الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مسار بولونيا في جامعاتنا.. حداثة ولكن

بواسطة azzaman

مسار بولونيا في جامعاتنا.. حداثة ولكن

أكرم سالم

 

مسار بولونيا في التعليم تم تأسيسه في اوربا لغرض توحيد وتنميط منظومة التعليم العالي في جامعاتها،والسعي لانجاز مستوى اوربي من الجودة يتلاءم مع المعايير الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وتسهيل الانتقال الاكاديمي بين تلك الدول الاوربية ،بكلمة اخرى هي تعبير عن مجهود تربوي تعليمي في اطار ثقافة ومباديء العولمة التي هبطت مثل الكابوس والقدر العاجل على رأس البشرية منذ عقد التسعينيات الذي شهد نهاية التاريخ بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وبروز «طيف التوحّد» الامريكي ببشاعته المعهودة!!. غير ان هذا المسار واجه في العراق ويواجه تحديات كبيرة مما يؤدي الى فشل حتمي في تحقيق اهدافه «الدولية» المرسومة له بعناية .وعلى رأس اسباب فشله في العراق عدم التوافق مع السياقات المجتمعية والثقافية ،ففي بيئة تتسم بارث ثقافي حضاري عميق لايمكن تطبيق نماذج ومسارات تربوية تعليمية نمطية ومعدّة دوليا دون مراعاة الفروقات والتمايزات الاجتماعية والفردية السائدة،فضلا عن انه يؤدي لامحالة بل في صلب توجهاته الى تهميش دور الاساتذة المعلمين وهم الركيزة الرئيسية في المسار والعملية التعليمية من جهة مع التركيز المفرط على الطالب والمعايير والمناهج العالمية من جهة مقابلة ،وبذلك يجري اغفال خبرة الاستاذ ودوره الانساني الكبير الذي لايعلى عليه مطلقا في التوجيه والرعاية ،مما يؤول الى نقص فادح وهوّة لايمكن ردمها او اغفالها في التحفيز والابداع في العملية التعليمية.علاوة على ما تقدم فان التركيز على جوانب التقييم الكمي والاسس الاكاديمية البحتة في المؤسسات التعليمية لابد ان يفسد تجربة الطلاب واستعدادهم السيكولوجي للتقبّل فتكون النتائج عكسية بدلا من تشجيع التفكير الابداعي النقدي اذ يصبح الطالب مشغولا بتحقيق درجات عالية واتباع نظم جامدة،فالاهتمام المفرط بالدرجات يفرغ الاستعداد التربوي من محتواه ومضامينه ويخلق بيئة تعليمية تنافسية غير سليمة ويصبح النجاح الاكاديمي واكتساب الشهادة «الجدارية» غاية وهدفا بحد ذاته !!بدلا من كونه وسيلة للتطوير وتحسين القدرات الذهنية في التفكير وحل المشكلات.وتتجلى هذه المشكلة بشكل واضح في الجامعات العراقية حيث يسعى العديد من الطلاب الى  «النجاح» واجتياز المواد الدراسية بأقل الجهود الممكنة وبالوسائل «المتاحة» الذي يفضي الى تراجع المستوى التعليمي مع عظيم الاسف. وهو يعكس فشل نظام بولونيا في تحفيز الطلاب على البحث العلمي واستكشاف الافاق المعرفية وهو ما كان يفترض ان يشجع عليه مسار بولونيا.من جانب اخر لابد من الاخذ بنظر الاعتبار مستوى البنية التحتية الضعيفة ونفص الموارد التعليمية في العراق ،اذ مع اطار مسار بولونيا فان تطبيقه يتطلب استثمارات هائلة لاتجارى في التعليم والتدريب ،وهو غير متوفر في الظروف الراهنة .لذلك فان اخفاق وفشل مسار بولونيا في العراق يعكس بكل تأكيد الحاجة الماسة الى تطوير نظام تعليمي يتواءم مع الظروف والسياقات المحلية ،مع تعزيز دور الاستاذ ليكون المركز والينبوع والمنبر المنير بالشعاع المعرفي المحاور والمشجع للطلاب على التفكير الابداعي والمنهج النقدير بدلا من الاكتفاء والركون الى تحقيق الدرجات باسلوب ذرائعي ..ان نجاح مسار تربوي تعليمي حديث في جامعاتنا العراقية يعتمد بشكل حاسم على التكيّف الحقيقي مع احتياجاتنا وثقافة مجتمعنا المعروفة بأصالتها وثرائها الاخلاقي والقيمي..وهو ما ينبغي ان نسعى اليه ونضعه صوب اهتمامنا وفي صلب اهدافنا التعليمية..واخيرا نقول ان مسار العولمة وتسويق النمط الاوربي الجاهز لا ولن يتماشى مع مبادئنا التربوية العريقة.

 

 

 


مشاهدات 275
الكاتب أكرم سالم
أضيف 2024/09/21 - 1:51 AM
آخر تحديث 2024/11/21 - 5:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 118 الشهر 9589 الكلي 10052733
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير