كلام  * كلام

الإنشطار السكاني

فيصل جاسم العايش 

كأنه لم يعد في الارض متسع للبناء ,فصارت الدور والمساكن تنقسم على نفسها مثنى وثلاثاً ورباعاً , لكي تستطيع ان تستوعب الابناء والبنات اذا كان الامر يستوجب ذلك , أو أن حدائق الدور والمنازل تحولت الى دكاكين ومحلات تجارية لكي تسد الحاجة الاقتصادية لأهل الدار , فاصبحت المدن خراباً يتلوه خراب آخر , واذ أن البيت الواحد اذا تحول الى عدد من المشتملات الصغيرة سيكون عبئاً على الجهد البلدي والخدمي واستنزاف الطاقة الكهربائية وشبكات الصرف الصحي ومد انابيب الاسالة , كل هذا يحدث دون حسيب او رقيب فتحولت واجهات البيوت الى دكاكين واسواق تجارية او الى دور صغيرة لسكنى ابناء العائلة او تأجيرها للاستفادة من بدلات الايجار!.

كل شيء صار ينقسم على نفسه , فضاعت معالم العمارات الحضارية واندثرت حدائق المنازل وتكومت الانقاض على الارصفة وتبعثر الرمل والحصى والسمنت في شوارع الاحياء السكنية , كل هذا يحدث لأن الدولة لم تسع الى توزيع اراض سكنية على الموظفين والكسبة في احياء بغداد الواسعة من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها , ولقد كنا فيما مضى نشهد توزيع الاراضي حسب مهن اصحابها وظلت التسميات لصيقة بها , فأحياء كاملة للمهندسين والاطباء والعمال والاقتصاديين والشرطة والمحامين والمعلمين وسواهم ممن كانت الجمعيات والنقابات توزع الاراضي عليهم , وحتى توقف الامر اضطر الناس الى تقسيم دورهم او بيع أجزاء منها نتيجة الضائقة الاقتصادية وبقاء الابناء بعد تخرجهم من الكليات دون عمل يكفيهم متطلبات الحياة وصارت العوائل تنشطر على نفسها على هيئة مستملات صغيرة , في وقت لم تكن الاجهزة البلدية تسمح ببناء دار دون لمئتي متر , فإذا بنا نرى دوراً صغيرة بربع المساحة المعتمدة , نتيجة الحاجة السكانية وتشظي العوائل وحاجتها الى اسكان ابنائها او الحصول على بدلات الايجار اذا ما تحولت واجهات المنازل على الشوارع التجارية الى دكاكين !.

سيصبح الامر صعباً للغاية وليس له من حلول ناجعة تعيد الامور الى نصابها الحقيقي وسيمزق الباحثون عن جماليات المعمار كل تصاميمهم واوراقهم ويقذفون بها  الى أقرب سلة للمهملات بعد ان ضاعت كل جهودهم هباء منثوراً.