اوركسترا الزمن
نهلة الدراجي
تتسلل خيوط الشيب إلى شعرنا، كأنها لعنة تذكرنا بمرور الزمن، تسرع في زحفها لتغطي سواد أيامنا الراحلة. لا يُعبر الشيب عن العمر فحسب، بل يحمل في طياته أوجاعاً وأثقالاً، خلفتها لنا الأيام والسنوات. كيف يمكن أن نتجاهل ذلك الشعور العميق بالتعب والإرهاق، عندما نجد أنفسنا نعيش الحياة التي أُعطيت لنا، وليس تلك التي كنا نرغب بها؟ إننا نكافح في معركة داخلية، جزء منا يسعى جاهداً ليكون قوياً، بينما الجزء الآخر يُشعرنا بالاستسلام.
في خضم هذا الصراع، نكتشف أن الكبر ليس مجرد مرحلة من مراحل الحياة، بل هو عبء ثقيل نحمله على أكتافنا.. نرى أنفسنا محاصرين بين الذكريات والأمنيات، بينما يواصل الزمن جريانه في اتجاه واحد.
مع كل شعرة بيضاء، تتجدد أوجاعنا، وتنبض ذكريات الماضي في قلوبنا. نتساءل، أين ذهبت تلك الأيام التي كنا فيها نضحك بلا هموم؟ لماذا أصبحت كل ضحكة تحمل في طياتها حزنًا وألمًا وفراقًا؟ إن كل لحظة نعيشها الآن هي تذكير بأن الحياة ليست كما كنا نأمل، بل هي مزيج من الفرح والألم، القوة والضعف، الأمل واليأس. ورغم كل هذا، يبقى الأمل شعلةً تضيء دروبنا المظلمة، وكأن هناك جزءًا منا لا يزال يسعى للحياة، للفرح، للسلام فمهما كانت الأوجاع، يبقى جزء منا يقاوم، يتطلع إلى غدٍ أفضل، ونؤمن بأن كل جرحٍ يترك أثرًا هو علامةٌ على قوةٍ خفية. قد نكون متعبين، ولكن لا زلنا نملك القدرة على النهوض مرةً أخرى، لنواجه الحياة بأذرعٍ مفتوحة، وقلوبٍ مفعمة بالأمل. فالحياة، رغم قسوتها، تظل رحلةً تستحق أن نعيشها بكل ما فيها.