مقاولون أتراك وواقعية الفلاح العراقي
جمعة الدراجي
تناقلت وسائل الإعلام يوم 17/تشرين الأول/ 2024 زيارة وفد اتحاد المقاولين وأصحاب الشركات التركية إلى بغداد ، ولقاء معالي السيد عون ذياب وزير الموارد المائية في بغداد بحضور السفير التركي أنيل بورا أنيان . لا يخفى على القراء ان الفلاح العراقي يراقب الوضع المائي والظروف المحيطة به عن كثب لاهمية المياه في معيشته واستقراره ، وهو إنسان واقعي يعرف ان الوفد التركي برئاسة كبير المقاولين في تركيا مهمته البحث عن فرص عمل للشركات التركية في العراق ضمن 13 مشروع إروائي مخطط لها بحصاد المياه المحلية وأغراض اروائية أخرى لتقوم تلك الشركات بإنشائها في العراق مباشرة بدون معايير المناقصات المعروفة ، واعلن ان هذا اللقاء ضمن الاتفاقية الإطارية التي عقدت بين البلدين في نيسان الماضي، والمراقب يدرك حضور السفير التركي في العراق مع الوفد لأغراض برتوكولية وتنسيقية . ومن الواضح ان هذا الوفد ليس له علاقة بالمياه ، وقد أكد عدد من المهتمين بالشأن الساسي للمياه ان السدود والخزانات والنواظم وادوات ومقدرات المركز الوطني للمياه في العراق هي من مفردات حروب المياه الباردة ، كيف توضع بيانات مشاريعها تحت تصرف وأجندات دولة تشارك مائي ساعية للتعطيش العمدي لبلدنا منذ عقود ؟ ألم تندرج تلك المشاريع ضمن اسرار الأمن القومي للبلد؟
لجان قنية
وهل وفد المقاولين من متخذي القرار المائي؟ لضمان حصول العراق على حصته الطبيعية والتاريخية من المياه ، مع إدراكنا ان ملف المياه من الملفات السيادية في تركيا . ولماذا لا تجتمع اللجان الفنية ؟ ولديها أعمال كبيرة أجلتها المماطلات التركية منذ عقود رغم مضي ستة أشهر على اتفاق نيسان للاتفاقية الإطارية بين البلدين ل 26 اتفاق لمختلف القطاعات الحيوية بين البلدين ، من ضمنها اتفاق حول المياه ، ولم يحدث إلا لقاء واحد مع وكيل وزير الخارجية التركي السيدة بيريس اكنجي في بداية تموز الماضي في بغداد . وزيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى انقرة في 15 آب الماضي برفقة وفد امني -يضم شخصيات رفيعة بينهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض- لعقد الاجتماع الأول لـ»مجموعة التخطيط التركية-العراقية المشتركة» برئاسة مشتركة بين الوزير العراقي فؤاد حسين ونظيره التركي هاكان فيدان . ويشارك من الجانب التركي وزير الدفاع الوطني يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن، إضافة إلى منير كارا أوغلو نائب وزير الداخلية، وهو ما يعكس حجم الاهتمام بهذه الزيارة، بالوضع الأمني وليس له علاقة بالمياه ، وأشار بيان الخارجية التركية في حينها ( إلى أنه من المتوقع أيضا أن يُعقد معها الاجتماع الرابع للآلية الأمنية رفيعة المستوى بين أنقرة وبغداد، فثمة ملفات كثيرة تجمع البلدين المتجاورين ومشتركات على أصعدة مختلفة سياسية وأمنية واقتصادية).
ولم يذكر البيان اي إشارة للمياه ، واذا حدثت لا سامح الله اي احداث او عمليات وخروقات عسكرية (وما اكثرها من الجانب التركي ) قد تتفاقم وتطيح بالاتفاق الإطاري وفي اعتقادي كمزراع من جنوب العراق ان هذا الاتفاق سياسي ولا يصب في مصلحة العراق ، لذا نعتقد ما زالت العلاقة المائية بين الدولتين علاقة غير واضحة وهشة ولحد الان لم يتم الاتفاق على مقدار للإطلاقات المائية التي ترد الأراضي العراقية بل ما تزال تركيا تطلق على الانهار الدولية دجلة والفرات مياه عابرة للحدود وتعتبرهما حوض واحد بينما كل نهر له طبيعة طوبغرافية محددة وان نهر دجلة تتبعه روافد ومجاري مائية من الجارة ايران . بينما حوض نهر الفرات يختلف تماما وهو قادم من دولة ممر سوريا ولايمكن عقد اتفاق مائي على هذا النهر لتقاسم الحصص او اي محادثات أخرى دون سوريا. ودليل آخر يواجه العراق صعوبة في تعزيز النقص الحاصل في نهر الفرات ، مما يُضطر إلى التزود بالمياه من المنشآت المتغذية من دجلة بالواسطة ، وليس بصورة طبيعية. وإزاء تفاقم الوضع المائي وقلة الاطلاقات المائية ما زال العراق في طريقه من الشحة إلى الندرة المائية وسط تخبط الساسات المائية لدول المنبع كل من الجارتين تركيا وإيران وحتى دولة الممر الشقيقة سوريا .
تخصيصات مالية
وسياسة مائية داخلية غير توافقية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان ، والإدارة غير الرشيدة لملف المياه في البلاد المتمثلة في تسنم المواقع الفنية المهمة لعدد من الشخصيات الحزبية وتهميش الكفاءات الفنية الوطنية .
وقلة التخصيصات المالية في الميزانيات العامة ، بالإضافة إلى التأثيرات المناخية التي وضعت أوزارها الملموسة على الأرض بقلة الهاطل المطري والثلجي . ان الانتظار بما ستؤول إليه الأمور دون حراك مدروس ، يؤكد الذهاب إلى التعطيش الحتمي سواء كان على المستقبل القريب او البعيد .