أذن وعين
العراق في نبوءات سوداء
عبد اللطيف السعدون
كثبرة هي الأبحاث والدراسات التي وضعت العراق في دائرة النبوءات السوداء، وبعضها توقع تقسيم العراق وتفكيكه، وقد صدرت كتب ومنشورات تروج هذه النظرية، وبعضهم رأى فيها مسلمة لا تقبل الجدل، وحدد لتحقيقها زمنا قريبا، وبعضهم رسم خرائط، وأنشأ أقاليم ودولا على الورق كأمثلة على ما سيؤول اليه مصير العراق.
أوضاع العراق
ترافق هذا الطرح، فيما بعد، مع امعان النظر في أوضاع العراق طيلة الأعوام العشرين الأخيرة التي اتسمت بغياب الدولة، وسيادة طبقة عملت على تفكيك الهوية الوطنية، وترسيخ الولاءات الطائفية والمذهبية، ودفعت العراق بعيدا عن محيطه العربي، وسعت لربطه مع ايران عبر صيغ وممارسات تجعله أقرب ما يكون الى «محافظة» ايرانية خالصة، كما تنكرت لمطالب شعبها، وعجزت عن تقديم أبسط الخدمات الاساسية المطلوبة منها، وقد استقوت على مواطنيها بقوة السلاح المنفلت الذي تتحكم فيه الميليشيات ومافيات الجريمة المنظمة، واقترن ذلك بتصاعد ظواهر الفساد والافساد، وشمولها كل مرافق المجتمع والاقتصاد، وبارتفاع صيحات بعض من امتلكوا فائضا في الوطنية يريدون التمترس في «أقاليم» خاصة بهم، يرونها دولا، مما جعل العديد من المحللين وكتاب الرأي يميلون الى توقع نتيجة مرة لما حدث ويحدث مفادها ان العراق مقبل على حالة انهيار، قد تؤدي الى زواله اذا لم تعالج المشكلات الحادة التي استوطنت فيه في ظل غياب قيادة وطنية كفؤة، ومخلصة، ومقتدرة.
جرس الإنذار
ومع أن جهات عديدة معنية بالعراق وحريصة على بقائه دقت جرس الانذار مرارا الا أن حكامه أعطوا لها «أذنا من طين وأذنا من عجين، وقد دق اصدقاؤنا الفرنسيون الجرس من جديد، وان التزموا بقاعدة «ما لا يدرك كله لا يترك جله» معطوفة على التزام دبلوماسي لا يتيح نشر الغسيل العراقي علنا، حيث ركزوا على جوانب معينة لها صلة بالسياسات الاقتصادية والمائية والديموغرافية، وتأثيرات تغير المناخ وتجنبوا الخوض في جوانب سياسية واجتماعية أخرى تفوق الأولى في التأثير والفعل، وتساهم في دفع العراق الى الانهيار، وحتى الى الزوال.
وكان المركز الفرنسي للأبحاث قد عرض أرقاما مرعبة مستلة من دراسات ميدانية أجراها عن الواقع العراقي، تفيد أن عدد سكان العراق سيصل عام 2050 الى 80 مليونا، وان نسبة من هم دون الثلاثين، وهم الذين يطمحون لتحقيق مستقبل مستقر لهم، تصل الى 68 بالمئة، وتوقعت الدراسة أن يرتفع معدل البطالة عندئذ، الى 40 بالمئة من مجموع القوى العاملة، وهذا يعني أن 25 مليونا سوف يتجهون لطلب الهجرة بحثا عن العمل والحياة الرغيدة، تدعم هذه الأرقام مؤشرات تنبأ بعدم توفر امكانية لاستمرار عوائد النفط مستقبلا، ولا لزيادة عائد الناتج الزراعي الذي سيتقلص بفعل حالة الجفاف، ولا حتى لإمكانية تأمين موارد مستحدثة تعين على سد احتياجات الســـــــــكان الأساسية التـــــــــــي ستتضاعف عما هي عليه الآن.
وأنذرنا الخبير الفرنســــــــي فابريـــــــس بلونشت بأنه إذا لم نتخــــذ اجـــــراءات جادة وعاجلة لمواجهــة هذا التحدي فسوف ينتهي بنا المطاف الى انهيار البلد، وربما زواله بحدود عام 2050، كما لاحظ الدكتور عادل باخوان الباحث في المركز الفرنسي إن العراق يحتاج الى ما لا يقل عن 233 مليار دولار لحل مشكلة الجفاف وتأثيرات التغيير المناخي وحدها، فكيف بالمشكلات الأخرى، ونقرأ على منصة اكس تغريدة يتساءل مطلقها: «هل عجز العراق أن يخصص من ثروته لمعالجة أحواله؟ وإذا كانت نسبة المليارديرات فيه أعلى بكثير من نسبتها في 7 دول أوروبية، كما تؤكد ذلك احصائية موثقة، فلماذا لا تأخذ الحكومة من هؤلاء لتلبي احتياجات أولئك»؟ ويكبر السؤال: من اين لهؤلاء المليارديرات هذه الثروات الضخمة؟ وما هو مصدر أموالهم، وكيف جنوها في غفلة من التاريخ، وقد كانوا حفاة عراة مشردين في هذا البلد أو ذاك، يعتاشون على صدقات المحسنين الى ما قبل ان ينقذهم غزاة بلادهم، ويضعوهم في قمة السلطة لتنفيذ مخطــط الخراب والتبعية!
مرة كتب فرنسيس فوكوياما صــاحب «نهاية التاريــــخ» أن الدول اما أن تعيش التاريخ، واما أن تعيش ما بعد التاريخ، أما الدول التي تعيش ما قبل التاريخ فمحكوم عليها بالانهيار ثم الزوال.
هل ينطبق قـــــول فوكوياما علــــــــى العراق؟