الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين الحراسة والاحتراس .. مناطق النفوذ الاخلاقي

بواسطة azzaman

بين الحراسة والاحتراس .. مناطق النفوذ الاخلاقي

عادل سعد

 

هناك فرق جوهري في المهمة التي تؤديها بين ان تكون حارس غابة ، أو حارس مقبرة ، أو حارس بنك ، أو شركة مالية ، أو رصيد نقدي   ما  مؤتمن عليه  ، ومع تعدد  المهام التي  يمكن ان تؤديها في الحراسات الثلاث تظل الفطنة والانتباه سيد المهمة اذا اخذنا بعين التوصيف ان مهمة الحراسة مهما كان نوعها تتطلب اليقظة  واذا كان قد قيل ( نوم الحراس  ضياء للصوص) تتخذ الحراسة شكل  الوظيفة  التحسبية الاستشرافيه  في كل الاحوال .   

في حراسة الغابة تكون المهمة على اطرافها حين يتعذر الدخول لأنها مسيجة وتضم انواعاً من الحيوانات المفترسة في حين تكون حراسة المقبرة أسهل ، اذ لا شيء  يسود  سوى السكون الموحش 

 ، وليس هناك من قلق على موجودات المقبرة الا العبث ببعض القبور للتنكيل بالجثث ،أولصناعة السحر  والمتعاطين في هذا (العمل الاسود ) قلة حتماً ،  والاغلب عناصر نسائية  انقطعت بهن سبل التأهيل العائلي فلجأنَ الى مناشدة الموتى تحت  طائلة اعتقادٍ  ان حظ  الموتى قد يجلب الفرج .

الحال ،وجود قصص واساطير عن تورط ساحرات وسحرة في صدامات مع حراس مقابر  .

إن مايشذ عن كل أنواع  الحراسة  ،الحراسة بدافع الفضول عندما يفوض البعض انفسهم تحت طائة الخواء الذي يعانونه ، يتمادون في وضع الاخرين تحت طائلة المراقبة والملاحقة بضغط هذا الدافع الوبائي .

مقابل كل هذه الانواع من الحراسات لا يبقى من مجهول  الا حراسة الانسان لنفسه

لقد شغل هذا النوع من الحراسة باحثين في العلوم النفسية واحيان  فلاسفة أعطوا لحراسة النفس المزيد من الاهتمام والتبصر وهي مهمة مدفوعة الثمن شأنها شان الحراسات الاخرى  لكن تمويلها ذاتي  ، أي أنك تتولى دفع ثمن هذه الحراسة  ، كيف ؟ وماذا يترتب علبها ؟ وأية مهمة تنتظرك ؟  •في المسلسل الامريكي الشهير  الحسناء والوحش  يبرر هذا الانسان المشوه جسديا مغامراته  في الدفاع عنها بحكمة يجدها  ضرورة ملحة  (في الخروج بين الحين والاخر من المنطقة الامنة التي كوّنها لنفسه )، بينما في الضد من ذلك لخص وليم شكسبير الدعوة الى حراسة النفس  من خلال ثلاثة  انذارات ، أو قل احتراسات محذراً من خطورة الاقتراب ،( الى الحصان من الخلف ، والثور من الامام  ، والجاهل من كل الاتجاهات ) ، وهو بذلك وضع منظومة انتباه لصيانة حياة الانسان ، اما الاشكال هنا ،الاقتراب من الجهلاء  في اي اتجاه كان  دون ان يعي شكسبير خطيئة الابتعاد  عن الجهلاء اذا اخذنا  بحقيقة ان الجاهل يبقى على جهله  اذا لم يقترب منه  متنور  يتولى (الاصطدام) المعرفي به  

هذه هي الحياة ، ليس الاسراف في حماية نفسك  لتتقوقع وانما عليك مسؤولية التحرك  والتحري في مدركاتك المعرفية للاخرين وفق قران انساني دون ان تتخلى من محاذير التلوث والانجرار الى الوحل .

إن الترفع  القاطع عن التعاطي المعرفي  وخوض تجربة الاصطدام بالجهلة  تنفي الواجب الانساني، ،إنها معادلة صعبة جدا ، لكنها ضرورية لإرواء قيمك الانسانية ومنع الانسلاخ عنها   

الحال ، إن موت الأريحية والنخوة  وإهمال الاستغاثة من متواليات  البخل الانساني الذي اخذ يسود بالمزيد من  التغليف  والانزواء والاستهزاء . وحين يشكو الروائي  دستوفسكي الى اخيه ( اشعربالحزن عندما لا أجد ما اخدم به الاخرين )  ،فانه في الحقيقة نوّهَ بفرضية تطلع قيمته الاجتماعية العليا  للحراسة  التضامنية المشتركة  ، أحد أثمن إجراءات تقاسم مناطق النفوذ الاخلاقي  بين البشر .

 

 

 


مشاهدات 421
الكاتب عادل سعد
أضيف 2024/10/07 - 10:47 PM
آخر تحديث 2024/12/21 - 7:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 330 الشهر 9044 الكلي 10065139
الوقت الآن
السبت 2024/12/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير