قراءة في فلسفة الخيام
مهند الياس
البعض ، قرا الخيام ،متصوفا ، حيث تظر الى ما تفضي به بعض رباعياته التي جاءت كونها تمثل الحلقة العريضة لتاملاته في الكون والحياة .. بينما البعض الاخر ، وضع يقينه مستفيضا بالقتاعة حين وجد الخيام ملاحا تائها يطارد لغز الحياة ، ويتساءل عن ذلك اللغز بطريقة العالم الذي ابحر في مجال المعرفة الكونية ، فعرف جانبا من تفاصيلها الثابتة والمتغيرة ، كالرياضيات والفلك ، وغير ذلك ، بينما نجد هنالك قراءات تتواصل بقاسم مشترك واحد ، لتعطي فهما لا يحيد .. وهو ان الخيام ، شاعرا ليس له يقين في شيء ، فهو يتخذ يقينا بفلسفته الخاصة به والتي تتوثب ازاء ماترضي حاجاته من الحاضر الذي لا يعترف بالمستقبل سوى الزوال والصمت لا غير .. وقد توقف الخيام امكام محور حياته ليجعل منها عينا لا تبصر غير ما تطمئن اليه من حاجة بشهوة الروح والجسد في ان واحد .
ولكن بالرغم من كون الخيام انسانا عالما ، يتوجس معالم الوجود ، ويفيض من تكهناته المعرفية والفلسفية
.. فانه حاول ان يستعين من هذا – الحصيل - . وان ما يمكن اختزاله من هذا العالم ،، هو ما يمكن معرفة حقيقية وجوده الاني فقط .. اي ان العالم يتكون من معادلة واحدة لا غير ... الا وهي معادلة الفناء !!
والشيء الذي يثيرنا في - الخيام - .. هو ان هذا الانسان لم يكن احاديا في تفطيره ,, فالاحادية لديه موزعة توزيعا سليما على اشكالية فلسفية عريضة
تدخل ضمن سياقات ما تكنه بعض معتقدات الفرس من استفهام باطني ، وما يتصل ايضا من مفاهيم اخرى متاثرا بها كالعلوم اليونانية القديمة ، والتني استسقى منها كثيرا ،، اذ يقول عنه القفطي في كتابه ( تأريخ الحكماء ) ( عمر الخيام ، امام خراسان ، وعلامة الزمان ، بعلم علم اليونان ، ويحث على طلب الواحد الديان ، بتظهير الحركات البدنية ، لتعتريه النفس الانسالنية ، ويامر بالتزام السياسة المدنية ، حسب القواعد اليونانية ، وقد وقف متأخرو الصوفية على شتى ظواهلا شعره فنقلوها الى طريقتهم ، وتخاضرو بها في مجالسهم وخلواتهم ، وبواطنها حياة للشريعة الواسعة .. ولما قدح اهل زمانه في دينه ، واظهرو ما اسره من
من مكنونه ‘ خشي على دمه ، وامسك من عنان لسانه وقلمه ، وحج مناقات لا تقيه ، وابدى اسرارا من السرار غير نقيه ، ولما حصل ببغداد سعى الى اهل طريقته بالعلم القديم فسد دونهم الباب سد النادم ، لا سد النديم ، ورجع من حجه ، يروح الى محل عبادنه وبغدو ويختم اسرارا لابد ان تبدو ، وكان عديم القرين في علم النجوم والحكمة ، يضرب به المثل لو رزق العصمة ، وله شعر طائر ، تظهر خفياته على خوافيه ، ويكدر عرق قصده كدر خافيه ).
لفد امتلك الخيام نظرة ثاقية جادة ، ازاء موازين الحياة ، والوجود من خلال قياسات تطلعه الذي كثيرا ما يقترب
بالعلمية ، ان القياس في فلسفته مستلهمة من معادلات الكون ‘ ومن خلال هذه المحصلة المتخمة بالنتائج ، وجد الخيام ان العالم .. كل العالم لديه انما هو قيمة متداخلة لا تعطي الا مجهولا لا يمكن الوقوف امامه ولغرض الخوض في غماره .. ذلك لان الخوض في غمار المجول ، والبحث في حيثيا ته ، ومكنوناته ، هي عملية شاقة لا تجدي نتائجها والتي كثيرا ما تتباين تفاصيلها وعبر مدلولات لغز الحياة المحير !
فلفسة الغنوصية
لقد استفاد الحيام من الفلسفة ( الغنوصية) ( اسلامية – مسيحية –يهودية –هندية- مجوسية- .. ودار حول محاور هذه الفلسفات وما تختزنه من افكار على الصعيدين الحياتي والماورائي ، ولكونه –اي الخيام –
عالما – ماديا – بحث في الجير والاعداد والنجوم والفلك والعلوم الاخرى ..قبل ان يكون متوغلا
في الامور الباطنية التي اتسم بها ، وحاول ان يظهرها
في كثير من اشعاره ‘ جعلت هذه الانثيالات من محصلات التامل لدى الخيام وتعدت الى حيث القناعة في يقينه ، واعطته الخصوصيات في المثول امام الحقائق الثابتة التي رسمها خال الوجود ، وما يتضمنه هذا الحال من موازيين ثابتة ومتحركة لم تعط المتوغل من مسايلها الى ما يجعله مفتونا فقط في ظاهرها الغامض والذي يدل على باطنها المجهول :
واين الذين اثارو الجدال
وكان الهدى بحثم والظلال
اشار الردى عليهم بالسكوت
ففضو النزاع وشدو الرحال
لقد حير فكر الخيام ، كثيرا ممن توقفو امام شخصيته – المتعددة ، والمتسائلة ، وحاول هؤلاء التوغل في ابعاد تلك الشخصية في التحليل ، واثراء الدراسات ، ولكن بقي هؤلاء لم ينالو الا القسط البسيط الذي لا يفي بالصورة المتكاملة الحقيقية لقلسفة الخيام ، والتي تعد ويتقدير جازم : انها فلسفة غامضة لا يستطيع ان يقترب منها التحليل الا بالقدر الذي يعطيه غموضه ..!!