التخصص بين الرغبة وقوانين السوق

احمد غني الخفاجي

عادة ماتكون احلامنا كبيرة في فترة الدراسة وللهروب من ضغط الدراسة نستلقي قليلاً ونغمض أعيننا لنسافر في عالم الأحلام ونرى لافتات أنيقة تحمل أسمائنا في قلب المدينة وقد زينت بعناوين براقة ، الأستاذ الدكتور ….. أختصاص الكذا والكذائي ..جامعة دبلن مع مكتب أنيق وسكرتيرة شقراء (شعرها أصفر بلادي مو صبغ) ، لايقاطعك في هذا الحلم سوى صوت زميلك جبار الأجش الذي يركلك بقسوة كأنه معلم في مدرسة أنضباط القوات الخاصة ويخاطبك مزمجراً أنهض اليوم دورك بالطبخ !!  وحين ننغمس في عالم التطبيق ويبدأ العمل نعيد النظر بالأحلام وتتغير الأولويات ، قد يجذبنا أسلوب أخصائي لحب أختصاص معين وقد يشدنا موقف مع حالة طبية لعشق هذا الفرع ، لكن .. الحبُ وحده لايكفي !!

هناك قوانين تحكم العملية ، وليست الرغبة والحب هما المتحكم الوحيد في رسم مستقبلنا المهني ، أنت تفكر بقلبك وعقلك حيث يخبرك عقلك أين هي ( الخبزة الحارة والمكسبة ) ويجرك لها ، لكن يبقى المتحكم أخيراً هو قوانين السوق والعرض والطلب ، نرى في كل مرحلة زمنية توجه نحو تخصصات معينة تتوفر فيها مكاسب مادية جيدة وظروف عمل مريحة لكنها تبقى متغيرة ولاتصلح لكل الأزمنة متأثرةً بقواعد العمل والتقدم العلمي والموضة (أحياناً).  وللأطباء في مقتبل الحياة وانتم في أول الطريق لأختيار التخصص ينبغي أن تكون هذه المحددات حاضرة ( الرغبة ، حاجة السوق ، الأمكانيات الشخصية ، نظرة للمستقبل). وأخيراً كانت طفولتي في قرية وكان البدو الرحل (يطلق عليهم الرحل لأن لا أرض لهم) يأتون لشراء أرضنا في كل موسم بعد الحصاد لكي ترعى فيه أبلهم ، كنت أراهم يسكنون في خيمة متهرئة وهم يملكون مئات الأبل !! كان سعر أرقى بيت في المدينة لايتجاوز سعر (10 من الأبل) سألت والدي لماذا هذا البدوي يعيش حياة قاسية وهو يمتلك مئات الأبل التي من الممكن ان يبيع بعضها ويشتري أرقى بيت وسيارة في المدينة !  قال أنه يعشق تلك الأبل وسعادته بينها وفي هذه الأجواء  وهكذا قد يدفعنا عشق بعض الأختصاصات الى تحمل مشاقها وصعوبة العمل بها ، فقط لنشعر بالسعادة التي لايراها غيرنا ( أطباء جراحة القلب في العراق مثلاً)