لحظة لنا جميعاً
حيدر سعيد
إنها لحظةُ انفعالٍ بامتياز، لحظة ينبغي أن نعيشها احتفالًا، ولتأتِ أسئلةُ العقل في وقت لاحق. لا ينبغي أن تُفسِد احتفالَنا بسقوط الدكتاتور ونظامه أسئلةُ ال “ما بعد”. سيكون لهذه الأسئلة زمانها. والآن زمانُ الاحتفال.لحظةُ سقوط نظام الأسد تشبه، بالنسبة لي، لحظة سقوط نظام صدام، في نيسان/ أبريل 2003، ولحظة اعتقاله في كانون الاول/ ديسمبر 2003.في تلك اللحظة، أو لحظتي سقوط الدكتاتور واعتقاله بالأحرى، كانت ذكرى الملايين الذين آذاهم نظامُه شخصيًا، قتلًا، واعتقالًا، وتغييبًا، وتهجيرًا، وإذلالًا، هي ما يشعل الاحتفال بالنسبة لي.حين اعتُقل صدام، نشرتُ في يوم اعتقاله نفسه مقالة حملت عنوان “هنيئًا لكم أيها الشهداء”، كتبتُها وكانت تحوم حولي صور العشرات ممن أعرفهم شخصيًا، ممن أنهى النظامُ ووحشيتُه حيواتِهم.لحظة سقوط نظام الأسد لحظة كهذه. إنها لحظة الملايين من السوريات والسوريين، الذين آذاهم النظام بعَسَفه ووحشيته، قتَلَهم، وهجّرهم، وغيّبهم، وألقاهم في المعتقلات، لحظة الملايين الذين حُرموا من ديارهم وأهليهم بسبب هذا النظام، ويترقبون لحظة كهذه للعودة، لحظة الذين عاشوا على أمل سورية متحررة من طغيان نظام الأسد، وماتوا قبل أن يدركوها.ولذلك، لم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء، حين بات سقوطُ نظام الأسد حقيقةً نلمسها لمس اليد، تمامًا كما بكيتُ لحظةَ اعتقال صدّام. إنه بكاء من أجل مَن أعرف من ضحايا النظامين، ومن لا أعرف كذلك.ولذلك، لا يكون الاحتفال الذي ينبغي لنا أن نعيشه مجردَ نشوة، بل إنه فعل أخلاقي، مؤسِّس لأي نظام سياسي مستقبلي، إذا أردنا أن نتجاوز قليلًا ونتحدث عن السياسة والمستقبل في هذه اللحظة.إنها لحظة لسورية، ولنا جميعًا.