي تقدر بنحو 9.4 مليون دونم فان الفائض عن حاجة العراق من الحبوب سيكون بحدود 4 مليون طن سنويا، وبمعنى آخر إن اعتماد الوسائل الحديثة في الزراعة سترفع الإنتاج الكلي للعراق من الحبوب وتجعله من الدول المصدرة لها، وهذا الأمر يمكن أن ينطبق على معظم السلع الزراعية المنتجة في العراق. فكلما زادت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، وقلت نسبة العمالة الزراعية من مجموع الأيدي العاملة ارتفعت قيمة الكفاءة الاقتصادية الزراعية، وهذا ما لم يؤشر في الكفاءة الاقتصادية الزراعية في العراق، ومن ثم انعكاس ذلك على مجمل اتجاه تجارة الحبوب في العراق في تعزيز الأمن الغذائي وفي تفعيل دورها في التجارة الدولية للحبوب.
ويظهر من جدول الإنتاج والمساحة والمتاح للاستهلاك والفجوة الغذائية ونسبة الاكتفاء الذاتي من محصول القمح في العراق للمدة من 2002-2020 ان العجز بلغ في القمح نحو 348 الف طن في العام 2020 أي بنسبة عجز بلغت 6 بالمئة .
ولم يتم اعتماد إحصاءات وزارة التجارة لأن أكثر من نصف أفراد الشعب العراقي هم يعملون في الزراعة وهم يقومون باستهلاك كميات إضافية من الحنطة في الغذاء اليومي لذلك لا يمكن الاعتماد عليها فقـط وقـد اعتمدنا على تقارير الموازين الغذائية وبحوث ميزانية الأسرة التي تقوم بها وزارة التخطيط لتسجيل الواقـع الفعلي لاستهلاك الحنطة في العراق.
حيث افترضنا أن المتوسط الاستهلاكي للحنطة يبقى ثابتا على الأقل للفترة اللاحقة إذا لم يتم تخفيضه نتيجة لتحسن الوضع الاقتصادي في القطر مستقبلاً، أن حجم الاستهلاك البشري المتوقع للطحين في القطر قد تراوح بين 4.22 مليون طن من الطحين عام 2010 يصل إلى 5.137 مليون طن عام 2020 أي بزيادة تقدر 27 بالمئة عن عام 2010. وفي ظل الظروف الحالية للقطر يمكن إحداث تغيير نسـبي كبيـر فـي حجـم المسـاحات الاروائية المزروعة بالمحصول على مستوى القطر باستخدام طريقـة الـري بـ الرش ،ولكـن عنـدما يراد اتخاذ القرارات التخطيطية والتنظيمية وفي تخصـيص المـوارد المسـتخدمة فـي إنتـاج الحنــــــــطة تؤخذ بنظر الاعتبار سيادة الزراعة الديمية لإنتاجها .