مستقبل العلاقات بين واشنطن ودمشق
محمد علي الحيدري
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الجديدة في سوريا مرحلة مفصلية في أعقاب التحولات السياسية العميقة التي تلت سقوط نظام بشار الأسد. هذه التحولات تتيح إمكانية إعادة تشكيل العلاقة بين الطرفين، لكن الطريق نحو تعاون بنّاء يبدو مليئاً بالتحديات رغم بعض المؤشرات الإيجابية. ومن بين هذه المؤشرات الإفراج عن المواطن الأمريكي ترافيس تيمرمان، الذي قد يمثل بادرة لتعزيز الحوار، إلا أن المستقبل يبقى غير محسوم.
ويظل تصنيف هيئة تحرير الشام كـ»جماعة إرهابية» يظل من العقبات الكبرى التي تعرقل تحسين العلاقات بين الطرفين فالموقف السوري الجديد الذي يشير إلى شكل خطير من أشكال التعاون مع الهيئة يثير تساؤلات حقيقية في واشنطن حول نوايا السلطة الجديدة ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مايو 2023، تعكس هذه الريبة عندما أشار إلى «مخاوف حقيقية بشأن أهدافها». ومع ذلك، فإن أي تطور إيجابي في العلاقات يتطلب من الحكومة السورية الجديدة مراجعة جادة لهذه العلاقة، وهو ما قد يكون اختباراً حاسماً لمدى قدرتها على تحقيق توازن بين متطلبات الداخل السوري والتزاماتها الدولية.
إلى ذلك فإن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا منذ بداية الأزمة تزيد من تعقيد المشهد. فهذه العقوبات، التي تهدف إلى الضغط على النظام لتحقيق انتقال سياسي شامل، تمثل تحديا إضافيا أمام السلطة الجديدة. وبيان وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2023 أكد أن العقوبات هي أداة لدفع التحول الديمقراطي في سوريا وهو ما يجب على السلطة الجديدة الالتفات إليه إذا أرادت تحسين العلاقات مع واشنطن. لكن يبقى السؤال مطروحا حول قدرة الحكومة الجديدة على التوفيق بين ضغوط العقوبات ومتطلبات الشعب السوري الذي يعاني من أوضاع اقتصادية خانقة، خاصة أن رفع هذه العقوبات مرتبط بتحقيق تقدم واضح في ملفات حقوق الإنسان والمشاركة السياسية.
حقوق الانسان
الولايات المتحدة تضع أيضا ضمان حقوق الإنسان وفتح المجال للمشاركة السياسية كمعايير أساسية لأي تحسن في العلاقات مع السلطة الجديدة التي عليها أن تقدم خطوات ملموسة تجاه الأقليات، وأن تفتح حوارا شاملا مع المعارضة والمجتمع المدني. والالتزام بهذه الأولويات لا يخدم فقط الداخل السوري، بل يمثل أيضا شرطا ضروريا لكسب ثقة المجتمع الدولي، خاصة في ظل الشكوك الجدية حول قدرة السلطة الجديدة على الالتزام بالمعايير الديمقراطية.
من جانبها، تواجه واشنطن تحديا في إيجاد مقاربة تجمع بين الضغط الدبلوماسي والاقتصادي وتعزيز الحوار المباشر مع السلطات السورية. ولا شك أن الوضوح في الالتزامات السورية تجاه الانتقال السياسي واحترام حقوق المواطنة سيحدد إلى حد كبير شكل العلاقة المستقبلية. كما أن التصريحات الأخيرة لوزارة الدفاع الأمريكية، التي أكدت استمرار التركيز على محاربة الإرهاب، توضح أن سياسة واشنطن تجاه دمشق ستظل مرتبطة بالتطورات الأمنية في المنطقة، خاصة مع استمرار التهديدات المرتبطة بتنظيم داعش.
رغم كل هذه التحديات، قد تمثل اللحظة الراهنة فرصة لإعادة بناء العلاقات على أسس جديدة، شريطة أن تبدي الحكومة السورية استعدادا لتلبية تطلعات الشعب السوري والانخراط في حوار حقيقي مع المجتمع الدولي. ونجاح هذه المرحلة يعتمد على قدرة جميع الأطراف على تجاوز المصالح الضيقة والعمل على تحقيق استقرار مستدام للمنطقة، بما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا لسوريا بعد سنوات من المعاناة.