السرد التاريخي لدراما شاكر باشا

نبراس المعموري

يُعَدُّ السرد التاريخي في الدراما وسيلة فعّالة لنقل الأحداث والوقائع التاريخية إلى الجمهور بأسلوب مشوّق ومؤثّر. ودمج الحقائق التاريخية مع العناصر الدرامية، يمكن المنتجين من إحياء شخصيات وأحداث من الماضي، مما يُسهِّل على المشاهدين فهم السياقات التاريخية و تعقيداتها والتفاعل معها والاستفادة منها.

إلا أن ذلك لا يخلو من التحديات التي ترتبط بمدى الدقة التاريخية مقابل الخيال الدرامي، لغرض عدم تشويه الفهم العام للتاريخ، أو التحيّز والسرد الانتقائي.

وانتشر في الاونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحديث عن مسلسل “عائلة شاكر باشا” و هو دراما تاريخية تركية تدور أحداثها عام 1912، تسلط الضوء على حياة عائلة شاكر باشا المليئة بالأسرار والمؤامرات. يستكشف المسلسل العلاقات المعقدة داخل العائلة، مع التركيز على شخصيات بارزة مثل جواد شاكر، المعروف بـ”صياد السمك”، وهو روائي تركي شهير ساهم في شهرة منطقة بودروم، والأميرة فخر النساء زيد، فنانة الرسم الحديث التي تزوجت من العائلة الهاشمية الأردنية. كما يتناول المسلسل حياة عليا برجر، أول فنانة نقش تركية، وفوريا كورال، أول فنانة للنقش على السيراميك، ونجاد ديفريم، الرسام التركي المعروف.

حاز المسلسل فور الإعلان عنه ، وعرض الحلقة الأولى … نسب مشاهدات عالية واهتمام واسع من قبل الجمهور، مما يظهر نجاحه في تقديم دراما تاريخية مشوقة ، وهذا ليس بالجديد على الدراما التركية التي اعتدنا من خلالها مشاهدة اروع واهم الأحداث التاريخية. الا ان الانتشار الواسع والترويج للمسلسل أدى إلى ان يرفع أحفاد شاكر باشا دعاوى قضائية ضد صُنّاع المسلسل، معتبرين أنه انتهاك لحياتهم العائلية الخاصة، خاصةً وأنه لم يتم الحصول على إذن مسبق لإنتاج المسلسل ، ورغم ذلك، أصدرت النيابة العامة قراراً بإسقاط الدعوى .

مخاوف احفاد شاكر باشا من عرض المسلسل في جانب ما كانت في محلها . فقد أثار انتاج المسلسل تساؤلات عدّة حول مدى تأثير أحداثه الدرامية على التاريخ العثماني، كونه يتناول قضايا اجتماعية معقدة، مثل العلاقات المحرمة داخل الأسرة من بينها العِلاقة بين الأب وزوجة ابنه (الكنة). وإعجاب الأب بزوجة ابنه، مما قد يولد انطباعاً لدى المشاهدين حول تعقيد العلاقات الأسرية والحساسيات المرتبطة بها، خاصةً عندما تتداخل المشاعر الشخصية مع الروابط العائلية. و قد يُثير المسلسل تساؤلات حول الحدود الأخلاقية والتحديات التي تواجهها العائلات في مثل هذه المواقف. ومدى دقة التمثيل الدرامي للأحداث التاريخية و التزامه بالحقائق.

ختاما… يمكن القول إن المسلسل قد يؤثر على فهم وتصور المشاهدين للتاريخ العثماني، وتاريخ عائلة شاكر باشا بالذات ، لكنه لن يغير الوقائع التاريخية الموثقة. إلا  انه سيكون بمنزلة درس مهم حول أهمية الحفاظ على القيم الأسرية والأخلاقية، و ضرورة التواصل المفتوح والصادق بين أفراد الأسرة لحل المشكلات وتجنب الانزلاق في علاقات غير مشروعة قد تؤدي إلى تفكك الأسرة ودمارها. والمخاطر المحتملة لمثل هذه العلاقات، كما يعد المسلسل رسالة  لتبني سلوكيات صحية ومسؤولة في العلاقات الزوجية مع ارتفاع نسب التفكك الأسري والمشاكل الاجتماعية التي يرافقها هذا النوع من التفكك . وهذا ما نطمح أن تحققه الدراما في مجتمعنا العربي كونها وسيلة أساسية في التغيير والإصلاح إذا ما استثمرت بالشكل الصحيح.