منظمة التجارة العالمية وسيادة الدول

محمد سليم المزوري

لضمان نجاح العولمة الاقتصادية تم انشاء منظمة التجارة العالمية WTO عام 1995 كقيادة اقتصادية للعالم على الصعيد التجاري، وقد انيطت بهذه المنظمة صلاحيات واسعة في مجال مراقبة النظم التجارية، وفرض الانضباط على النشاط التجاري، وقد أقر ميثاق اجراء تخفيضات ضريبية تصل الى الثلث على آلاف السلع، وتحرير المعاملات في مجال الخدمات المصرفية والسياحية، وبذلك أصبحت لهذه المنظمة سلطان ونفوذ واسع استطاع ان يتخطى حدود الدول ليؤثر على سياستها الاقتصادية.

لم يقف تفاقم القيود على السيادة الوطنية بسبب التطورات في بنية النظام العالمي عند الامور الاستراتيجية السياسية، وانما امتد الى الامور الاقتصادية أيضاً، وهكذا اصبح (الاصلاح الاقتصادي) و (التكيف الهيكلي) شرطا ضروريا للقبول في المنظومة الاقتصادية العالمية، وقد قصد بهذين المصطلحين وبغيرهما التخلي التام عن اي ترتيبات اقتصادية تتعارض مع النموذج الرأسمالي، كما ان سيادة الدولة على قراراتها الاقتصادية اخذت بالتقلص مع بروز المنظمة العالمية للتجارة التي قضت بالإزالة التدريجية والتامة لأي عوائق أمام تدفق حركة التجارة الدولية.

وتجدر الاشارة الى ان الدول الكبرى هي أيضا تأثرت سيادتها نتيجة لتحرير التجارة ولكن بدرجة تختلف من جوانب عدة عن تأثر الدولة النامية بهذا التحرير فقد اقتصر تأثير الدول الكبرى على بعض الانشطة من قبيل البرامج الاجتماعية والدعم المقدم للتعليم والصحة والبطالة إذ تم التخفيف او التقليل منها؛ وذلك لضرورات دعم قدرتها التنافسية مع الدول الكبرى الاخرى، في حين نجد ان الدول النامية هي الاكثر اصابة والاكثر تضرراً بهذا التحرير، إذ تأثرت سيادة الدول بشكل أعمق لدرجة يمكن عدّها تدخلاً في شؤونها الداخلية السياسية والاقتصادية والتشريعية وغيرها، ونجد أيضاً ان الدول النامية تشكل ثلثي الدول المكوّنة لمنظمة التجارة العالمية، وهناك مائة وثلاثون دولة قد عبرّت في دورة (الدوحة) عن ما أصابها من احباط كبير للأسلوب الذي تعالج به المنظمة مشاكلها، وقد اصدرت مجموعة دول (77) والتي تضم كل الاقتصاديات الناشئة والفقيرة ومعها الصين بياناً تؤكد فيه على أهمية فتح آفاق النمو أمام الدول النامية، كما فشلت البلدان النامية في المؤتمر الوزاري الثالث الذي انعقد في مدينة (سياتل) في الولايات المتحدة الامريكية عام 1999 في ادراج مطالبها الخاصة بالسلع الزراعية والمنسوجات واكتشفت ان المفاوضات كانت تنتهي دائما لصالح الدول المتقدمة.