قامات عراقية خالدة.. محمد فاضل الجمالي سياسي يوقّع على ميثاق الأمم المتحدة
صلاح عبد الرزاق
محمد فاضل الجمالي (1903 - 1997) من الشخصيات العراقية البارزة في العهد الملكي ، فهو سياسي ودبلوماسي وتربوي وأول عراقي ينال شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في التربية. وهو الدبلوماسي العراقي الذي وقع على ميثاق الأمم المتحدة عن تأسيسها.
الأسرة والنشأة
ولد محمد فاضل الابن البكر للشيخ عباس الجمالي ، في 20 نيسان 1903 ، في الكاظمية ، بمحلة القطانة القديمة ، لأسرة دينية من خدام الحضرة الكاظمية الشريفة. هاجرت العائلة من الحجاز إلى العراق قبل حوالي ثلاثة قرون ، وحصلت على (فرمان) سلطاني من الخليفة في إسطنبول صادر عام 1611م. وما يزال يُعهد أليها فيه خدمة القاضي أبو يوسف أحد أئمة الحنفية المدفون بجوار العتبة الكاظمية.
وعشيرة الجمالي عشيرة عربية موزعة في العراق ، لها بطون وأفخاذ في سلطنة عمان. وهي تنتمي الى قبيلة آل شيبة وهي فرع من فروع قريش في مكة المكرمة، كان لهم الامر والاشراف على الكعبة قديماً (ومازالوا سدنة الكعبة ، وكانوا حملة راية قريش في الحرب)، هاجرت أسرته الى العراق قبل ثلاثة قرون، وسكنت الكاظمية، و نشأ في بيئة دينية محافظة متمسكة بالشعائر الدينية. بعد أن حفظ القرآن الكريم دخل الجمالي مدرسة الإمام محمد بن الشيخ مهدي الخالصي في الكاظمية ، المجاورة لسوق الاسترابادي ، عندما لم تفتح المدارس الحكومية بعد، دخل الجمالي مدرسة المفيد الابتدائية عام 1910 . وكان يذهب إلى مدرسة الأليانس اليهودية كل يوم جمعة لاقتناء الكتب الفرنسية وتعلم اللغة الفرنسية من المسيو كوهين.
دراسته
بعد تخرجه من المدرسة الابتدائية عُيِّن بوظيفة معاون معلم في مدرسة الكاظمية الابتدائية، في تشرين الثاني 1918، براتب قدره ثلاثة دنانير و سبعمائة و خمسون فلسا، و بعدها دخل دار المعلمين الابتدائية و تخرج فيها بعد أربع سنوات، و كان الأول على دفعته و كان من عشاق القراءة و الكتب والموسيقى.في عام 1922 سافر الجمالي إلى لبنان ، والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت ، ونال منها شهادة البكالوريوس في التربية عام 192٧ . عاد إلى العراق ليعمل فيه مدرسًا بكلية المعلمين الابتدائية.
في عام 1929 تم ابتعاثه إلى جامعة كولومبيا في نيويورك لإكمال دراسته العليا، فحصل على شهادتي دكتوراه في فنون التربية والفلسفة، فكان بذلك أول عراقي ينال الدكتوراه. منحته جامعة كولومبيا أيضًا الدكتوراه الفخرية في القانون سنة 1954، كما منحته جامعة بوسطن دكتوراه فخرية أخرى عام 1956.
حياته العائلية
أثناء دراسته في الولايات المتحدة تعرّف على زميلته سارة باول ، المولودة في كندا لأبوين أمريكيين، فتزوجا عام 1932 وعاشت معه في بغداد، حيث أنجبت له ثلاثة من الأولاد (ليث وأسامة وعباس)، وحيث نشطت في افتتاح رياض الأطفال والمدارس ورعاية الفقراء والعناية بأطفالهم، بل افتتحت أيضًا أول مدرسة للمعاقين ذهنيًا في العراق بعد أن ولد ابنها الأكبر ليث معاقًا. أسست زوجته روضة أطفال في البيت للأطفال الذين كانوا يسكنون في الأكواخ بالبساتين، وكانت تدعوهم للحضور الى البيت، وتعلمهم اللعب وتعطيهم الافطار، وتعتني بهم فاستفادوا من العلم والتعليم، كما أسست جمعية مكافحة المسكرات في العراق وجمعية العلل الاجتماعية الأولى. وقد رافقت زوجها في منافيه وأسلمت على يده وعاشت معه في تونس إلى أن فارقت الحياة سنة 2000.ولد أسامة في مصيف برمانا اللبناني في 23 سبتمبر 1936 أثناء قضاء والدته إجازتها هناك (لذا حمل جنسية والده العراقية وجنسية أمه الأمريكية وجنسية مكان الميلاد اللبنانية) ثم انتقل طفلاً إلى بغداد، حيث نشأ وترعرع في منزل والده المستأجر بشارع أبي نواس في منطقة تسمى بستان كبة.تلقى تعليمه النظامي من الروضة والتمهيدي إلى الابتدائي والإعدادي في (مدرسة السعدون النموذجية) و(مدرسة مدام عادل) الخصوصية الصارمة في تقاليدها ومقرراتها. أما المرحلة الثانوية فقد درسها في مدرسة خاصة حديثة بشمال بغداد كانت قد تأسست سنة 1933من قبل الرهبان الكاثوليك وهي (كلية بغداد)، ولم يكن فيها سوى القسم العلمي دون الأدبي، ما أجبره على الالتحاق بهذا القسم كونه الخيار الوحيد. في حديثه عن سنوات دراسته الثانوية ، وذكر الجمالي الابن : أنه كان يعبر جسر الأئمة الحديدي للوصول إلى مدرسته مستخدمًا في الذهاب والإياب دراجة اشتراها بـ14 دينارًا من توفير مصروفه الشخصي. وفي هذه المدرسة تعرّف على العديد من أبناء العراق من مختلف المناطق والطبقات؛ لأن مدرسته كانت تضم أجنحة سكنية داخلية للطلبة القادمين من خارج بغداد، في دليل على ما كانت حكومة العراق الملكية تُوليه من اهتمام بالتعليم منذ عام 1921م.
درس أسامة في جامعة بيروت الأمريكية الاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة، وتخرّج منها بعد أن أعاد سنته الرابعة والأخيرة بسبب ضعفه في مقررات اللغة العربية. وعلى إثر ذلك عاد إلى عمله ببنك الرافدين في بيروت مسلحًا بدرجته الجامعية، فعمل لفترة جديدة تخللها زواجه (تزوج في الكويت من العراقية ميسون صبيح الوهبي ابنة الدكتور صبيح حسن الوهبي أول جراح عراقي وأحد وزراء الصحة في العراق الملكي، والسيدة فاطمة العسكري ابنة الجنرال جعفر العسكري وزير الدفاع العراقي الذي قُتل عام 1936 من قبل بكر صدقي، فأنجبت له ميسون مهندسة النفط سيرين أسامة الجمالي، وسما أسامة الجمالي المتخصصة في الفيزياء وعلوم الأغذية). وبانقضاء تلك الفترة عاد إلى بغداد فتم تعيينه موظفا بفرع البنك في لندن بديلاً لموظف عراقي، حيث أمضى هناك نحو عشرة أشهر وقع خلالها انقلاب 14 تموز 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي مع اعتقال كافة رموزه ومن بينهم والده.
الوظائف والمناصب
عمل الجمالي في عدة وظائف حكومية منها مدرساً في دار المعلومين العالية ، وتدرج فيه حتى رقّي إلي درة أستاذ. ثم عُيّن مديراً عاماً في وزارة المعارف في عام 1934 ، ثم رئيساً للتفتيش العام 1935. في عام 1945 انتقل إلى وزارة الخارجية مديرا . صار الجمالي وزيرا للخارجية في حكومة أرشد العمري في حزيران 1946 . وأصبح وزيرا للخارجية لسبع حكومات أخرى بين عام 1946 – 1952. وأصبح رئيىساً للوزراء عامي 1953و 1954 في عهد الملك فيصل الثاني. وترأس الوفد العراقي إلى المؤتمر الآسيوي الأفريقي في باندونغ (أندونيسية) عام 1955.
ترأس مجلس النواب عام 1952 ولمرتين حيث كان نائباً عن لواء الديوانية. وعُيّن عضواً في مجلس الأعيان في تشرين الأول 1958 ولغاية انقلاب تموز 1958 . وعُيّن عضوا في مجلس الاتحاد العربي الذي تشكل من العراق والأردن في 21 مايس 1958 ، وبقي في المنصب شهرين حتى سقط النظام الملكي في العراق وانحل الاتحاد معه.
ويعزى نجاح الجمالي في تقلد العديد من الوزارات ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان، إلى كونه من الشخصيات الاستثنائية في تاريخ العراق الحديث، بل على المستوى الإنساني أيضا، حيث وصفه الدبلوماسي المخضرم الراحل الشاذلي القليبي بأنه من عمالقة التاريخ العربي الحديث، فهو رجل دولة وتربوي ودبلوماسي محترف.
ويوصف بأنه أيقونة الدبلوماسية العراقية الخالدة، لكون هذا الاسم ارتبط بتاريخ ومحطات وتحولات السياسة الخارجية العراقية في مراحل التحول التأسيسية لمشروع الدولة.
العمل الدبلوماسي
كان الجمالي يملك شخصية محترمة يجلّها السياسيون الغربيون، فهو شخص يتمتع بقدرة عالية في التكلم بعدة لغات حيث كان يجيد اللغة الإنكليزية والفارسية والتركية والفرنسية والإيطالية. فكان يتقن الحوار ويجيد التفاوض لأقناع الآخرين. وعرف الجمالي بعمله الدبلوماسي المتميز في المنظمات الدولية ومشاريع العراق المتعلقة بالتحالفات والمواقف، وكان قد تميز بنشاطه الدبلوماسي واهتمامه بالسياسة الخارجية، وهو في هذا التوجه انسجم مع نوري السعيد في التحرك نحو بلدان المشرق، فأخذت مسألة الاتحاد العراقي السوري والاتحاد العراقي الأردني جهده الأكبر، وانصبت سياسته على مثل هذه المشاريع، حتى كان وزیر خارجية أكثر من كونه رئيس وزراء، حيث إن أهم ما ميز حكمه هو مشاريعه الخارجية واهتمامه بالاتحاد العربي.وعن تمثيله العراق في احتفال تأسيس الأمم المتحدة، حتى أن الحكومة خوّلت الجمالي بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة باسم العراق، وقد اشترك في صيانة الميثاق الأممي من خلال اشتراكه في لجنتين مهمتين من لجان المؤتمر، وهما اللجنة التي صاغت مجلس الأمن، وتلك التي صادقت على الجمعية العمومية، ومن خلالهما نجح في وضع المادة رقم 78 من الوثيقة في لجنة الصياغة والتي تضمنت استقلال الدول المشاركة بالمؤتمر، والتي لم تكن قد حققت استقلالها بعد.
التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة
يقول أمين المميز الذي كان يعمل بوزارة الخارجية : في صيف 1945 تحدد موعد اجتماع مؤتمر سان فرانسيسكو لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة يوم 26 حزيران 1945.
وتألف الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية أرشد العمري وعضوية علي جودة الأيوبي ونصرة الفارسي (1894 - 1989) (وهو تركي الأصل) ومحمد فاضل الجمالي وعدد من المعاونين من خارج وزارة الخارجية.
وسافر الوفد إلى الولايات المتحدة، وهناك دبّ الخلاف بين أعضاء الوفد، واستنكف وزير الخارجية ورئيس الوفد أرشد العمري عن التوقيع . ولم يوقع على الميثاق سوى فاضل الجمالي، وكان يومئذٍ مديراً عاماً بوزارة الخارجية وليست له صفة سياسية أو مسؤولية أمام البرلمان.
كلام أمين المميز ينطوي على عدة ملاحظات:
1-لماذا استنكف وزير الخارجية أرشد العمري عن توقيع ميثاق الأمم المتحدة؟
2- هل التوقيع يُعد أمراً هيناً حتى يستنكف منه؟ ألم يدرك قيمة مثل هذا الحدث الدولي الكبيرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية؟
3- ألا يفتخر دبلوماسي عراقي بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في وقت كان العراق وأربع دول عربية فقط عضو بالأمم المتحدة وهي مصر والسعودية وسوريا ولبنان.
4- لماذا تجنب بقية أعضاء الوفد مثل علي جودت الأيوبي ونصرت الفارسي التوقيع على الميثاق وهم أعضاء وفد دبلوماسي جاؤا إلى نيويورك لهذا الغرض؟ ألم يشاركوا في المباحثات والاجتماعات التي سبقت التوقيع؟
5- يقول المميز أن فاضل الجمالي لم تكن له صفة سياسية أو مسؤولية أمام البرلمان. فماذا يقصد بهذا الكلام؟ ولما يقلل من موقف الجمالي بتحمله مسؤولية تمثيل بلاده والتوقيع على الميثاق مثل بقية زعماء العالم الذين حضروا ومثلوا إحدى وخمسين دولة مؤسسة للميثاق؟
وخلافاً لما ذكره أمين المميز يقول الباحث السياسي ياسر عبد الحسين في وزارة الخارجية وعن تمثيل الجمالي للعراق في احتفال تأسيس الأمم المتحدة : إن الحكومة ، إن الحكومة خوّلت الجمالي بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة باسم العراق، وأن وزير الخارجية أرشد العمري اضطر للعودة إلى بغداد وقم قام بتخويل الجمالي في التوقيع على الميثاق نيابة عن الحكومة العراقية . وهذا ما لم يذكره أمين المميز بل أعطى انطباعاً بأن الجمالي تصرف لوحده.
اشترك الجمالي في صيانة الميثاق الأممي من خلال اشتراكه في لجنتين مهمتين من لجان المؤتمر، وهما اللجنة التي صاغت مجلس الأمن، وتلك التي صادقت على الجمعية العمومية، ومن خلالهما نجح في وضع المادة رقم 78 من الوثيقة في لجنة الصياغة والتي تضمنت استقلال الدول المشاركة بالمؤتمر، والتي لم تكن قد حققت استقلالها بعد.
ويتابع عبد الحسين حديثه أنه من خلال الجمالي، سعى العراق - عن طريق اللجان التي شارك فيها بالمؤتمر- إلى وضع مادة خاصة بحق الفلسطينيين، حيث كانت مشاركة العراق في مؤتمر سان فرانسيسكو مرحلة مهمة بتاريخ العراق السياسي الحديث، ويسجل للدكتور الجمالي الدور الكبير في هذا المحفل فضلا عن زملائه من الوفد العراقي.
إن التقليل من أهمية إنجاز الجمالي يعود إلى كره المميز له وحقده عليه لأن الجمالي كمسؤول اتخذ إجراءات ضد المميز. ففي مذكراته (بغداد التي عرفتها) يعترف أنه ليس على وفاق مع الجمالي.
فقد أصدر الجمالي أمراً بنقل أمين المميز من قنصل في نيويورك حيث مكث فيها ثلاثة أشهر إلى دمشق بناء على مقتضيات المصلحة العام. فلا يتردد المميز في مهاجمة فاضل الجمالي ، في مذكراته طبعاً، فيصفه بأنه يُنتقد على أمثال هذه التوافه والصغائر في تصرفاته. وأنه برر نقله مستنداً إلى وشاية وردته من (وكيله) الملحق الثقافي في القنصلية بنيويورك ، بأن المميز يتدخل كثيراً مع الجالية العراقية في نيويورك. ثم يخت المميز تعليقه بالقول: غفر الله للجمالي ذنوبه ، ما تقدم منها وما تأخر ، وهداه صراطاً مستقيماً.
وفي مكان آخر يبدي المميز غضبه وحقده على وزير الخارجية آنئذٍ فاضل الجمالي فيقول (غير أن الجمالي سامحه الله قد حمل طلب نقل خندان إلى لندن على غير محمله الصحيح، واستغله استغلالاً سيئاً، فاتخذ إجراء استقدامي إلى بغداد).
ويذكر المميز: (عاد أرشد العمري إلى بغداد ليواجه موجة عارمة من الشغب السياسي من خصومه في داخل البرلمان وخارجه. وكان هناك لغط حول أعماله وإجراءاته في أمريكا). ولم يوضح سبب الغضب على العمري وعلى رحلته إلى نيويورك ، لكنه انبى مدافعاً عنه ، وكتب مقالاً يمتدح فيه العمري في جريدة (الحوادث). ويمضي في الحديث فيقول: (وكان بتوقيع (أ. م) أوضحت فيه موقف وزير الخارجية أرشد العمري السليم وأثنيت على جهوده ووطنيته وبرأت ساحته من أي تقصير. ولما اطلع أرشد العمري على المقال استدعى السكرتير الصحفي السيد حسين الكيلاني وطلب منه الذهاب إلى مديرية الدعاية للتحقيق عن كاتب المقال. وعاد الكيلاني ليفاجئه بأن المقال مكتوب عندك بالوزارة، وكاتبه هو أمين المميز. فبُهت العمري وقال للكيلاني: هذا الولد شلون آدمي طيب، وأشقد معدنو صافي، كِنْ يدافع عني وأنا مستقيل من الوزارة ، بينما أنا تعديتو علينو وبهذلتونو ولغيتو نقلو لواشنطن) (الكلام باللهجة الموصلية). لقد وضح السبب أن المميز يتملق ويتزلف للوزير، فالعلاقات في الوظيفة العراقية مهمة جداً ، وقد تبين قيمتها عند المميز عندما يقول : بعد استقالة وزارة حمدي الباچه چي ، أعاد تأليفها ثانية باستبعاد بعض أعضائها، واحتفظ أرشد العمري بوزارة الخارجية. فصار منذ ذلك الحين يسترضيني ويتوددني بمختلف المناسبات وبشتى الأساليب والاغراءات. ولا أنسى مقابلتي له يوم كان رئيساً للوزارة سنة 1954 لتلقي تعليماته بمناسبة سفري إلى جدة لاستلام مهام منصبي هناك.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في مايس 1945 تحرك المميز من أجل نقله إلى لندن مرة أخرى. وكان حمدي الباچه چي رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية وكالة ، فأصدر أمراً بنقله بتاريخ 6 أيلول 1945 إلى مفوضية لندن ، وإعادة برهان باش أعيان العباسي البصري (1915- 19٧5) من لندن إلى بغداد كلا بمحل الآخر. وكانت هذه العملية تسمى (بجايش) وهي لفظة فارسية معناها بمكانه !!
دوره باستقلال تونس
في عام 1954، كانت تونس تحت الانتداب الفرنسي، وكانت فرنسا تسيطر بصورة مطلقة على كافة شؤون تونس، فكانت تتحدث عن تونس نيابة عنها في المحافل الدولية والأمم المتحدة. أثناء تمثيل الدكتور فاضل الجمالي للعراق كوزير خارجية اتصل به الحبيب بورقيبه (رئيس الحزب الدستوري الجديد في تونس) طالبا المساعدة، ولبى له النداء بدعمه في المحافل الدولية . ثم اقدم على خطوة جريئة بمنحه الحبيب بورقيبة وثلاثة من رفاقه جوازات سفر عراقية وأدخلهم معه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس انهم من تشكيلة الوفد العراقي.
بعد أن أنهى رئيس الوزراء العراقي كلمته خاطب الحضور بالقول : سأحيل الميكرفون إلى أخي الحبيب بورقيبة للتحدث باسم تونس الحرّة، وهنا ساد الصمت في القاعة وغادر الوفد الفرنسي قاعة الاجتماعات احتجاجا على ذلك. استلم الزعيم بورقيبة الكلمة وألقى خطابا حماسيا وبطوليا ومؤثراً حول الاوضاع بتونس وحاجة تونس للاستقلال من الاستعمار الفرنسي . ولقى ذلك الخطاب التصفيق والحماس الشديد من قبل اغلب الحضور ووقف الجميع تحية لذلك البطل نال استحسان الحاضرين واعجابهم . وبعد انتهاء خطابه توجه بورقيبة إلى الدكتور فاضل الجمالي وقال له : ( لا أنا ولا بلدي تونس سننسى لك موقفكم المشرف هذا). وبعد سنتين من الحادثة هذه حصل الشعب التونسي على استقلاله وأصبح بورقيبة اول رئيس لتونس.
وفي 14 تموز 1958 فجر العراق ثورته ضد الملكية وأصبح عبد الكريم قاسم رئيساً ، ومن ضمن الامور التي عملها هو الحكم على فاضل الجمالي بالاعدام. وبنفس الوقت وجه عبد الكريم قاسم دعوة إلى نظيره الحبيب بورقيبة رئيس دولة تونس لزيارة العراق. فأجابه بورقيبة بالرسالة المشهورة : (سوف لن ازور بلداً يحكم على فاضل الجمالي بالاعدام).
وكانت تلك المقولة قد سببت وقعا شديدا على عبد الكريم قاسم الرئيس الجديد للعراق فتراجع عن حكمه وغير حكم الاعدام بالمؤبد. فعلم بذلك الحكم الحبيب بورقيبة وفعلا زار العراق ثم عاد الى بلده وهو راض تماماً. بقي الجمالي ثلاث سنوات في السجن ثم عفا عبد الكريم قاسم عنه وأخرجه من السجن. بعد ان نال حريته توجه الى سويسرا. وفي تلك الاثناء علم الحبيب بورقيبة ان فاضل الجمالي حر طليق وهو الآن في سويسرا. فارسل بطلبه مبعوثاً الى سويسرا وقال له: سوف لن اسمح لك بالعودة الى تونس الا و فاضل الجمالي معك يد بيد.
وعندما التقى المبعوث فاضل الجمالي بسويسرا واخبره بما أمره به الحبيب بورقيبة قال له: اسأل رئيسك بورقيبة: ما هي الصفة التي سأحضر بها الى تونس؟ فإن كانت بصفة لاجئ، فانا لاجئ هنا بسويسرا. فقال له: سأتصل بالرئيس بورقيبة وسأخبرك بالجواب غداً. استأذن منه وتوجه الى الفندق. وبنفس الليلة اتصل هاتفياً بالرئيس بورقيبة ونقل له سؤال فاضل الجمالي فأجابه بورقيبة ما يلي:
(قل له بانه سيأتي الى تونس كتونسي. لأني منحته الجنسية التونسية الشرفية اليوم).
رجع المبعوث باليوم التالي الى فاضل الجمالي ونقل له ما قاله لي الحبيب بورقيبة. فتبسم وقال (اذا كانت القضية هكذا، اذا فانا آت معك).
وبالفعل عاد الى تونس بعد يومين ووجد استقبالاً كبيراً لا يليق الا لرؤساء الدول. وحالما التقى الرجلان تعانقا وتحابا. وأمر الحبيب بورقيبة ان يمنح داراً في منطقة المرسى بتونس. وكذلك أمر له بسيارة حديثة وأمر له بسائق يكون معه 24 ساعة، يخدمه ويخدم زوجته بذلك الدار. الا ان فاضل الجمالي كان يطلب من السائق ان يرحل الى بيته وان لا يأتي الا عندما يتصل به هو.
اما المرتب الذي خصصه له الحبيب بورقيبة فقد رفضه وقال بانه لازال قادراً على العمل، لذلك قرر ان يكون محاضرا بجامعة تونس وكان يرتزق من عمله هذا لفترة دامت 30 سنة حتى أصبح لا يقدر على التدريس فتقاعد حينها.
الجمالي في محكمة المهداوي
بعد وصول عبد الكريم قاسم للسلطة في تموز 195٨ تم القبض على الجمالي ، وكان قد رفض مغادرة العراق أثناء تغيير النظام الملكي . أصبح الجمالي مطاردا من قبل الانقلابيين، ويروى أن شخصا كان يشبهه مرّ قرب وزارة الدفاع، فتقدمت دبابة الانقلابيين لتسحق الرجل المسكين من دون سماع دفاعه أو توسلاته. تمكن الجمالي من الهرب إلى بستان أحد أصدقائه في محيط بغداد، وفي يوم 17 تموز 1958 ألقي القبض عليه، وزج به في السجن.
بعد انقلاب تموز تقرر تشكيل محكمة لمحاكمة المسؤولين في النظام الملكي، وكانت جلساتها تعقد في قاعة الشعب في منطقة الباب المعظم قرب مبنى وزارة الدفاع في بغداد برئاسة فاضل عباس المهداوي.
هذه المحكمة شهدت محاكمة رجال العهد الملكي، تقدمهم عدد من رؤساء الوزراء والوزراء مثل توفيق السويدي والدكتور فاضل الجمالي واحمد مختار بابان، و خليل كنا وسعيد قزاز ، ومن العسكريين وقف في قفص الاتهام رئيس اركان الجيش الفريق محمد رفيق عارف والزعيم غازي الداغستاني واللواء عمر علي قائد الفرقة الاولى والعقيد عبد الجبار يونس، ومدير الامن بهجت العطية وعبد الجبار فهمي.
قُدّم الى (محكمة الثورة) التي يرأسها العقيد فاضل عباس المهداوي ، وعندما حضر أمام المهداوي ، وبعد أن سأله عن اسمه واسم عائلته ، وما الى ذلك من اسئلة روتينية ، تم توجيه تهمة الخيانة العظمى له. كما اتهمه المدعي العام، العقيد ماجد محمد امين انه اي (الجمالي) كان عميلاً لأمريكا. فما كان من الدكتور الجمالي وهو في قفص الاتهام إلا ان يرد على ماجد محمد امين مفنداً ذلك الاتهام وراداً التهمة عليه وفق اسلوب “الحسجة”، الكلام المبطن، قائلاً له: سيدي اذا كانت تهمتي فأنك انت الآن تسير في ركب الاتحاد السوفيتي فهل يصح ان نطلق عليه انك عميل سوفياتي يا.!!،
ثم سأله المهداوي كم سرقت من أموال الدولة..؟ (بطريقة استهزاء)، عندها انبرى له الجمالي قائلاً له: يا سيادة العقيد انني تسلمت أعلى مناصب الدولة منذ الثلاثينيات, ولكنني والى الآن لا أملك اي عقار بعد أن تبرعت بكامل أموالي الى الفقراء. كما أن هنالك عقار واحد فقط في الكاظمية هو شراكة بيني وبين أخواتي وهو إرث من والدي... صمتت القاعة ولم ينبس أحد ببنت شفة, وكان المدعي العام هو (ماجد محمد أمين) قد تلجلج لسانه وانحبس صوته بعد أن سمع كل ما قاله ذلك الشجاع, ثم أضاف الجمالي: وهي وثائق موجودة في دورة (محكمة الشعب) التي تباع في الأسواق. ويمكن لكل عراقي أن يجد الكتاب، قال: أنني أقسم بإيماني وبإسلامي (وكان ذلك الوقت هو وقت الشيوعية) بأنني لم أفكر في أن أخون طائفتي ولا مذهبي ولا ديني ، بل أنا ممن رفع اسم العراق عاليا في أنحاء العالم. وبعد عدة جلسات من المحاكمة التي طالت لأكثر من سنة حضر الى المحكمة وعندها صاح به المهداوي: أترك هذه الترهات ، وأنت محكوم بالإعدام ، ثم أخرجوه من قاعة المحكمة.
يقول يونس بحري: عندما جاءوا بالجمالي إلى السجن في القاعة التي كنت أول من سجن بها سألته عن صحة ما سمعته عنه في أنهم قتلوك وسحلوك في بغداد ، قال لي بلهجته الساخرة: لقد شبه لهم ولكن يا ليتهم فعلوا ذلك على الأقل لكنت قد تخلصت من الآم الضرب والتعذيب التي تعرضت لها، انظر إلى هذه الكدمات والجروح التي في جسدي من جراء ضربي بأخمص البنادق والمسدسات على راسي وجسمي لساعات طويلة، عندما كبلوني بالحديد والسلاسل قلت لهم: إن هذه السلاسل قد اشتريتها ضمن صفقه للجيش العراقي من أمريكا، فقال لي الضابط بعدها إذاً أنت الذي اشتريت هذه السلاسل لتقيد الشعب العراقي بها. قلت له لا ليس لهذا السبب فقال لي لمادا اشتريتها قلت له ضاحكا: من اجل أن تكبلوني بها، وها انتم فاعلون، وهذه الطريقة بالكلام معهم لربما أنقدتني من الموت، حكم عليه بالاعدام.
كما ذكر مالك سيف في مذكراته التي جاء فيها: (لابد ان اذكر للحقيقة والتاريخ ان الفترة التي قضيتها مع الدكتور فاضل الجمالي سواء في معتقل أبو غريب أم في الموقف العام أكدتا بشكل قاطع أنه رجل بمعنى الكلمة ورجل سياسة واجتماع لم يدخل الياس الى نفسه وكان شجاعا في احلك الظروف ، يتحمل بشجاعة وصبر الاهانات والاعتداءات عليه من قبل بعض الشباب المتحمس يوم كنا في معتقل ابو غريب وقد جسد خلال محكمته امام محكمة المهداوي كل هذه الامور بحيث اعجب به خصومه قبل انصاره ).
بعدها بشهور تم تخفيف حكم الإعدام الى المؤبد ثم العفو عنه بعد ثلاث سنين ، في 14 تموز 1961 ، بعد أن تدخل كل من جمال عبد الناصر، وداغ همرشولد السكرتير العام للأمم المتحدة ، وجواهر لآل نهرو، والملك محمد الخامس ملك المغرب.
حكم عليه بالإعدام بتهم العمالة، لكن بسبب دوره المساند للقضايا العربية وبالأخص دول المغرب العربي وأثناء زيارة محمد الخامس ملك المغرب لبغداد، يقال إنه قال لعبد الكريم قاسم (لن أبرح بغداد قبل أن أصطحب معي الجمالي) وكان له ذلك، فسافر لبيروت ثم سويسرا، وبعدها وبطلب من الرئيس بورقيبة سافر لتونس ومنح الجنسية.
مواقفه وأفكاره
• كتب محمد فاضل الجمالي في التربية والتعليم (التربية لأجل حضارة متبدلة) و(آفاق التربية الحديثة في البلدان النامية) و(دروس من تفوق اليابان في حقل التربية والتعليم) بالإضافة إلى بحوث ودراسات أخرى كثيرة، إلى جانب مساهماته العملية في تأسيس المؤسسات التعليمية وجلب النظم التعليمية العالمية، وكان له الدور في تكوين ما يسمى التيار التنويري وإصلاح التعليم ونقله من الكتاتيب إلى تعليم المؤسسات التعليمية التي تملك البرامج والخطط المتطورة والمناهج الحديثة.
• إن تنوع الأدوار والبيئات التي عاشها الجمالي لها الدور الكبير في إيجاد التنوع في طرحه المعرفي، كما أن الشعور بالمسؤولية تجاه العراق وبلدان المنطقة والتراجع الذي منيت به الأمة وشعوره القومي الواضح والطاغي على مؤلفاته دفعه للكتابة في مختلف المسائل وبالتحديد المسائل القومية العربية الجامعة التي دعا فيها إلى اليقظة العربية والإصلاح الشامل واللحاق بقطار التقدم.
• كان الجمالي يحمل رؤية استراتيجية لتطور العراق في كافة الجوانب ، وقد لفت الأنظار في وقت مبكر إلى أهمية التعليم في تقدم المجتمعات. وهي الخطوة التي انتهجتها فيما بعد سنغافورة وماليزيا وتايوان والصين وغيرها من الدول التي نمت وتطورت في الجانب العلمي والتكنولوجي والصناعي وبقية الميادين العلمية. بينما لم يستفد شيئاً من عقلية الجمالي ولا رؤيته في تطوير التعليم ونقل العراق إلى مصاف الدول المتقدمة ، بل للأسف وجه الجمالي مصيراً قاسياً في بلده ، وفرّط به من قبل مجموعة ضباط قذف بهم القدر في طريقه . وفي الوقت الذي طرده بلده ، احضنته بلد آخر هو تونس وقام بتسمية أحد الشوارع باسم محمد فاضل الجمالي.
• لقد خسر العراق الجمالي في بداية تأسيس الدولة الحديثة ، ولو استجابت لأفكاره لنبذت وراءها قروناً من التخلف. للأسف لم يحظ الجمالي على التكريم المناسب في العراق، وقد أهمل هذا الاسم اللامع رغم الدور الكبير الذي أداه بداية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، كما تم التنكر من قبل السلطات المتعاقبة للدور السياسي والدبلوماسي الذي لعبه الجمالي من أجل بناء العراق.
• كانت من أمنياته أن يموت في الكاظمية ويدفن هناك ، ولكنه لم يحقق هذه الأمنية بعد أن تنكّر له العراق، ولا أدري ما أقول هل كان التنكر هو من الشعب أم من السلطة.. أم من كليهما....؟
• كان يقول: إن النقص الكبير في الدولة العراقية هو اننا لم نثقف الشعب العراقي كما يجب. وبصفتي مسؤولاً عن التعليم فأنا أتحمل جزءاً من مسؤولية تدهور التعليم في العراق. لقد اعتمدنا العلمانية في مناهج الدولة وكان هذا خطأ فادحاً، كان يفترض ان يكون التعليم اسلامياً فالعراقيون معظمهم من المسلمين.
• اعتذر الدكتور محمد فاضل الجمالي عندما تلقى في عام 1995 دعوة من عمدة نيويورك لحضور الحفل الذي أقيم بمناسبة مرور (50) سنة على توقيع ميثاق الأمم المتحدة حيث كان الجمالي ربما من القلائل من بقي على قيد الحياة وممن أسهم في التوقيع على الميثاق في عام 1945. إذ كان يعمل في وزارة الخارجية العراقية في تلك الفترة. رفض الدكتور محمد فاضل الجمالي رفض حضور الاحتفال على الرغم أن مثل هذه الدعوة يحلم بها أي سياسي أو دبلوماسي في العالم. وكتب رسالة مبررا اعتذاره عن المشاركة في ظل السياسة الأميركية التي فرضت حصاراً قاسياً على الشعب العراقي في عقد التسعينات من القرن العشرين بسبب سياسات النظام السابق الكارثية وغزوه الكويت عام 1990، وكان هذا موقفاً عُـّد وطنياً في رفض السياسة الغربية تجاه العراق.
• أسندت رئاسة الحكومة لمحمد فاضل الجمالي في الخمسينات من القرن الماضي، وكان أول سياسي يحمل شهادة الدكتوراه يتولى رئاسة الحكومة العراقية، وقد حرص على تقديم نخب من الجامعيين والمثقفين للمناصب العليا في الحكومة الجديدة، وهذا انعكس على مواقف أخرى محافظة خاصة من أعضاء مجلس النواب ورجال العشائر والريف في المجلس، أو ممن تعلموا في العهد العثماني تعليماً محافظاً تقليدياً وصفوا فيها وزارات الجمالي بأنهــــا ليبرالية وغربيــة الاتجاه وعدوا معارضين له. يعد الدكتور محمد فاضل الجمالي من أبرز أعلام السياسة والتربية في العراق المعاصر وهو من الموقعين على ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945، وعمل ممثلاً للعراق في الأمم المتحدة والسياسة الخارجية العراقية، وعضوا في مجلس الأعيــان ومجلــس النواب، ورئيساً للوزراء.
• يقول عدنان الباججي عنه (كان يؤكد على ضرورة تضامن الرفود العربية ووقوفها صفاً واحداً في المجتمع الدولي. وأذكر تأييده دون تردد لصفقة السلاح التي عقدها جمال عبد الناصر مع الكتلة السوفييتية عام 1955 بالرغم من العلاقات المتوترة بين مصر والعراق في ذلك الوقت. وانتقد الدول الغربية لعدم تلبيتها لطلبات مصر المتواضعة. وأيد الجمالي حق مصر شركة قناة السويس. وأذكر جيداً خطابه بإدانة العدوان الثلاثي على مصر واستهجانه لتواطؤ بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل. كان الجمالي يعتقد بوجود خطر شيوعي داهم على البلاد العربية ولم ينس أن الدولة الشيوعية ناصرت الحركة الصهيونية وزودت إسرائيل بالسلاح عام 194٨.
• وقف ولعدة مرات عندما كان مندوبا للعراق في هيئة الامم المتحدة مذكرا العالم ورافعا صوته بالاحتجاج ضد المجازر التي ارتكبها الصهاينة في( دير ياسين) و (قبية ) و( غزة) و( كفر قاسم).
• لم يتوقف الجمالي عن انتقاد السياسة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل ، وتحدث بمرارة بالغة عن الولايات المتحدة التي شعر بأنها خذلته كما خذلت غيره من الساسة الذين كانوا يؤمنون بفوائد التعاون مع الغرب ، وضحوا بالكثير من أجل ذلك.
• كان الجمالي ديمقراطي النزعة في سياسته وفي حياته الخاصة وعلاقاته مع الناس ؛ متفتحاً ومتواضعاً ، بعيداً كل البعد عن الغطرسة والتعالي ، يحترم الرأي المخالف ، ولا يحاول فرض إرادته على الآخرين.
• كان الجمالي يتمنى لو أتيحت له الفرصة لتطوير النظام السياسي في العراق وتوجيهه تدريجياً نحو الديمقراطية. فقد تشبع الجمالي منذ شبابه بأفكار والمبادئ الليبرالية وعلى الأخص احترام حقوق الانسان الأساسية التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية التي شارك في وضعها وصياغتها الوفد العراقي إلى الأمم المتحدة برئاسة الدكتور فاضل الجمالي).
اسهاماته في التعليم
أسهم الجمالي في تطور التعليم الوطني الحديث في العراق حيث دفع الحكومة العراقية لاستقدام “لجنة دابول مونرو” من جامعة كولومبيا الأميركية بهدف دراسة واقع التعليم في العراق، والتي وضعت تقريراً مهماً عن توجهات الولايات المتحدة تجاه التعليم في العراق على الرغم من انتقادات ساطع الحصري مدير المعارف العام آنذاك لهذا التقرير. لكن توصيات اللجنة وضعت موضع التنفيذ وانعقد المؤتمر الأول ببغداد بين 9-15 أبريل 1932 لإعادة النظر في مجمل النظام التعليمي في البلاد، ثم تأسست “ كلية بغداد” في 30 حزيران 1932، ثم “جامعة الحكمة” واللتان كانتا تداران من لدن الأميركان. لكن التوجه القومي الذي برز في الثلاثينيات من القرن الماضي واستمر حتى قيام ثورة 14 يوليو 1958 أدى في النهاية إلى تغيير في الواقع التعليمي في العراق بعيدا عن التوجهات الأميركية والغربية.
ترك الدكتور الجمالي العديد من المؤلفات في السياسة والتربية والتعليم خاصة في العراق والبلاد العربية، منها “دعوة العراق للاتحاد العربي” و”دعوة إلى الإسلام” و”العراق بين الأمس واليوم” و”وجهة التربية والتعليم في العالم العربي وخاصة العراق” و”ذكريات وعبر عن العدوان الصهيوني وأثره في العراق العربي”، و”مذكرة العراق عن قضية فلسطين”، و”التربية لأجل حضارة متبدلة- مترجمة” و”آفاق التربية الحديثة في البلاد النامية” و”الأمة العربية الى أين؟” و”فلتشرق الشمس من جديد على الأمة العربية” و”دروس في تفوق اليابان في حقل التربية والتعليم” و”دور التربية والتعليم في تعريف الإنسان بحقوقه وواجباته” كانت ولازالت مكانتها العلمية والتربوية والسياسية في الكتابات التاريخية والسياسية في العراق.
جولاته التربوية
في كانون الثاني 193٨ أوفدت الحكومة العراقية الدكتور محمد فاضل الجمالي مدير التدريس والتربية العام إلى أوروبا لزيارة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لزيارة طلاب البعثات الدراسية والعلمية في تلك الدول ، وكذلك الاطلاع على النهضة التعليمية والاتجاهات التربوية في كل منها.
وبعد عودته دعته (جمعية رابطة التربية الحديثة) في بغداد ، التي يتولى رئاستها ، للحديث عن تجارب تلك الدول ، فلبّى الدعوة وألقى ثلاث محاضرات في قاعة المحاضرات بكلية الحقوق في بغداد. وطبعتها الجمعية في كتاب (اتجاهات التربية والتعليم في ألمانيا وانكلترا وفرنسا) ونشر عام 193٨ .
زيارته لألمانيا النازية
زار ألمانيا لأول مرة عام 1929 واطلع على مدارسها ومناهجها ، وفي عام 1939 زارها ثانيا وهي تحت حكم الزعيم النازي أدولف هتلر (في الحكم 1933- 1945). يقول الجمالي:
(إن التربية والتعليم يرتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية لكل بلد. فالتربية عند أصحاب هذه النظرية لا يمكن أن تكون منفصلة عن الجسم السياسي والاجتم