سوريا التركية..محاولة لمعرفة إتجاهات التدافع بالأسلحة
عمار البغدادي
هل بدا عهد رسم الخرائط وتوجيه فوهات البنادق وفض اتفاقيات الاشتباك والذهاب الى تقسيم مناطق النفوذ في حركة احياء شرسة لاتفاقية سايكس بيكو 1916 ام اننا امام عهد من الديمقراطيات العثمانية والامريكية تتحشد خلف كتائب المسلحين وخطابات القادمين من خلف التاريخ؟.
سوريا التي حكمها البعث اكثر من 52 عاما انهارت على وقع هواتف الوسطاء التي اشتغلت بين القصر الجمهوري في المالكي وغرف قيادات العمليات المسلحة ومحور المقاومة الذي كان الاسد يمده بالسلاح عبر المدد الايراني اصبح مكشوفا خصوصا بعد انسداد المحور السوري ببنادق مسلحي هيئة تحرير الشام واغتيال السيد حسن نصر الله وانهاك حزب الله في حرب الاسناد وهي في الحقيقة استنزاف للمحور وساحاته وستراتيجياته!.ما ينبغي قوله ان سوريا الجديدة في اطار رسم الخرائط هي سوريا التركية وسيدير القادة الجدد ظهورهم للمحيط العربي في انطوائية على التكوين السوري تشبه الى حد كبير انطوائية تركيا الاردوغانية على الطوارنية العثمانية !.
ستستغرق عودة سوريا الى حضنها العربي عقودا طويلة هي عمر العلاقة المتوترة التركية السورية ولااتصور ان هيئة الشام والمعارضات المسلحة الاخرى ستنسى فضل الاتراك عليها تمويلا وتسليحا وخرائط وجهودا استخبارية كبيرة ودعما لوجستيا واحتضانا اشبه باحتضان الولايات المتحدة لاكراد العراق عام 1991 فيما عرف تاليا بخرائط النوفلاينرون!.
سوريا اليوم وبحكم الواقعيات الميدانية على الارض لن تستطيع العمل من دون تركيا وستتشكل اهم حاضنة عسكرية وسياسية تركية في الجغرافيا السياسية اما الموضوع التجاري الاقتصادي فلن تستطيع اية دولة التنافس مع المنتج التركي في الاسواق السورية !.
وبعد ان ادت سوريا دورها القومي على الجبهات العسكرية في فلسطين ولبنان عبر الدعم الكبير لمنظمات الثورة الفلسطينية ومحور المقاومة والتحالف مع ايران والوقوف بوجه المشروع الامريكي – الاسرائيلي ستتخلى دمشق عن دورها القومي لصالح التشاركية العسكرية والعقائدية مع المشروع التكفيري الذي تنهض باثقاله المنظمات المتطرفة في سوريا والعراق وشمال افريقيا وصولا الى اوربا والولايات المتحدة وستصمت طويلا امام جرائم الصهيونية وعدوانها على الاراضي العربية والسورية ايضا !!.
هذا الحديث ليس تجنيا على هيئة تحرير الشام والمنظمات المسلحة الاخرى قدر ماهو توصيف حقيقي لواقع الحال السوري بعد ثلاثة ايام على سقوط بشار الاسد ودخول الجولاني للشام وتشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة د.محمد رشيد الذي جئ به من حكومة انتقالية سابقة في ادلب!.فلو كان رجال الجولاني سوريين لما سكتوا على اشرس عدوان اسرائيلي تشنه القوات الصهيونية على المطارات والمواقع الحيوية في سوريا خلال 100 غارة لـ 100 هدف ستراتيجي سوريا في الداخل اضافة الى احتلالها لمرتفعات جبل الشيخ واجزاء من القنيطرة والغاء اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا الموقعة عام 1974 في اعقاب نهاية حرب تشرين 1973!.لو كانت هيئة تحرير الشام سورية لما سكتت على احتلال اسرائيل لجبل الشيخ وربما يكون جبل الشيخ المحتل امس عربون صداقة لما قدمته اسرائيل من جهود لصالح هذه اسقاط الاسد والتعاون الوثيق مع الاستخبارات التركية والاسرائيلية لانجاح مهمة الجولاني في سوريا !.
الكشف عن الحقيقة
ان رابين قتل بسبب وديعة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على يد متطرف اسرائيلي وهي رسالة بالرصاص على رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي اعترفت بها 150 دولة في العالم ويومها رفع العلم الفلسطيني في باحة مقر الامم المتحدة في نيويورك لكن التطرف الاسرائيلي قتل رابين لكي لايفصح عن اعترافه بالدولة اما متطرفوا سوريا فقد سكتوا على احتلال جبل الشيخ !.
يبدو لي ان التطرف العقائدي الاسرائيلي والدفاع عن فكرة الدولة الدينية اكبر من التطرف العقائدي السوري ازاء الارض والوجود والدفاع عن الحق السوري في الارض ومياه طبريا !.بهذا التفوق في الروح العقائدية وحلم اقامة الدولة وحدودها التلمودية من الفرات الى النيل توسعت اسرائيل في جبل الشيخ واجتازت الحدود الدولية مع سوريا ولو كان الامر بيدها في ظل الرقابة الامريكية واشاراتها عما يجري في سوريا لوصلت اسرائيل الى حدود الشام ولدي يقين في حال وصلت هذه القوات الى سبينه والحجيرة وكفر سوسة فان متطرفي سوريا الجديدة لن يطلقوا رصاصة واحدة على القوات الاسرائيلية لانهم غير قادرين على ذلك ومحكومين باطار امني يقضي بعدم التحرش بالاسرائيلي الشريك الحميم في اسقاط بشار الاسد ولو وصل نتيناهو الى منطقة مزة فيلات !.ان الحكومة السورية الجديدة ستجد نفسها غارقة بمجموعة من التحديات والاستحقاقات والواجبات السورية الداخلية الامنية والاقتصادية والعسكرية على خلفية المعارك التي بدات تشتعل جبهاتها بين الجيش الوطني السوري والنصرة والمخاوف من اتساع رقعة هذه المعارك على الامن والاستقرار الداخلي ناهيك عن التحديات السيادية على الامن القومي السوري بالعدوان الاسرائيلي و وانهيار اتفاق فض الاشتباك باحتلال جبل الشيخ .
السؤال المحير والملح
هل تتمكن الحكومة المؤقتة التي ضمت مجموعة من الشخصيات القومية والعروبية والليبرالية استيعاب سياق التحديات الداخلية والخارجية الجديدة .. وهل تستطيع الانسجام مع بعضها في ظل تنافر فكري وسياسي واختلاف امزجة وعقائد وسياسات وسياقات وتفاوت في الفهم ازاء سوريا المستقبل بين التيارات والجماعات المسؤولة عن ادارة المؤقتة السورية ؟.
وجهة طبيعية
سلفية الرئيس ونفوذ الدول التي رعت مشروع اسقاط بشار الاسد ومنها النفوذ القطري ستمنع الى حد ما جموح تيار التطرف من اخذ سوريا الى مكان اخر غير الوجهة الطبيعية التي يفترض ان ترسو عليها لكن السؤال الاهم .. اذا كان التطرف اصبح سمة مجتمعية بعد ان كان عنوان تيار حزبي محدود في مناطق خفض التوتر .. هل سيصمد التيار الليبرالي والعلماني والقومي السوري الذي سيشارك في الحكومة المقبلة امام طغيان هذه السمة المجتمعية التي تطالب بعودة العمل السوري بالتوقيتات المنضوية في الخرائط السلفية والجهادية والتمذهب الايديولوجي القائم على تكفير الاخر؟.
اظن ان المعارك السياسية التي ستنشب بين هذه المدارس والافكار والتيارات والفلسفات الاجتماعية ستكون اشد ضراوة من معارك الجماعات المتصارعة في الساحة السورية.
ان المرحلة السورية القادمة ستكون صعبة على المجتمع السوري بعد ان يصحو من سكرة الانتصار على بشار الاسد الذي سيجد نفسه وسط منظومة من التقاليد الفكرية والطقوس العقائدية وايديولوجية سلفية وقوالب من الثقافة لم يالفها في اطار دولة مدنية وان كان البعث حكمها اكثــــــــر من خمســـة عقـــــود.كما ان الدولة السورية ستعاني كثيرا من التدخلات والنفوذ والقرارات والمواقف والخلافات التي ستنشب بين الاطراف الاساسية المشكلة للحكومة طبعا نحن لانتمنى لسوريا ما سقطت به التجربة العراقية ولم تشف منه للان لكن طبيعة التحولات الدراماتيكية التي تقودها قوى ثورية تدفع عادة بعجلة الدولة الى مزيد من التراجع وعدم المواكبة لغياب قوى النفوذ الجديدة عن ركاب المدنية والتمسك بالبنى الفقهية والعقائدية القديمة وهي بنى سيكون لها دور اساسي بتقرير مستقبل الدولة السورية .قبل ان اختم المقال اكدت طهران انها فتحت قنوات التواصل مع القيادة السورية الجديدة لغرض منع انحدار الاوضاع في المنطقة والمساهمة في استقرار سوريا .هذا فأل حسن نتمنى على الدولة العراقية والرؤية الواقعية للرئيس السوداني ان تندرج وفق المساعي المسؤولة في استقرار الحياة السورية سيما وان العراق يعتبر سوريا جواره الاول وقد بدا الرئيس السوداني استدراك المعالجة وتاكيد المواقف وانجاز ما على العراق انجازه ازاء الحدث السوري بالعمل الفعلي البعيد عن الضجيج وما فعله الرئيس قبل الازمة وبعد انهيار نظام بشار الاسد وما يفعله الان كبير ومهم وما نعرفه سيبقى وديعة في ذاكرة التاريخ اعترافا بالدور واعتدادا بقيادته السياسية الواعية .