حكاية وجعٍ وصدى أستغاثة
ثامر مراد
لم يكن في مخيلتي يومًا أن أتناول موضوع الاستقطاعات من رواتب الموظفين والموظفات أو المتقاعدين والمتقاعدات، ليس تجاهلًا أو تهربًا، بل لأن القضية بأكملها تبدو خارج سيطرة تلك الفئات المرهَقة. السيطرة الكاملة في يد قلة متنفذة، أفرادًا كانوا أو جهات. لكنّ ما دفعني للحديث الآن هو تلك الصرخة المكتومة، تلك الشكوى الحزينة التي سمعتها من امرأة مُسنّة، اختلطت كلماتها بالمرارة والإحباط.
في أحد الأيام، وبينما كنت أنتظر استلام راتبي التقاعدي من منفذ شركة الأحرار في منطقة الدورة، سبقتني هذه السيدة في الاستلام. لم تكد تمسك بأموالها حتى أطلقت عبارتها الغاضبة:
“أخ... قاطعين 11 ألف من راتبي من أجل لبنان! ما شأني أنا بلبنان؟ لماذا لا تقتطع الدولة من رواتب البرلمانيين والبرلمانيات؟ لماذا يثقلون كاهل الفقراء أمثالي؟”
حاولت تلك المرأة استيضاح الأمر من الموظف المسؤول، لكنه أجابها بأن القرار لا يتعلق به ولا بالشركة.عدتُ إلى دراجتي الهوائية المتهالكة، وفي الطريق إلى منزلي، وجدت نفسي أتحدث بصوتٍ مرتفع مع الله وحده، متيقنًا أن أحدًا لن يسمعني غيره:
“لماذا لا تُستقطع هذه الأموال من رواتب من يتقاضون أكثر من مليون دينار؟ لماذا لا توضع خطة تعيد لهم ما تم اقتطاعه بعد انتهاء الأزمة؟ بهذا، يمكن حماية من يتقاضى أقل من مليون دينار من هذه الاستقطاعات التي تزيدهم فقرًا!”
فكرتُ في تقديم مثال شخصي، وقلت لنفسي:
“لو كان راتبي التقاعدي يتجاوز المليون بدينارٍ واحد، لوقّعتُ تعهدًا باستقطاع 5% من راتبي لدعم لبنان أو غيره مدى الحياة. لكنني للأسف لا أملك ذلك.”التبرع، من الناحية الشرعية والأخلاقية، ينبغي أن يكون خيارًا طوعيًا نابعًا من القناعة والإرادة، لا أمرًا مفروضًا بالقوة. وإلا فإنه لا يُعتبر تبرعًا بأي حال. ولكن يبدو أن كل شيء في العراق يختلف عن سياقات العالم الأخرى.لا أريد الغوص في التفاصيل التي قد تُفهم بشكلٍ خاطئ، أو قد تعرض البعض للخطر. ولكن، وسط هذه الفوضى، أقول: سلامٌ عليكم أيها الفقراء في العراق. أنتم الأمل الباقي، رغم كل ما يثقل قلوبكم من معاناة.