بالأرقام ماذا حصل في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية
(3) أين نجح ترامب؟
منقذ داغر
بعد تشخيص مواطن فشل هاريس في حملتها الأنتخابية،فلابد من تأشير مواطن النجاح الرئيسة التي قادت ترامب لأحراز هذا التفوق الساحق في حملته الأنتخابية والذي فاق كل التوقعات. لقد بات ترامب أول مرشح جمهوري يتفوق على منافسه الديموقراطي في التصويت الوطني منذ فوز بوش الأبن على جون كيري في 2004. فهو على الرغم من فوزه في السباق الرئاسي على هيلاري كلينتون في 2016 الا أن نسبة التصويت له على المستوى الوطني(كل أمريكا) كانت 46.1 بالمئة مقابل 48.2 بالمئة لمنافسته التي خسرت بسبب عدد أصواتها في المجمع الأنتخابي وليس بسبب العدد الأجمالي لمن صوتوا لها. أما في هذه الأنتخابات، فلغاية كتابة هذا المقال،يتقدم ترامب بنسبة 50.2 بالمئة على هاريس التي حازت 48.1بالمئة. هذا النصر جاء نتيجة سببين كما ذكرت سابقاً: فشل أدارة بايدن التي كانت هاريس جزءً منها،وتفضيل شخصية وبرنامج ترامب على هاريس وهذا ما تجلى واضحاً في أجابات الناخبين على أستطلاع الخروج Exit poll الذي نشرته CNN وتمت الأستعانة به قي هذا المقال والذي سبقه.
حملة ترامب
لقد كان واضحاً أن ترامب قد أستفاد كثيراً من فشل حملته في 2020 والتي أستعان بخبراء الرأي العام عنده ليضعوها قيد التشريح والتحليل. لقد أستخلصت حملة ترامب الدروس الآتية وركزت عليها في هذه الحملة:
1. معدلات التصويت. بلغت نسبة المشاركة في أنتخابات (2020) 66 بالمئة وهي الأعلى منذ عقود طويلة. ولم تكن نسبة المشاركة هذه المرة أقل من سابقتها لكن الفرق الرئيس كان في نسبة المصوتين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. ففي الأنتخابات الماضية لم ينجح ترامب في حث مزيد من الجمهوريين للخروج لصناديق الأنتخاب فكانت نسبتهم أقل من المصوتين الديموقراطيين (36 بالمئة للجمهوريين مقابل 37 بالمئة للديموقراطيين). أما هذه المرة فعلى الرغم من أن نسبة الناخبين الجمهوريين أنخفضت قليلاً وبلغت 35 بالمئة الا أن نسبة الديموقراطيين أنخفضت الى 31 بالمئة وزادت نسبة المصوتين المستقلين الى 34بالمئة. وهنا يكمن نجاح ترامب الأكبر. ففي أنتخابات 2020 لم يستطع أن يحصل سوى على 41 بالمئة من أصوات المستقلين،أما في هذه الأنتخابات فقد نجح في جذب 46 بالمئة من المستقلين لمعسكره. وفي نفس الأتجاه فقد أستطاع ترامب أن يزيد من حصته من الناخبين ذوي الآيدلوجيا المعتدلة (ليسوا ليبراليين ديموقراطيين ولا محافظين جمهوريين) وهم النسبة الأكبر من الناخبين في أميركا ، لتبلغ 40 بالمئة بعد أن كانت 34 بالمئة في الأنتخابات السابقة. كما زاد من حصته مقارنة بالمرشح الديموقراطي في كل المجموعات العرقية الأميركية غير البيضاء والتي تصوت عادةً للمرشح الديموقراطي. فعلى سبيل المثال قفزت حصته بين اللاتينيين من 32 بالمئة الى 46 بالمئة،وبين الآسيويين من 34 الى 39 بالمئة.كما نجح بالقفز بنسبة الناخبين البيض الذين يصوتون له عادةً من 67 بالمئة في انتخابات 2020 الى 71 بالمئة في هذه الأنتخابات. أما الفئة الأبرز التي تفوق بها ترامب بشكل غير متوقع فهي الشباب الذين عادةً ما يصوتون للديموقراطيين. فقد قفزت حصة ترامب من الشباب الذين يصوتون لأول مرة في الأنتخابات من بالمئة 30 الى 56 بالمئة هذه المرة.
2. أعادة ضبط أجندته الأنتخابية. لقد أدركت حملة ترامب أن تطرفه وتشدده في بعض المواضيع أفقده كثير من الناخبين الأميركيين في 2020. لذا،وعلى الرغم من أستمرار مواقفه السابفة سواء تجاه الأجهاض أو الهجرة أو المثليين أو حتى السياسة الخارجية،الا أنه خفف وعدّل منها كثيراً.
لذا فهو لم يفقد جمهوره السابق،في حين تمكن من كسب جمهور جديد من الوسط. ففي موضوع الأجهاض مثلاً،لم يجعل ترامب منع الأجهاض قانوناً فيدرالياً،بل دعى لأن يترك قانون منع الأجهاض لكل ولاية لتقرر ما تراه مناسباً.
لذلك قفزت حصته من المصوتين الذين يقولون أن الأجهاض يجب أن يكون قانوني في معظم وليس جميع الحالات الى 49 بالمئة بعد أن كانوا 30 بالمئة في 2020. كما أن ترامب أستطاع أن يجذب كثير من الجمهور المسلم والعربي والذين باتت نسبتهم 2 بالمئة من مجموع المصوتين الأميركان على الرغم من تأييده المطلق والمعروف لأسرائيل. لقد فعل ذلك من خلال وعده بوقف الحرب ،في نفس الوقت الذي حاول فيه التغطية على موقفه تجاه العدوان الأسرائيلي على غزة ولبنان. لقد صوت 30 بالمئة ممن يعتقدون أن أسناد أمريكا لأسرائيل مبالغ فيه لصالح ترامب معتقدين أنه سيوقف العدوان الأسرائيلي.
مرشح رئاسي
3. الأقتصاد. في 1992 صاغ جيمس كارفيل James Carville مستسار المرشح الرئاسي الديموقراطي آنذاك» بيل كلينتون « عبارته الشهيرة (أنه الأقتصاد ياغبي) ليفسر فشل المرشح الجمهوري(ترامب الأب) في الفوز بتلك الأنتخابات.وهاهي القصة تتكرر مرة أخرى، لكن الغبي هذه المرة كانت المرشح الديموقراطي وليس الجمهوري.
لقد تحول الحزب الديموقراطي تدريجياً الى حزب النخب الأقتصادية والتعليمية والمثقفة تاركاً للجمهوريين قطاعاً جماهيرياً واسعاً ليصوت له. يقول عضو الكونغرس المخضرم «ساندرز» يجب أن لا نستغرب تخلي الطبقة العاملة عن الحزب الديموقراطي بعد أن تخلى عنهم. لذلك فقد صوت 51 بالمئة ممن يقل دخلهم عن 100 الف دولار سنوياً لصالح ترامب مقابل تصويت 51 بالمئة ممن يزيد دخلهم عن 100 الف دولار لصالح هاريس. لكن نسبة من دخلهم أقل من 100 الف دولار هي 60 بالمئة مقابل 40 بالمئة ممن دخلهم أعلى. ببساطة فقد صوت الأغنياء لهاريس في حين صوت الفقراء لترامب.
هذا النمط من تصويت الفقراء لصالح المرشح الجمهوري كان مقلوباً في أنتخابات 2020 ! أكثر من ذلك فقد أفاد 68 بالمئة من الناخبين أن حالة الأقتصاد الأمريكي بائسة أو غير جيدة،وأن 70 بالمئة من هؤلاء أختاروا ترامب. لقد نجح ترامب في تصوير نفسه بأنه المخلص للأميركان من الحالة الأقتصادية الصعبة التي يعيشونها. لذلك قال 80 بالمئة من المصوتين أن ترامب أفضل من هاريس في أدارة الأقتصاد الوطني.
أن هناك جوانب أخرى تفوق فيها ترامب على هاريس لكن التركيز كان هنا على أبرز تلك الجوانب. أن الغرض الأساس من سلسلة المقالات هذه هو تثقيف نخبنا السياسية وقياداتنا في مختلف المستويات على أهمية الأستماع لرأي الناخبين وكيفية تحليل الأرقام للخروج بأهم الأستنتاجات التي تضمن لهم الفوز في الأنتخابات.
منقذ داغر هو رئيس منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في الجمعية الدولية لأستطلاعات الرأي WAPOR ومدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة كالوب الدولية Gallup International لبحوث الرأي العام.