همسات ساخنة ومضات هادئة
بصمة الكافر ووصمة الفاشل
لويس إقليمس
إطلاقُ الكلام على عواهنه وتعالي الزعيق بالخطب وتواتر التصريحات في المناسبات من دون وعي والتزلّف الفارغ في المؤتمرات بهدف استدرار التعاطف أو بالتمسكن «الجنائزي» الهزيل من أجل كسب ودّ جهاتٍ يُعتقد بتأثيرها في مجرى الأحداث لصالح طرفٍ أو أطرافٍ فاشلة في قضية أو مشكلة، كلها تجري هراءً في هراء. ومن ثمّ، فلا مندوحةَ من الاستمرار في شكل هذه الترّهات الهزيلة وغير المقبولة في وصف الغير لمجرّد اختلافنا معه في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الفكر أو طريقة الحياة والتفكير والتطبيق. عندما يصرّ البعض بوصف أبناء الغرب بالكفرة والخنازير، من دون وجه حق، فهذا فيه تجنٍّ كبير على شتى الأصعدة والمواقف بسبب خروج مثل هذه الاتهامات عن اللياقة الإنسانية والسلوك في الأتكيت المتعارف عليه دوليًا ومجتمعيًا سواءً بسبب تفسيرات دينية ضيقة الأفق أو إشاراتٍ طائفية لا ترقى للعلمية أو تأويلات فقهية متلازمة للكراهية والحقد والاستكبار غير المبرّر على الغير المختلف.
فمهما كانت الاختلافات في شكل الحياة اليومية وفي وجهات النظر إلى شؤون البشر والمجتمعات أو في عدم التطابق الفلسفي والمجتمعي والديني وفي وسائل التفكير والنظرة إلى الحياة، فهذا من شأنه دفع هذا البعض الكاره للغير فقط لكونه من أهل الغرب الكافر، أن يعيد النظر في تقييمه البشري للمختلفين عنه لاسيّما إذا كان جلُّ أو معظمُ ما يستخدمه ويستمتع به من أدوات وملذات ومعدّات وتكنلوجيا متطورة قادمًا من عند هذا «الكافر» المهان في الكلام والخطب واللسان غير النظيف.
والأنكى من ذلك حث خطى هذا النفر الضال الكاره لبلدان هذا الغرب «الكافر» لحجزِ ملاذٍ آمنٍ له ولعائلته ومحبيه هربًا من بلاد «الإيمان» التي يعيش فيها ويلقى الأمرّين على أيدي بني جنسه ودينه ومذهبه من سلاطين الفساد وسارقي الثروات الوطنية التي يعدونها حلالاً زلالاً وأموالاً مجهولة المالك ومتاحة النهب بفتاوى بعض الجهلة من الطارئين على الدين والمذهب من الذين يفسرون الفـــــــــــقه وفق مصالحهم أو بما يتوافق مع زعامات السلطة وساسة الأحزاب التي تهيمن على المشهد السياسي بغير وجه حقّ.
لذا، فبسبب غياب الوعي الوطني وقساوة القلوب ونفاق التديّن الزائف والاستخفاف بعقول السذج على أيدي مدّعي الوطنية والموالين للأنبياء والأئمة زورًا وبهتانًا وكذبًا، لاسيّما المعتادين على تناول الهريسة والقيمة والرز وما سواها مجانًا في المناسبات الدينية، وما أكثرها، فقد تخلّفت بلدانٌ عديدة وتراجعت شعوبٌ ومجتمعات مقهورة. وهذا ما جرى ويجري في العراق منذ سقوط النظــــــــــــــام السابق واحتلاله من قبل الغازي الأمريكي الأهوج وتسليمه بايادي خبيثة لا تشـــــــــــــــــبع من الغرف الظالم من ثروات البلاد بشتى السبل والوسائل.
كما أثبتت أنها لا تعرف معنى للرحمة والفضيلة وتقوى الله في التعامل حتى مع ما تبقى من المواطنين المنتمين لدين هذا الغرب «الكافر» في أوطانهم الأصلية على سبيل المثال لا الحصر. ولكن، حين تقرير الكثير من هؤلاء قساة الرقاب من لصوص العصر الذين احترفوا مهنة سرقة الوطن والضحك على بسطاء الشعب بفضل فتاوى التخدير غير المتزنة الصادرة خارج عين وإرادة المرجعيات الأصيلة الحكيمة العاقلة بدعوة بعض هؤلاء الأدعياء أتباعَهم من السذج وبسطاء القوم إلى الصبر والتقتير والصوم والصلاة بدل تأييد مطالبهم المشروعة بالعيش الكريم في وطنهم ومحاسبة زعماء اللصوصية والنهب والسرقات، نجدهم عند اختيار موقع لسكناهم في أية مدينة في بلادهم الأم، فإنّهم يسعون لاختيار حيٍّ فيه جيرةٌ أو رائحةٌ من شكل هذا البشر «الكافر»، يقينًا وإقرارًا منهم بتمتعه بحسن الجيرة معه لأسباب طبيعية ووضعية وترتيب حالٍ وخصائل وصفاتٍ قلّما يجدها في بني دينه ومذهبه في فقرات العقل والحكمة والنظافة والنظر والمأكل والملبس والبيت والشارع والوظيفة والتديّن.
أمّا إذا ضاقت أرضُ الوطن ذرعًا بهؤلاء الأدعياء وفكّر هذا النفر الكاره بالرحيل، فإنّ أول ما يتبادر إلى ذهنه هو الرحيل إلى بلدان «الكفر» من أجل تأمين مستقبل أطفاله لاهثًا وراء حجز مقعد دراسي لهم ضمانًا لتلقيهم أفضل العلوم وحرصًا منه لنيلهم أفضل الشهادات بتوقيع علماء هؤلاء «الكفار». وهذه حقيقة محسومة لا مفرَّ من الإقرار بها!!!
قد يكون أيضًا، من السهل إلصاقُ التّهم جزافًا بدول الغرب عامةً من دون تمحيص في واقعهم الفكري والعقائدي والأيديولوجي والديني، هذا إن وُجد شيءٌ يُذكر من هذا القبيل في جعبة هؤلاء «الكفار» في الزمن المعاصر، إلاّ في التمسك بأهداف الأخلاق العامة والسلوكيات الإنسانية الوضعية الطبيعية التي يتطلبها واقع حياتهم اليومي في التخطيط العاقل لعيش الحياة بأجمل ما يمكن أن تمنحها لهم خيراتُ الأرض وجمالُ الطبيعة والوجهُ الحسن.
فلو أعاد هؤلاء الناقمون الفاشلون على هذا الغرب «الكافر»، أو بعضُهم في أقلّ تقدير لتقديراتهم الواقعية المتزنة وتقييماتهم المعقولة في الرؤية والمنهج والحاجة الفطرية والعلمية والتربوية والأخلاقية لاجتهدوا في الكفّ والتراجع عن مجمل هذه الاتهامات أو الانتقادات غير المجزية، أو حتى معظم هذه الترّهات من وجهة نظر العقلاء والطيبين ممّن يعرفون القيم الإنسانية ويقرّون بمحبة الجار والرحمة والصدقة.
إتهام غير موفق
لو افترضنا جدلاً، بكون بلدان الغرب «كافرة»، من حقنا أن نسأل عن شكل هذا «الكفر» الذي ألصقه بهم جمعُ المنافقين من شعوبٍ ومجتمعات اثبتت الأيام فشلهم وعجزهم في مواجهة حقيقية للحياة وضروراتها بسبب نفاق تديّن هؤلاء المنتقدين بلا وجه حق.
والسبب في هذا كلّه نابعٌ من عدم قدرتهم على مجاراة حاجاتهم اليومية إلاّ بدعمٍ واضح من قبل شعوب بلدان هذا الغرب «الكافر» ومواطنيه المقرّين باحترام حياة جميع البشر من المؤمنين بالقيم العليا للحياة البشرية والإنسانية من منطلق كون جميع البشر إخوة.
ومخلوقين متساوين وليس بدرجاتٍ تمنح بعض المجتمعات أو الشعوب امتيازات يُدّعى تفضيلُها من قبل الخالق الجبار على غيرها من الأمم والشعوب. من هنا فإنَّ شكل وتوصيفة هذا الاتهام غيرُ موفَّق.
بل هو شكلٌ من أشكال الهراء والعجز في القدرة على مواجهة متطلبات العصر المتجددة والاكتفاء بترديد لازمة الحسرة على حضارات الأمس التي سادت يومًا ثمّ بادت بفعل تقلبات الزمن مختلفةِ الفكر والثقافة والحكم والإدارة. وفي المحصلة سوف نجد أن حياة هذا الغرب «الكافر» أكثر صراحةً وسعادةً وصحةً ومقبوليةً إنسانيًا وفلسفيًا وعقائديًا من حياة هذا البعض الكاره والمغوِّل في اتهاماته والرافض لأية حياة سعيدة أو تقدمٍ أو تطوّرٍ له أو لغيره.
وهذا الأخير يبقى صعب المنال عليه طالما بقي هو قابعًا في ظلّ هذه الأفكار المتخلفة العفنة التي لا تجدي ولا تنفع ولا تصحّ في عالم اليوم المتسارع الخطى في كلّ لحظة ودقيقة وساعة ويوم. فهؤلاء «الكفار» أثبتوا أنهم يحبون الحياة ويكرمونها، فيما أصحابُنا يكرهونها بوسائل وطرق وأدوات مختلفة ومبتكرة متحيّنين الفرصة للانقضاض حتى على ما تبقى من آثار ما بقي من صنو هذا البشر المتميّز والمتهم ب»الكفر» حتى في بلدان منطقتنا وبلدنا على أقلّ تقدير، رغم أصالتهم وتجذّرهم في الأرض وحبهم لأوطانهم وبني جنسهم بلا حدود ولا نفاق.
من السهل على الفاشل أن يوجه سهام اتهاماته على غيره الناجح في مواجهة الحياة اليومية بالإنتاجية المطلوبة في نشاطه اليومي كلّما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً. فهذه وصمة الفاشل غير المنتج في سياسته وإدارته وحكمه مقابل البصمة المنتجة المتميزة للطرف «الكافر». فليس من المنطق أن يظلّ هذا الفاشل متسمرًا في موقعه وبلده وعمله بلا إنتاج ولا عمل ولا حرفية ولا نشاط ولا وعي كواحدٍ من شروط الحياة الطبيعية في كسب القوت اليومي وضمان الرزق الحلال له ولأهل بيته مساهمًا بذلك في إضفاء شيءٍ من السعادة على بني بيته ومدينته وبلده ومجتمعه ومن خلاله على المجتمع الدولي الذي يتطلب يومًا بعد آخر تكافلاً وتعاونًا وتضامنًا أكثر من سابق الأيام والسنين والعقود والقرون وعلى مرّ الأجيال. أليس هذا ما يتطلبُه واقعُ كلّ بلد أو أمّةٍ أو مجتمعٍ إذا أُريد له تحقيق السعادة ومن خلاله لجميع الأمم والشعوب؟ أمْ إنَّ للكارهين والحاقدين وجهاتِ نظرٍ أخرى متغايرة لا تقرّ بحرية الإنسان وشعوب الأرض بتحقيق الاكتفاء الذاتي والنجاح والسعادة لشعوبهم عبر استخدام كلّ فردٍ أو مجتمع ما حباه الله الخالق من وزنات ليتاجرَ بها ويحقق نجاحات بكسب أضعافها ما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً؟ كان الله في عون العراق ومواطنيه من المعذّبين بمتلازمة الكره للحق من زعامات أحزاب وسلطة ومَن يواليهم من ذيول وأتباع غير منصفين للحق ومن ناكري الجميل وكارهي كلّ ما هو إنساني وجميل ورائق وسليم في الحياة.