الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العلامة مصطفى جواد.. تركماني علّم العرب لغتهم

بواسطة azzaman

قامات عراقية خالدة

العلامة مصطفى جواد.. تركماني علّم العرب لغتهم

صلاح عبد الرزاق

 

إذا كان العرب الماضون يفخرون بسيبويه وابن خالويه وأبو الأسود الدؤلي وابن مالك والكسائي والفرّاء والزمخشري والأصمعي والفراهيدي والزبيدي وغيرهم، وبإنجازاتهم ومؤلفاتهم التي ما زالت مراجع رصينة في اللغة العربية ، في النحو والصرف والإعراب والبلاغة والتفسير، فأن العراقيين اليوم يفخرون بالعلامة الدكتور مصطفى جواد (1904 - 1969) الذي يُعد من أبرز علماء العربية البارزين في العصر الحديث ، ومن الذين خدموا اللغة العربية وأسسوا قواعدها ، وأصلحوا أخطاءها ، وساهموا في تحديث اللغة وتبسيطها. واشتهر لدى الجمهور بسبب برنامجه التلفزيوني والإذاعي اللغوي (قل ولا تقل).

ولادته ونشأته

ولد مصطفى جواد مصطفى إبراهيم البياتي بمحلة شعبية تدعى عقد القشل في الجانب الشرقي ببغداد عام 1904 لأبوين تركمانيين من عشيرة صارايلو من البيات. كان والده خياطاً وأصل أسرته من دلتاوة في قضاء الخالص في محافظة ديالى. ولذلك كان يوقع مقالاته وقصائده المبكرة باسم (مصطفى جواد الدلتاوي) ثم حذف هذه النسبة بعد ذلك. انتقل مع والده إلي دلتاوة واشتغل بالزراعة في صباه ثم عاد إلى بغداد وأكمل دراسته الابتدائية هناك.

تعليمه

في دلتاوة درس مصطفى في الكتاتيب حيث درس القراءة والكتابة والقرآن الكريم أولاً ، فأصبح قارئاً للقرآن وحافظاً له، ثم بدأ الدراسة الابتدائية في المدارس الحكومية. في بداية الحرب العالمية الأولى توفي والده جواد في دلتاوة ، فعاد مصطفى إلى بغداد مسقط رأسه بعد الاحتلال البريطاني عام 1917 وأكمل بقية دراسته الابتدائية في المدرسة الجعفرية التي أسسها جعفر أبو التمن عام 1908.

كان شقيقه الأكبر كاظم جواد من أدباء بغداد في التراث التقليدي ، وهو الذي أسهم ببناء قاعدة العشق اللغوي قي شقيقه الأصغر. وقد كلفه شقيقه بدراسة النحو ومعاني الكلمات ، كما أعطاه قاموساً في شرح مفردات العربية ، وأوصاه بحفظ عشرين مفردة في اليوم الواحد. وبادر الصغير مصطفى بحفظ أكثر من عشرين مفردة يومياً حتى تولدت لديه حافظة قوية بقيت على قوتها حتى شيخوخته.

كما كان لشقيقه صلة تعارف مع مدير المدرسة الجعفرية الشيخ شكر البغدادي (1855-1938 ) الذي بدوره ألزم التلميذ مصطفى جواد بحفظ الأجرومية في النحو فحفظها في ثلاثة أيام. دُهِش الشيخ شكر وأهداه كتاب  (شرح قطر الندى) فأتقن مضامينه أمام الشيخ. وشاع أمره بين طلاب المدرسة الجعفرية لذا أُطلِق عليه لقب (العلّامة النحوي الصغير).

أكمل دراسته خلال الفترة (1921 – 1924)  في دار المعلمين العالية  ، وفي هذه الدار وجد اثنين من أساتذته يعتنيان بموهبته وهما طه الراوي ( 1890-1946)  حيث أهداه كتاب المتنبي لما وجده يحفظ له قصيدة طويلة بساعة واحدة بصوت شعري سليم بأوزانه، وأستاذه الآخر ساطع الحصري حيث أهداه قلما فضيا بعد أن وجد قابلية تلميذه تتجاوز مساحة عمره إلى أقصى الحدود، وكان أساتذته يقولون له: (أنت أفضل من أستاذ!) فهو يكمل عجز البيت الشعري إذا توقف عن ذكره، ويحلل القصيدة ويتصيد الأخطاء ويشخص المنحول بقدرة استقرائية غير مستعارة من أحد.

الدراسة في باريس

حصل مصطفى جواد على بعثة لإكمال دراساته في باريس ، فقضي سنة كاملة في القاهرة لتعلم الفرنسية. وهناك التقى رواد الثقافة طه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات وباحثهم وجادلهم في أخطائهم ولم يذعنوا لأنهم كما يقول مصطفى جواد (مدارس وقدرات) ولا يجوز انتقادهم.

في القاهرة شاغب عليه بعض الكبار واتهمه ب (الماسونية) لأنهم يخشون من لسانه إذا جلسوا بقربه في المجمع العلمي العراقي، حتي طه حسين ( 1889- 1973) كان يتبرم من وجوده في أيام الاجتماعات السنوية في مجمع اللغة بالقاهرة، وكتب العقاد ( 1889 - 1964 ) مقالة يذم بها مصطفى جواد لأن راعي اللغة العراقي نبش أبحاثه فكشف عن أخطاء لغوية ونحوية وإملائية ما كان ينبغي أن يقع فيها أديب عملاق كالعقاد! كان لا يبالي بتهم تقذف عليه جزافاً، وكأنه كان منذوراً للغة الضاد أو منتدباً لحراستها من عبث الصغار أو الكبار أو من أولئك الذين يدعون العصمة في ادمغتهم،

سافر إلى فرنسا خلال الفترة (1934-1939) ، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة السوربون في الأدب العربي فنالها عن أطروحته  (الناصر لدين الله الخليفة العباسي).

نشبت الحرب العالمية الثانية فعاد إلى بغداد سنة 1939 بدون أن يناقش الرسالة وعاد معه الدكتور ناجي معروف، والدكتور سليم النعيمي، وهما مثله كانوا بانتظار مناقشة الرسالة.عاد الي بغداد وهو مزود بقراءتين: القديمة التي في المراجع والمصادر الرئيسة والحديثة وهي الأكاديمية التي تنفتح علي العصر، وجاء بهاتين القراءتين إلى دار المعلمين العالية التي عين فيها أستاذا للأدب العربي، وكان في الدار أساتذة كبار أمثال الشاعر محمد مهدي البصير (1896- 1974) ومحمد الهاشمي (1910- 1996) والمؤرخ والشاعر والصحفي والمذيع  صفاء خلوصي (1917- 1995) وحينما أضيف إليهم مصطفى جواد صار في الدار مجلس تراث لغوي تثار فيه كل شاردة وواردة في اللغة وتحسم فيه مواقف الأدب إلا أن الشهرة كانت لمصطفي جواد لأنه أكثرهم تذكرا ومذاكرة وأكثرهم قدرة علي تخيل الصحيح في القواميس وهو أيضا أفاد منهم في جعل حافظته تتمرن على الاعادة، واتمام النقص في مسائل التحقيق التراثي.

أفاد ذاكرته التراثية في باريس من ملازمته لمجلس الميرزا محمد القزويني ومكتبته التراثية فنسخ منها عشرات المحفوظات العربية النادرة، وعشرات مثلها من المكتبة الوطنية الفرنسية، ومهمة النسخ هذه ساعدته على اتساع خياله التراثي وإرجاع الفرع الذي قرأه في الكتب الحديثة إلى الأصل الذي هو في الكتب الأولى وهذه المراجعة والمذاكرة مع الذات تمهد له الطريق لاكتشاف المزيد من حقائق اللغة التراثية وتجعل ذهنه ذهنا مقارنا حيوي التخريج.

سيرته المهنية

بعد تخرجه من دار المعلمين العالية، مارس مهنة التعليم في المدارس مدة تسع سنوات (1924-1933) متنقلاً بين البصرة والناصرية وديالى والكاظمية، حيث تم تعيينه معلماً للمدارس الابتدائية.

ولقد عمل مدرساً في معهدهِ الذي تخرج منهُ وفي كلية التربية التي ورثت المعهد بعد تأسيس جامعة بغداد.  في عام 1962 انتدب للتدريس في معهد الدراسات الإسلامية العليا وعُيِّن عميدا للمعهد المذكور بعد عام.

تم تعيينه كاتباً للتحرير في وزارة المعارف ونقل بعد ذلك معلما في المدرسة المأمونية ببغداد، ومنها نقل إلى المدرسة المتوسطة الشرقية ببغداد. تعرف خلال هذه المدة على الأب أنستاس الكرملي فلازمه وكتب في مجلته (لغة العرب).

كما شغل منصب المشرف على الأساتذة الخصوصيين الذين أشرفوا على تدريس وتثقيف الملك فيصل الثاني ملك العراق. وهو أحد الأصدقاء المقربين للسيد رشيد عالي الكيلاني وكان على صلة طيبة به خصوصا أنهما بالأصل من لواء ديالى.رغم أن تخصصه الجامعي كان في التاريخ لكنه كتب الكثير من الأبحاث والكتب عن اللغة العربية وكيفية تحديثها وتبسيطها.

 ولهُ العديد من المؤلفات المشتركة ومقالات ودراسات منشورة لم تجمع بعد، كما واصل النشر والكتابة والبحث والتنقيب والتخصص في اللغة وتاريخها فألف وحقق ما يثريها ويعمق من معرفتها والتمعن بها، باذلا جهوده في الإحاطة بها رغم معاناته من مرض القلب وقام بتدريس اللغة لأكثر من خمس وأربعين سنة.

خلال سنة 1925 تعرف على العلّامة اللغوي الأب أنستاس الكرملي ( 1866 - 1947)  وكان للكرملي مجلس أدب ولغة في الكنيسة اللاتينية يؤمه أدباء الدرجة الأولى في بغداد. وفي جلسته الأولى أثار مصطفى جواد معركة حامية حول العامية والفصحى، وكان يبزهم في الأدلة والبراهين، فمال إليه الكرملي منذ لحظته الأولى قائلا: (أريدك يا أخ اللغة أن تحضر مجلسي كل أسبوع).  و عند حضوره في الأسبوع الثاني كلفه الكرملي بأن ينظم مكتبته على التنظيم العصري وكانت من خيرة مكتبات بغداد، فنظمها وجعل لها فهارس وأخرج منها العابث والمكرر، ثم اقترح عليه الكرملي الكتابة في مجلته الشهيرة لغة العرب، فكتب أبحاثا لغوية ونقدا في التراث اللغوي وزاوية خاصة بـ(التصويبات اللغوية). وهذه جعلته على الألسنة بين أخذ ورد وجدل وانتقاد وكانت معاركه تسمع في القاهرة وبلاد الشام، وهذه وحدها جعلته يمتد في الذاكرة اللغوية وجعلته أيضا أن يكون سيدا في إرجاع ما يشاع بأنه فصحى إلى العامية وبالعكس. وكان الكرملي مثله سيدا في اللغة العربية ومثله تعرض لخصومات جيرانه التي أرادت أن تبطش به لولا دفاع مصطفى جواد عن جواهره وإنجازاته في لغة العرب، وكتب مقالة بحق الكرملي في مجلة السياسة المصرية في الثلاثينيات كان بها ينهي خصومة الكرملي، وهو القائل على قبره:

( ياسائرا، ووجيب القلب صاحبه... لنا ببغداد من بين القسوس أب

أب عزيز وذو علم ومعرفة... قضى السنين بشوق العلم يكتسب).

في سنة 1942 انتقل ملاحظا فنيا في مديرية الآثار العامة، وفي مدة أخرى، رفع في هذه المديرية إلى درجة اختصاصي في التراث حتي سنة 1948.. وبعدها عاد إلى دار المعلمين العالية وكان في مديرية الآثار يجرد ذاكرته اللغوية في مكتبة المتحف العراقي، ثم يطبق ويقارن بين قراءاته في الكتب وما عايشه على أرض الآثار، وتلك المشاهدة والمقارنة أعطته خبرة جديدة في الكشف عن الغامض في تراثنا، وهذا البحث عن الغامض هو الذي دفعه إلى الاجتهاد، إذ كان يذهب بنفسه إلى مواقع الأثر القديم ويجتهد في التوصل إلى الحقيقة أولا وإلى اليقين التراثي ثانيا، لذلك رأيناه يكثر من كلمة (أقرر) وكلمة (أجزم) في مقالاته وابحاثه في التراث لغة وتاريخا ومعرفة ومن تلك الوثوقية التي استبدت به ألف ووضع مع أحمد سوسة (خريطة بغداد قديماً وحديثاً) و(دليل خريطة بغداد) ومثل ذلك التأليف يحتاج إلى قوة استذكارية عميقة الأبعاد، ذكية الأرصاد مثلما هي بحاجة إلى عقل مقارن تراثي النكهة.

قل ولا تقل

عرف العراقيون مصطفى جواد من خلال برنامجه الإذاعي الناجح (قل ولا تقل)؛ أي قل الصحيح وانبذ الخطأ الشائع. كان برنامجاً لغوياً شيقاً وكان يتابعه الصغار والكبار. قام مصطفى جواد من خلال ذلك البرنامج بتبسيط اللغة العربية للمستمع العام وللمختص اللغوي وبحرفة الكتابة في آن واحد.

قام بجمع حلقات البرنامج و طبعها في كتاب له ، وصد منه جزآن(1970-1988) وربما استعار عنوان كتابه من الدراسات اللغوية الفرنسية التي شاعت في أثناء دراسته في جامعة باريس. ابتدأ بنشر موضوعه منذ عام 1943 في مجلة (عالم الغد) فكان يذكر أولا الصحيح أو الفصيح ويشفعه بالغلط أو الضعيف، وكان يرتب ذلك على حروف المعجم. أما الأسباب التي دعته إلى تأليف موضوعه (قل ولا تقل) فهي:

•             استهانة طبقة من المترجمين باللغة العربية، وقد امتاز منهم بهذا الإثم اللغوي مترجمو البحوث العسكرية.

•             أن كثيرا من الكتاب والشعراء يكتبون كلمات غير مشكولة، واللحن في غير المشكول لا يظهر، وبعضهم يكسر المفتوح ويفتح المضموم وينون الممنوع من الصرف ويكسر المضموم.

•             إفساد اللغة من قبل طبقة من الممثلين.

•             كثرة الأغلاط في (تحريرات) الدوائر ودواوين الحكومة ولا سيما في الإعلانات والتعليمات.

•             كثرة الأغلاط عند مترجمي الأفلام السينمائية. والهدف الرئيس وراء صيحاته ليس طعن من يخطئ، إنما يريد أن ينبه على الغلط ويذكر الصواب.

•             انتقاده للمصريين أن الخطأ خطأهم، ويقول في ذلك: (ليست اللغة ميراثا لهم وحدهم فيعملوا بها ما يشاؤون من عبث وعيث.)

الندوة الثقافية

وهو برنامج أسبوعي ثقافي تاريخي لغوي كان يعده ويقدمه الدكتور سالم الآلوسي (1925- 2014) في التلفزيون العراقي للفترة 1960 - 1972 من القرن الماضي ، ويستضيف شخصيات متنوعة كالأكاديميين والمؤرخين والأدباء والشعراء واللغويين. وكان من ضيوفه الدائمين هم الدكتور مصطفى جواد والدكتور فؤاد عباس. وقد سببت له بعض معلوماته مشكلة عندما أرجع أصل تسمية الدليم إلى التسمية الفارسية (الديلم) وأنه تم جلبهم وإسكانهم في الأنبار. ومعنى (أنبار) تعني مخزن مؤونة .

وكان يورد الروايات التاريخية ويذكر مصادر ومؤلفيها وأرقام الصفحات بشكل يثير الاعجاب على تكل الحافظة.

ومن الآراء التي انفرد بها هوله  أن (الشيخ عبد القادر الجيلاني ولادة قرية جيلان (العراق) لا كيلان طبرستان، ذكر العلامة سالم الالوسي، ان الرئيس أحمد حسن البكر في بداية حكمه، طالب إيران باسترجاع رفات الخليفة هارون الرشيد، كونه رمز لبغداد في عصرها الذهبي، وذلك بدعوة وحث من عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية العراقي السابق في عهد عبد الكريم قاسم، ولكن إيران امتنعت، وبالمقابل طلبت استرجاع رفات الشيخ عبد القادر الكيلاني، كونه من مواليد كيلان في إيران، وعندها طلب الرئيس من العلامة مصطفى جواد، بيان الامر، فأجاب مصطفى جواد: ان المصادر التي تذكر ان الشيخ عبد القادر مواليد كيلان في إيران، مصادر تعتمد رواية واحدة وتناقلتها بدون دراسة وتحقيق، اما الاصوب فهو من مواليد قرية تسمى  (الجيل)  قرب المدائن، ولا صحة كونه من إيران أو ان جده اسمه جيلان. وفعلا أبلغت مملكة إيران بذلك ولكن بتدخل من دولة عربية اغلق الموضوع.

من إنجازاته اللغوية

•             إعداد قواعد جديدة في النحو العربي كبدائل لقواعد نحوية قديمة.

•             إعداد قواعد وقوانين جديدة في تحقيق المخطوطات التراثية.

•             إنزال الفصحى إلى العامة بأسلوبه السلس ذي الجرس الأنيس.

•             تنبيه أساتذة الجامعات إلى اعتماد لغة سليمة في أبحاثهم.

•             تعليم الباحثين طريقة الاستناد إلى الشواهد شعرا ونثرا وسواء كانت الشواهد من القرن الأول الهجري أم من العصر الحديث، وبذلك حررهم من الجمود الفكري.

كتبه وأبحاثه

ترك مصطفى جواد خلفه كنزاً ثميناً من آثاره ومؤلفاته المختلفة في شتى ميادين المعرفة بلغت مجموعها 46 أثراً، نصفها مطبوع ونصفها الآخر ما زال مخطوطا، وأشهر المخطوط كتابه الكبير (أصول التاريخ والادب) ويقع في 24 مجلد ومازالت موجودة لدى ولده المهندس جواد مصطفى جواد. وله العديد من المؤلفات المشتركة ومقالات ودراسات منشورة لم تجمع بعد وكتب مترجمة عن الفرنسية. بلغت كتبه المطبوعة عشرين كتابا بين تأليف وتحقيق ونقد، وبلغت كتبه الخطية أكثر من عشرة كتب.

ونُقد شعره مراراً لأنه شعر علماء يغلب فيه المنطق على الوجدان، أما مقالاته في المجلات فتقدر بألف مقالة تتركز في علم التحقيق وعلم المخطوطات والتاريخ والآثار العباسية والنقد اللغوي. بالإضافة لكونه من عباقرة اللغة العربية وموسوعة معارف في البلاغة والسير والأخبار والآثار، كان مؤرخاً معروفاً، وله مصادر تاريخية موثوقة يرجع إليها الباحثين والمهتمين في شؤون التاريخ.  فكانت حياته الثقافية حافلة بالإبداعات في البحث والتنقيب والتخصص في اللغة وتاريخها فألف وحقق ما يثريها ويعمق من معرفتها والتمعن بها، باذلا جهوده في الإحاطة بها وتدريسها لأكثر من خمس وأربعين سنة.

مؤلفاته

•             (الحوادث الجامعة) أول كتاب صدر عام 1932.

•             (سيدات البلاط العباسي) صدر عام 1950

•             (المباحث اللغوية في العراق) صدر عام 1960.

•             (سيرة أبي جعفر النقيب) صدر عام 1950

•             (خارطة بغداد قديما وحديثا) (مع الدكتور أحمد سوسة وأحمد حامد الصراف)

•             (دليل خارطة بغداد) (مع الدكتور أحمد سوسة)

•             (دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960) (مع محمود فهمي درويش وأحمد سوسة)

•             (الأساس في الأدب) (مع أحمد بهجت الأثري وكمال إبراهيم)

•             (دراسات في فلسفة النحو والصرف واللغة والرسم ) صدر عام 1968

•             (قل ولا تقل ) صدر عام 1969

•             (قصة الأمير خلف) (مترجمة عن الفرنسية)

•             (رحلة أبي طالب خان) الرحالة الهندي المسلم للعراق وأوروبا عام 1799)  طبع سنة 1970

•             (دليل خارطة بغداد المفصل) (مع الدكتور أحمد سوسة) مطبعة المجمع العلمي العراقي صدر عام 1958)

•             (جاوانية القبيلة الكردية المنسية) طبع المجمع العلمي العراقي

•             (رسائل في النحو واللغة) آخر كتاب طبعة عام 1969

•             (مستدرك على المعجمات العربية) كتاب مخطوط

•             (الشعور المنسجم)) ديوان شعر

•             تحقيق تاج العروس من جواهر القاموس تأليف مرتضى الزبيدي ، صدر عام 1958 

•             (الضائع في معجم الأدباء) أعادت دار المدى بدمشق نشر الكتاب بتقديم الدكتور عناد غزوان، تلميذه الوفي له ولدراسة الأدب واللغة والنقد الأدبي، بحثا وتدريسا واهتماما وسهرا على ما غرسه العلامة بنفوس محبي لغتهم وتراثها الإنساني.

•             (أحادث بغداد) صدر عام 2016 ، وكان مخطوطاً حققه الدكتور كاظم المنذري.

•             (كتاب الفتوة لابن المعمار البغدادي) حققه مصطفى جواد وآخرون ، صدر عام 1958.

من لطائفه

من اللطائف التي تروى عنه ركوبه إحدى سيارات الأجرة في بغداد وفي الطريق شغل السائق المذياع فأذيع برنامجه من الإذاعة (قل ولا تقل)، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية: (أسكت كواد). فطلب مصطفى جواد منه التوقف ونزل من السيارة وهمس في أذن السائق: (قل قواد ولا تقل كواد). فسارع السائق للاعتذار منه ، وقبّل مصطفى جواد اعتذاره وضحك. لقد كانت له روح فكاهة، مع طيبة قلب ويروي عنه البغداديون الكثير من النكات.

ومرة انتقد عبارة مكتوبة على باصات مصلحة نقد الركاب تقول (ساعد الجابي بأصغر نقد كافي) ومعناها ساعدوا قاطع التذاكر بأصغر نقد أي من العملات المعدنية لأنه قد يملك رد الباقي اذا كانت عملة ورقية. فاعترض على كلمة (كافي) وقال الصحيح القول (كافٍ). وكان الركاب يرونها ويتندرون بالتعليق وإصلاحها وفق قول العلامة مصطفى جواد

ومرة خاطب الزعيم عبد الكريم قاسم: (أرجو يا أيها الزعيم لا تقل: (الجَمهورية) بفتح الجيم، بل قل الجُمهورية بضم الجيم) وتقبل الزعيم النصيحة لكنه تساءل عن السبب، فقال له مصطفي جواد: (وذلك لأن المأثور في كتب اللغة هو (الجُمهور) بضم الجيم ولأن الاسم إذا كان على هذه الصيغة وجب أن تكون الفاء أي الحرف الأول مضمومة لأن وزنه الصرفي هو فعلول كعصفور).

وليس كل الناس متواضعين علي سياق تواضع الزعيم قاسم في تقبل نصائح العلماء، فيوم صنع له تمثالا في ديالي صعد إليه من يهشم يده التي فيها القلم، فهو لم يسلم من الأذى حتى وهو ميت، لأن الأقدار دائماً تترصد عباقرة العصور أحياء أو موتي، وكان يعرف رصيده من ذلك قائلا:

رشحتني الأقدار للموت لكن أخرتني لكي يطول عذابي

ومحت لي الالام كل ذنوبي، ثم أضحت مدينة لحسابي

قضي شطراً طويلاً من حياته في متابعة ومشاهدة الأفلام السينمائية، وسئل عن أسباب دوافعه لرؤية الشاشة، قال: (ليس للتسلية بل حب لمعاينة الهارب في الأفلام البوليسية) أين ذهب وأين اختبأ ومتي يقبض عليه، والمطاردة في الأفلام البوليسية تشبه المطاردة في تحقيق الكتب التراثية: من المؤلف ومتى حبر الكتاب وأي نقص يختفي بين الأسطر والصفحات، وهذه المطاردة حتماً ستقوده في يوم أو في زمن إلى الكشف عن الغنيمة اي الحقيقة!

عراقي تركماني

التركمان شريحة مثقفة واعية من الشعب العراقي الأصيل صاحب أقدم الحضارات الإنسانية على الأرض، حضارة وادي النهرين. قدموا خدمات جليلة للعراق وفي كافة المجالات الحياتية وخصوصا علوم اللغة والفقه والفلسفة والثقافة والفنون منها، وبرز منهم سياسيون وإداريون وضباط جيش أمثال عمر علي ومصطفى راغب باشا وغازي الداغستاني وعبد الله عبد الرحمن ويالجين عمر عادل وعصمت صابر وغيرهم من القادة العظام الذين دافعوا عن حياض الوطن العراقي الغالي.

فكما كان للتركمان علماء وفلاسفة وعباقرة من أمثال الفارابي والبيروني ، كذلك كان للتركمان أدباء وكتاب ولغويين كثيرين خدموا اللغة العربية بنتاجاتهم الثقافية الإبداعية ومؤلفاتهم الكتابية واللغوية. فكان للتركمان شعراء وكتاب كثيرين ألفوا قصائدهم وكتبوا قصصهم وكتاباتهم بالعربية أيضا إضافة إلى لغتهم الأم التركمانية، وفنانين كبار احترفوا فن الخط العربي وأبدعوا فيها أكثر من الخطاطين العرب أنفسهم، وقراء المقامات العراقية المشهورين والموسيقيين. فهناك المئات من أمثال عماد الدين نسيمي البغدادي وفضولي وهجري ده ده وخضر لطفي ومحمد صادق وشاكر صابر ضابط والملا طه كركوكلي ورشيد كوله رضا وعز الدين نعمت ومحمد عزة الخطاط وعبد المجيد لطفي ينكجي الخلوصي الادواقاتي.

كان مصطفى جواد من عمالقة اللغة العربية البارزين في العراق خدموا اللغة العربية وأسسوا قواعدها. كان ولا زال رمزا تركمانياً خالداً خدم العراق وشعبه طيلة حياته فكان معلما ومربيا ورائدا وأديبا وفنانا وفيلسوفا وعبقري، وكان رجلا بكل معنى الكلمة وللتركمان حق بالافتخار به. فبالرغم من كونه تركمانيا علم العرب لغتهم وقال كلمته المشهورة (جئت لأعلم العرب لغتهم)  فكان موضع فخرنا واعتزازنا. وسيبقى كذلك للأجيال التركمانية القادمة.

كان من أبرز أعلام اللغة العربية في القرن العشرين. وكان عضوا نشيطا في المجاميع اللغوية والمجالس الثقافية ومحققا لغويا ومؤرخا ثقة في نتاجاته ودراساته في شتى اختصاصات اللغة العربية وتاريخها. وكما كان من رافعي مشاعل النهضة الأدبية وموسوعة معارف في اللغة والبلاغة.

وفاته

واصل النشر والكتابة والبحث في تلك السنوات رغم اشتداد آلام مرض القلب عنده والذي طال به. توفي في بغداد التي ولد فيها تاركا خلفه كنزا ثمينا من آثاره ومؤلفاته المختلفة في شتى ميادين المعرفة.

توفي في 17 كانون الأول عام 1969 في بغداد عن عمر ناهز الثامنة والستين على اثر مرض عضال لازمه سنواته الأخيرة ، وسار في تشييعه رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر وأقيمت في الذكرى الأربعينية لوفاته حفلة تأبينية كبرى حضرها مندوب عن رئيس الجمهورية وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين وشعراء الدول العربية والإسلامية وجمهور غفير من أصدقائه وطلابه ومحبيه ثم نظمت وزارة الثقافة والاعلام معرضاً يضم مخلفاته وآثاره الشخصية والعلمية أفتتح يوم 25/3/1970 .

قصة التمثال

بعد41 عاما على رحيل العلامة د. مصطفى جواد يعود نصبه ليستقبل المارة في مدينته الخالص. وحين يعجز الدكتاتور أن يحارب شخص الدكتور مصطفى جواد لوفاته عام 1969، فانه يعلن الحرب على نصبه الذي كان يقف شامخا في مدخل مدينته “الخالص”، محاولا محو هذا المعجم اللغوي والتاريخي الوقور، فكان هذا الحديث عن النصب وعن حياة الراحل الكبير. في البدء، تحدث الفنان خالد الداحي عن تأريخ النصب وإزالته قائلا: (عام 1969، كان هناك تمثال عن ثورة العشرين في ساحة مدخل “الخالص”، وتم رفعه ووضع تمثال الدكتور مصطفى جواد بدلا عنه، وبعد أكثر من عشر سنوات أي في ثمانينيات القرن الماضي رُفع التمثال لكن عن طريق التحطيم، فجرى سحبه من مكانه ورميه في معمل الاسمنت، وللأمانة التاريخية فأنا لم أصمم ذاك التمثال، ولكن هناك فنان من (بعقوبة) هو الراحل مؤيد الناصر، هو من صممه وساعده في ذلك الفنان علي الطائي). ويضيف الداحي: (طلبت مني قائمقامية الخالص ـ قبل سنتين ـ إعادة التمثال، وبمساعدة ابني خريج أكاديمية الفنون أتممنا العمل فكان وزن النصب الجديد 6 أطنان من الاسمنت والجبس، واعتقد في الفترة الأخيرة تعرض النصب لبعض الاطلاقات النارية). وعن جودة العمل واحتمال اندثاره أوضح: (ان أفضل أنواع المواد لعمل التماثيل هو النحاس، والدكتور مصطفى جواد يستحق أن يصنع له تمثال حتى من الذهب، وليس من الاسمنت).

اخلاقه

يتحدث (أبو سموأل) أحد طلبة د. مصطفى جواد ومن وجهاء المدينة المعروفين ليقول لنا: (أصل الدكتور مصطفى من الخالص وكان معلما يدرس في معهد المعلمين العالي، درّسنا لمدة أربع سنوات في المعهد، وخلال تلك المدة لم يحفظ اسم أي طالب على الرغم من انه كان يحفظ أسماء أدباء ومؤرخين كثر لحد العجب، وحين أخبرناه ـ يوما ما ـ بأننا طلابه لمدة أربعة أعوام ولا يعرف اسم أي أحد منا رغم ذاكرته الحّية، أجابنا: (اذا حفظت اسماً من أسماء طلابي عليّ أن اخرج اسماً من الأسماء الكبيرة التي اعرفها). ويكمل السيد أبو سموأل: (كان رجل علم ويمتلك حس الفكاهة، ولم يكن للدكتور أية ميول سياسية، وأريد أن يمجد الدكتور في مدينته الخالص بوضع نصب له، ولكن في فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كان هناك الكثير من التجاوزات على النصب فلم يستطع البعض فهم أهمية هذه الشخصية للمدينة وللعراق، فرفع التمثال بحجة انه كان يغطي على تمثال لصدام لذلك تم رفعه وتسوية البساتين التي بجانبه ليتسنى للمارة عبر المدينة رؤية تمثال صدام لوحده، وبعد السقوط أعيد تمثال الدكتور، وعلى الرغم من انه لا يشبه الدكتور كثيرا لكنه يمثله وجميع أهالي المدينة يعرفون تفاصيل رفع وإعادة النصب).

ويتحدث الناقد مثنى كاظم صادق قائلا: “باعتباري ناقدا أرى ان الدكتور مصطفى جواد دخل اللغة عن طريق التاريخ لأنه عندما ذهب إلى فرنسا للدراسة في جامعة (السوربون) كان يحمل شهادة المعلمين العالية فقط فلم يتم قبوله، وكان عليه أن يقدم بحثاً مع الشهادة لكي يعادل طلب الماجستير فألف كتابا اسماه (سيدات بلاط العصر العباسي) وتحدث فيه عن ابرز نساء ذلك العصر، وهو أشبه بمعجم نسوي فتم قبوله في الجامعة. ثم دخل أيضا عن طريق تاريخ المدن إلى اللغة العربية فلا يوجد مؤرخ للمدن والقصبات العراقية إلا ويستشهد بالدكتور مصطفى جواد لأنه كان يعرف ليس تاريخ مدينته ـ مثلا ـ بكاملها بل يعرف حتى ألفاظ كلمات أهليها، وكان يستهويه تاريخه اللغوي فعلى الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على رحيله فما زال اغلب الأساتذة يستشهدون ببعض المفردات التي أوجدها).

قالوا في مصطفى جواد

لا ريب أن مصطفى جواد قد أثار اعجاب واحترام المؤرخين واللغويين والأكاديميين لأنهم عرفوا عظمة إنجازاته في المجالات الكثيرة التي كتب فيها.

قال عنه الدكتور صفاء خلوصي :

 (ان الدكتور مصطفى جواد مفخرة لكل العراقيين وكان اعجوبة الدهر ومعجزة الزمان في التاريخ واللغة وكانت احواله اللغوية احيانا شبيهة بالغيبيات وكان مجتهدا في الصياغة اللغوية يصيب ولا يخطيء ومصححا اخطاء القدماء والمحدثين، وكان دائرة معارف متنقلة تمشي على أرجل بما حفظ ووعى من دقائق الأشياء، وله القدرة على الإجابة عن أي سؤال يوجه له في أي وقت.

وكنت اشاركه في برنامجه الشيق (قل ولا تقل)، وكان يعرف أسماء جميع احياء بغداد في العصر العباسي ومواقع بيوت الخلفاء والوزراء حتى مدراء الشرطة وكنا معا نقدم برنامجا باسم خطط بغداد. وقد كان حياديا في فكره التاريخي، إذ سما فوق الأهواء حين قال : لقد طلقت المذاهب كلها من دون استثناء الى غير رجعة. ومع ذلك فحبه لآل البيت هو الذي جعله يختار الخليفة الناصر لدين الله الشافعي المحب لآل البيت مثلا أعلى له وقد كتب فيه وفي عصره موضوع رسالته للدكتوراه).

وكتب الدكتور عناد غزوان:

(يقف مصطفى جواد علما بارزا من أعلام النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الإنساني. فقد كان عاشقا طبيعيا للحقيقة، مخلصا لها، مترصدا إخلاصه فيها، عائما بها ولذاتها. تلك الحقيقة هي حبه العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر الإنسانيين. كان موسوعة معارف، في النحو والخطط والبلدان والآثار، (أعانه على ذلك حافظة قوية وذاكرة حادة، ومتابعة دائمة، حتى غدا في ذلك مرجعا للسائلين والمستفتين، فنهض بما لا ينهض به العصبة أولو القوة. فكان أمة كاملة في رجل. وعالما في عالم، ومدرسة متكاملة قائمة بنفسها)...

كان قد استمد قدرته الفائقة في الدرس والبحث والاجتهاد الفردي من بيئته وأساتذته ومجالس العلماء الذين التقاهم واطلع على مكتباتهم العامرة بمصادر اللغة والأدب العربي والتاريخ الإسلامي فضلا عن موهبته النادرة في الاستقراء واستنباط الاحكام واستقراء الرأي، تلك الموهبة التي صيرها اجتهاده الذاتي وجده المتواصل موسوعة علمية ليس من السهل مضاهاتها، موسوعة يفخر بها البحث العلمي اصالة وابتكارا وإبداعا).

الشاعر مصطفى جمال الدين

عندما توفي مصطفى جواد، قال يرثيه الشاعر مصطفى جمال الدين ( 1926 – 1996)

يا حارس اللغة التي كادت على صدأ   اللهي أن لا يرن لها صدى

هبت عليها الحادثات، فلم تدع         غصنا بعاصف حقدها متأودا

عربي طبع لا يتعتع نطقه           حصر علي النبت الغريب تعودا

وكأن الشاعر أراد أن يلخص في قصيدته إجماع الكبار علي أهمية مصطفى جواد في حياة العرب. في أنه حرس الفصحى بأمانة القديس من الراطنين بها، والذين يعلمونها في المعاهد والجامعات ودور العبادة، فقد بذل أربعة عقود وهو يمسك بقلم التصحيح، يصحح كتب اللغات وأساليب الكتاب الكبار بلياقة الكبار، ويصحح ويصوب ويشذب ويهذب مافسد في وسائل التعبير عند اساتذة التاريخ والجغرافية والاقتصاد، وما رافقها من عجمة وتغريب، وتحمل كل ما صدر عن الأساتذة الكبار من ردود افعال انفعالية بحوصلته الجميلة التي رزقها الله طول النفس وأعاجيب الصبر، وكان يقول لهم: (أحبائي انتم كبار


مشاهدات 214
الكاتب صلاح عبد الرزاق
أضيف 2024/12/21 - 1:01 AM
آخر تحديث 2024/12/21 - 7:51 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 379 الشهر 9093 الكلي 10065188
الوقت الآن
السبت 2024/12/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير