من يزرع الشقاق بين العروبة والإسلام ؟
نزار محمود
بكل بساطة أقول: ان الشقاق بين العروبة والإسلام هو الداء الذي انهك كلاً منهما، ومكن الأعداء في تركيعهما وتطويعهما وإذلالهما. كيف حصل ذلك؟
في البدء لابد من الاعتراف بأن هذه الاشكالية في تفسير العلاقة بين العروبة والإسلام هي اشكالية عويصة لأسباب تكمن في فهم معنى العروبة كأمة، وحتى الإسلام كدين. في هذا المقال تدفعني الجرأة الى طرح هذه الاشكالية ووجهة نظر في تتبع جذورها ووضع معالم على طريق حلها.
ان العروبة هي ثقافة اخلاق انسانية وحضارة لغة بارعة في الوقوف والتعبير عن افكار الإنسان وأحاسيسه وسعة خياله وتطلعاته وميوله ورغباته. ولم يكن الإسلام، ولا ينبغي له، الا ان يكون دين تسامح بين الناس جميعاً يهديهم الى ما يخدمهم ويصلح حالهم ويسعدهم في الدنيا وآخرتها. وبهذا المعنى فان العروبة ليست صفة عرقية ولا جنس بشري محدد الصفات الجينية، وليس الإسلام بدين اكراه واقصاء.
من هنا فإن من يكره العروبة من غير (العرب) هو واهم في فهم العروبة أو متعنصر لقوميته العرقية أو الاثنية، مع فهمنا وتقديرنا لمن عاش تجارب عنصرية أو هيمنة اجتماعية أو سياسية لمن فهم العروبة من العرب جنساً متميزاً. كما أن من فهم الاسلام او من إدعاه من المسلمين بأن من لا يؤمن به وجب عليه القتل أو النفي أو السجن أو أية عقوبة بشرية أو الهية أو أي شكل من التمييز غير المبرر إنسانياً أو وطنياً، فإنما ارتكب إثماً لا يغفر له عليه. واذا كان هناك من يرفع شعار الجزية، لغرض التدليل على التمييز بين المسلمين وغيرهم، نقول له: بأن هذه الجزية هي بدل الدفاع عن بلد المسلمين التي لا يجبرون هم في الدفاع عنها كبلد اسلامي. هناك الملايين من المسلمين وفي بلدان اسلامية كثيرة من يدفع البدل النقدي مقابل اعفائه من الخدمة العسكرية. في ذات الوقت فان قوانين اكثر الدول ذات الاغلبية المسلمة لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين في واجب الخدمة العسكرية الالزامية. كما وان أصل وجوب دفع الجزية من قبل غير المسلمين من أهل الكتاب وممن كفر بالاسلام وقاتله (وهم صاغرون( فمعناها انهم يدفعون ذلك بكره ودون رغبة منهم، الامر الذي توجب عليهم ان يدفعوها لمن هو جالس وهم قائمون. (هذا ما اجتهد به ولا أدعي الفتوى أو الصواب).. منذ بدايات الدعوة الإسلامية في جزيرة العرب التي حملها الصحابة العرب ونزلت رسالتها بلغتهم وكلفوا بأمانة حملها باختيار الله وتكليفه لهم بها لأسباب هو، سبحانه وتعالى، أدرى بها، كانت تلك الدعوة إنسانية في نهجها وغاياتها، فلم تفرق بين مسلم عربي أو أعجمي. هذه النوايا الصافية وذلك النهج الهادي وقرآنه العربي جعلت ممن آمن بتلك الرسالة المحمدية ملتزماً بالحفاظ على روح وجسد تلك الأمة الجديدة بخصوصيات هويتها ودورها في الحياة. بيد أن هناك من غير العرب من لم يكن ليتحمل ما وحد العرب تحت راية الإسلام، وما الذي هذب أخلاقهم وهداهم الى الحق وشد من عزيمتهم لتقدم الصفوف في حمل خاتم الرسالات والدعوة لها.
لقد انقسم اولئك من غير العرب الى من بقي يحمل الضغينة في نفسه وقلبه وراح يعمل عقله على صنع الخبائث بالدس والتآمر واشعال الفتن ويتربص، ومنهم من سلك طريق البحث والعلم والتعمق فيه وبرز علماً بين العرب المسلمين، وآخرون منهم من صلح اسلامه فجاهد في الله حق جهاده، فصلح من صلح وأساء من أساء.وحيث ان الإسلام هو دين هداية للناس كافة، فقد دخل فيه من العرب وغير العرب كثير من أفراد وشعوب، ايماناً وقناعة، أو مسايرة وانتهازاً! ومع مر الزمن وتقلبات أمواج بحره، يرتفع المؤمنون الصادقون تارة، وينتهز الحاقدون الكاذبون والمنافقون ومن في قلبه مرض الزمن للطعن في الإسلام والغدر بأصحابه تارة أخرى. لقد عاش العرب والمسلمون تارة أوجاع الروح وتارة أوجاع الجسد. اوجاع الروح في صفاء الايمان، وأوجاع الجسد في من كلف بحمل الرسالة، فوقعوا فيهما ضرباً وانتقاماً. لم يكن سهلاً عليهم تقبل واقع العرب البدو المتفرقين المتخلفين ان يتقدموا الصفوف ويعتلوا المنابر والكراسي باسم ما يحملونه من رسالة الإسلام. وهكذا انتهى الأمر الى اشعال الفتنة بين العروبة والإسلام في ضرب عصفورين بحجر! الانتقام من العرب، من ناحية، وركوب موجة السلطة ثانية من خلال تسلم قيادة الإسلام في ردائه الذي يناسبهم من ناحية أخرى. وهكذا عاد القيصر وحكم السلطان وأزيحت خلافة العرب.
ان من زرع الشقاق بين العروبة والإسلام هم:
-العرب من غير المؤمنين والمستعدين لتحمل مسؤولية نشر دعوة الاسلام في التزاماتها واشتراطاتها.
- غير العرب ممن أحس بضياع ملك وجاه وراح متربصاً الايقاع بمن اذهب عنه الملك من العرب المسلمين.
- الآخرون من غير العرب والمسلمين ممن وجد في زرع الشقاق بين المسلمين العرب وغيرهم فائدة وفرصة له.
ان واقع تردي العرب المسلمين منذ بعض القرون من الزمن، ولا سيما منذ بعض العقود منه، قد ايقظ ودفع بالاقليات الاثنية والدينية التي تعيش بين ظهراني مجتمعات البلدان العربية المسلمة الى التذمر والتمرد ومحاولات الانقلاب على كل ما هو عربي أو اسلامي، تدعمهم وتشجعهم على ذلك قوى خارجية.
ان العرب المسلمين اليوم مطالبون بالعمل والسعي ومجاهدة النفس على النهوض والبناء والتقدم وامتلاك أسباب القوة اذا ما أرادوا حماية العروبة والإسلام وقطع الطريق على المتربصين بكليهما، وبدونه فإن الانحدار ماض الى حيث يشاء الله تعالى.
بيد اننا سنبقى مؤمنين بوعد الله:
انا نحن نزلنا الذكر، وانا له لحافظون”.