قراءة تحليلية.. تصريحات ترامب بضم كندا إلى الولايات المتحدة
خيري بوزاني
في خضم السياسة الدولية المعاصرة، التي تتسم بالتشابك بين المصالح الوطنية والتنافس الجيوسياسي، تتصدر المشهد أحياناً تصريحات مثيرة للجدل تعيد تشكيل النقاش العام حول قضايا السيادة والعلاقات بين الدول. ومن بين تلك التصريحات، ما أدلى به الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول فكرة “ضم كندا إلى الولايات المتحدة”. قد تبدو هذه التصريحات سطحية أو حتى مزحة سياسية، إلا أنها تحمل في طياتها دلالات عميقة تتطلب فهماً معمقاً لأبعادها التاريخية والسياسية والدوافع الكامنة وراءها.
السياق التاريخي والسياسي
تاريخ العلاقات الأمريكية-الكندية يُعد نموذجاً للاستقرار والتعاون، حيث تجمع بين البلدين أطول حدود غير محمية في العالم، فضلاً عن شراكات اقتصادية وأمنية وثيقة. ومع ذلك، فإن فكرة ضم كندا تتناقض مع المسار التاريخي لهذه العلاقة. فمنذ إعلان استقلالها عام 1867، أسست كندا هويتها كدولة ذات سيادة (McRoberts, 1997). علاوة على ذلك، فإن عضوية كندا في الكومنولث البريطاني تضيف بعداً ثقافياً وسياسياً يجعل أي حديث عن ضمها إلى الولايات المتحدة أمراً شديد الحساسية.
الدوافع الكامنة وراء تصريحات ترامب
تصريحات ترامب ليست مجرد كلمات عابرة، بل يمكن تحليلها ضمن سياقات متعددة، سياسية واقتصادية وحتى رمزية:
1- لطالما استخدم ترامب التصريحات المثيرة للجدل كأداة لتعبئة قاعدته الشعبية والانتخابية. فكرة ضم كندا قد تكون موجهة إلى القوميين الأمريكيين الذين يرون في مثل هذه الأفكار تعبيراً عن قوة الولايات المتحدة وتوسيع نفوذها (Skowronek, 2020).
2- كندا، المعروفة بثرواتها الطبيعية الهائلة من نفط ومعادن ومياه عذبة، تُعد مكسباً استراتيجياً لأي دولة تسعى للسيطرة على موارد إضافية. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تبدو بعيدة المنال، فإنها تعكس اهتماماً أمريكياً مستمراً بالموارد الكندية (Hale, 2001).
3- في ظل تصاعد التنافس مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا، قد يكون طرح مثل هذه الأفكار وسيلة لتعزيز مكانة الولايات المتحدة الجيوسياسية. توحيد أمريكا الشمالية، ولو نظرياً، قد يُعتبر خطوة لتعزيز النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية (Allison, 2017).
ردود الفعل المتوقعة على الصعيد الكندي
الشعب الكندي وحكومته يعتزان بسيادتهم الوطنية وهويتهم المستقلة. مثل هذه التصريحات، حتى وإن كانت غير جدية، تُعد استفزازاً قد يواجه رفضاً قاطعاً. كندا تعتمد على هويتها المستقلة لتعزيز دورها في النظام الدولي، خاصة في مجالات حقوق الإنسان والدبلوماسية متعددة الأطراف (McRoberts, 1997).
على الصعيد الدولي
التصريحات قد تُعتبر تهديداً للنظام الدولي القائم على احترام السيادة الوطنية. بريطانيا، باعتبارها الراعي التاريخي لكندا، قد ترى في مثل هذه الأفكار استفزازاً مباشراً يؤثر على علاقتها مع الولايات المتحدة (Hale, 2001).
الإطار القانوني
وفقاً للقانون الدولي، فإن أي محاولة لضم دولة ذات سيادة تُعد انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة لتغيير الحدود (UN Charter, 1945). كما أن الدستور الأمريكي نفسه يفرض إجراءات تشريعية معقدة لأي محاولة لتوسيع الاتحاد الأمريكي، ما يجعل الفكرة غير قابلة للتطبيق عملياً.
شخصية ترامب والخطاب الشعبوي
تصريحات ترامب تعكس نهجه الشعبوي الذي يعتمد على كسر التقاليد السياسية وإثارة الجدل. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز صورته كقائد غير تقليدي قادر على تقديم أفكار غير مألوفة، حتى وإن كانت غير قابلة للتنفيذ. مثل هذه التصريحات غالباً ما تُستخدم كوسيلة للهيمنة على المشهد الإعلامي وإبقاء الجمهور مشغولاً بمناقشة أفكاره (Skowronek, 2020).
ولكن، رغم أن تصريحات ترامب حول ضم كندا تبدو بعيدة عن الواقع، إلا أنها تسلط الضوء على طبيعة الخطاب السياسي في العصر الحديث، حيث تُمزج الأفكار الرمزية بالمصالح الجيوسياسية. مثل هذه التصريحات، وإن كانت غير جدية، تُثير تساؤلات حول حدود المزاح السياسي وتأثيره على العلاقات الدولية، مما يجعلها مادة غنية للتحليل والنقاش.
عن مجموعة واتساب