الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العدالة المغدورة .. وعالم من الإستثناءات

بواسطة azzaman

العدالة المغدورة .. وعالم من الإستثناءات

قحطان الفرج الـله

 

في علمنا اليوم، تتجلى ظاهرة «سلسلة الاستثناءات» كإحدى أخطر المعضلات التي تقوض أسس العدالة والمساواة، حيث يتم تجاوز القوانين والضوابط بشكل متكرر لصالح فئات معينة، مما يخلق نظامًا غير متكافئ يعزز الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. هذه الاستثناءات، التي تُمنح للنخب السياسية والاقتصادية، تمثل انحرافًا خطيرًا عن مبادئ سيادة القانون، حيث يتمتع بعض الأفراد أو الجماعات بحصانة ضمنية من المساءلة القانونية، مما يعزز من سلطة هؤلاء الفاعلين ويكرس واقعًا سياسيًا واجتماعيًا قائمًا على التمييز وعدم الشفافية.

نظام سياسي

فعلى المستوى السياسي، تُستخدم السلطة كأداة لتثبيت الامتيازات وإقصاء المعارضين، مما يؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين في النظام السياسي برمته. اقتصاديًا، نجد أن بعض الشركات والأفراد ذوي النفوذ يحصلون على امتيازات اقتصادية كتسهيلات بنكية أو عقود حكومية دون مناقصات شفافة، او دون ضمانات حقيقية وموثوقة، مما يعزز من هيمنة القلة على الثروة والموارد.

 هذه الاستثناءات لا تنحصر في المجال السياسي والاقتصادي فقط، بل تتغلغل في النسيج الاجتماعي، حيث يتم تفضيل فئات معينة بناءً على الانتماء القبلي أو الطبقي، أو الحزبي مما يؤدي إلى تكريس نظام اجتماعي يفتقر إلى العدالة والمساواة ولك أن تتخيل إن عضوا في حزب نافذ حكم عليه بالسجن لمدة سنة يستثنى من العقوبة تحت مبرر (لصغر سنه) وهو على مشارف الأربعين من عمره !!! هذه الحالة من الاستثناءات المتكررة تؤدي إلى ترسيخ الفساد كظاهرة متجذرة، حيث يتداخل المال بالسياسة، والدين في العنف، ويصبح ميزان التميز المهيمن هو (القوة والسلطة والنفوذ) ليخلق طبقة متنفذة تعيد إنتاج نفسها وتحافظ على مصالحها على حساب الصالح العام.

في هذا السياق، تصبح القوانين مجرد أدوات تُستخدم لتعزيز مصالح القلة وإحكام قبضتها على السلطة، بينما يتراجع دور المؤسسات القانونية في تحقيق العدالة الحقيقية. إن مواجهة هذه الاستثناءات تتطلب مقاربة شاملة تشمل إصلاح النظام القانوني، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتفعيل دور المجتمع في مراقبة أداء السلطات، لضمان تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وإعادة بناء الثقة في النظام السياسي والاجتماعي.

بدون هذه الإصلاحات، ستظل المجتمع عالقا في دائرة مفرغة من الفساد والتفاوت الاجتماعي، مما يعيق تطورها واستقرارها على المدى البعيد.

ولعل من أطرف مواقف الاستثناءات هي الاستثناءات في المجال الثقافي، يمكن أن يظهر مفهوم الاستثناء في كيفية تعامل الأدباء والمثقفين مع شخصيات أو أحداث تتجاوز المعايير التقليدية أو تتحدى القواعد الأدبية. على سبيل المثال، قد يكتب بعض الأدباء عن شخصيات تعيش خارج إطار القيم الاجتماعية السائدة أو تتمتع بميزات غير متاحة للآخرين، مما يعكس استثناءات من القوانين الأدبية أو الاجتماعية. وقد يمتاز بعض الأدباء والمبدعين بفرص أفضل في الوصول إلى النشر والتوزيع والتكريم، وهذا قد يكون مرتبطًا بنفوذهم الاجتماعي أو السياسي. الأدب الذي يحظى بامتيازات قد يكون مدعومًا من قبل مؤسسات ثقافية أو حكومية أو دينية، مما يمنح بعض الأعمال الأدبية مكانة أعلى مقارنةً بالآخرين، حتى وان كانت في اقصى درجات الضعف والهزالة؟!!

وفي المقابل تتجلى الاستثناء في كيفية تجاهل الكثير من الشخصيات والأفكار أو الآراء التي لا تتماشى مع الممارسات السائدة أو الأيديولوجيات المسيطرة. المفكرون الذين يقدمون رؤى نقدية أو تبايناً مع الوضع الراهن قد يجدون أنفسهم في موقع الاستثناء، حيث يتم تجاهلهم أو قمعهم.

نقاشات عامة

في العراق، قد يعاني المفكرون الذين ينتقدون النظام السياسي أو منظومة رجال الدين، او الاقتراب من تابو أو (خط أحمر أو تاج رأس أحدهم) أو يتناولون مواضيع حساسة من التهميش أو القمع. أفكارهم قد تُستثنى من النقاشات العامة أو تُواجه بالرقابة، أو تقودهم إلى اقفاص السجون والمحاكمة، مما يعكس استثناءهم من المجال الفكري المسموح به.

ولكي تستمر هذه المنظومة الاستثنائية من العمل، يجب اغراق المجتمع بالميتافيزيقا والعالم الاخر الذي يحقق العدالة في غير الأرض، وإن الذي يملك السلطة – أي سلطة كانت-يدرك وبعمق أن شعباً غارقاً في التدين والغيب سينصرف عن المطالبة بالعدالة الأرضية، ويستعيض عنها بانتظار عدالة سماوية تبدو أكثر يقيناً في عيونهم. في هذا الانصراف تكمن مصلحة المتسلط؛ حيث يخلق وهمًا (طائفيًا) وهوسًا (اعتقاديًا) يبعدهم عن مواجهة الظلم هنا، ويجعلهم أسرى لفكرة العدالة المطلقة التي لا تُطالبه بأي تغيير في الحاضر.

 


مشاهدات 19
الكاتب قحطان الفرج الـله
أضيف 2024/09/14 - 3:37 PM
آخر تحديث 2024/09/15 - 1:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 67 الشهر 5760 الكلي 9994382
الوقت الآن
الأحد 2024/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير