انت (تخوط بصف الاستكان)

نوزاد حسن

يقول البغدادي:فلان «يخوط بصف الاستكان» ليعني بقوله ان فلانا يتحاشى الحديث المباشر,وانما يدور ويلف حول الموضوع,وهذا القول البغدادي ليس قاسيا جدا لكنه يشبه التنبيه ولفت الانظار الى ما ينبغي ان يكون,وكأن القائل يبحث عن مزيد من الصدق في الكلام والحديث.

  لم يسبق لاحد ان وصفني باني :اخوط بصف الاستكان» اشارة الى ما اكتب من مقالات في هذه الجريدة او تلك.لكن قبل ايام جمعني لقاء رائع باستاذي الدكتور بسام البزاز,والشاعر محمد ثامر يوسف,وصدبقي ابن استاذي البزاز محمد الذي يشاركنا الحديث الا قليلا.

محيط صاخب

تحدثنا طويلا,واستمعنا جيدا الى ما حكاه البزاز عن الجو الاكاديمي الذي عمل فيه,وكأنه يقود زورقا صغيرا في محيط صاخب.

وانا كنت حينها طري العود عاشقا للوركا,واونامونو وارتيغا اي كاسيت,لكني لم اعثر على ايّ منهم في قسم اللغة الاسبانية قبل محيء البزاز وقيادته القسم التائه.بعد ذلك غيرت لمسات البزاز وضع تدريس اللغة الاسبانية.وقامت نرمين ابراهيم عاجل,وباهرة محمد وجاسم العاني بالقائنا في بحر الثقافة الجميل.دخل اول نص صعلوكي الى قاعة الدرس بفضل حماس البزاز ونرمين,لكن هذا التغير جاء متاخرا لمن قضى ثلاث سنوات في دراسة قشور اللغة.كنا نتحدث عن ذلك الزمن في ذلك المقهى الكرادي الى ان قال لي الدكتور بسام البزاز وهو يبتسم:نوزاد انت هم تخوط بصف الاستكان»قال:تدور حول الموضوع,ولا تدخل فيه مباشرة.حاول محمد ثامر شرح الصورة الحقيقية للاعلام وللصحف في البلد.ولا يمكن الكتابة عن كل شيء.وحاولت ايضا ابرر انني احد الخائضين في لعبة الكلمات التي تقول في حد ممكن ما يرضي الرقيب وهو هنا المحرر الرسمي لهذه الصحيفة او تلك.

لم اقل للدكتور انني مقيد او انني ارقص في قيد مربوط بقدمي.اذ لا يمكنني ان اقول سوى كلمة واحدة يوجد فساد.هذا ما استطيع قوله.وهذه المعلومة تشبه معلومة تقول:الهواء ملوث.ليتلوث الهواء,ما المشكلة في تلوثه,وكذلك لا مشكلة في وجود الفساد.وكما يعتاد الانسان هواء مدينته الفاسد فعليه ان يحتمل طابور الفاسدين ممن اصبحوا اولياء نعمة للالاف من المحرومين الذين لا يعرفون سوى الاحساس بالانتماء الشكلي لانهم موجودون تحت ظل فاسد ثري.

يبدو ان الخيط الرفيع بين الديمقراطية الحقيقية,والديمقراطية غير الحقيقة يكمن في خضوع الجميع للقانون.فلا الصحف ولا الفضائيات,ولا اعمدة الجرائد,ولا وسائل التواصل بكل غثها وسمينها تنفعنا في رؤية غزال الديمقراطية الرشيق.كل هذه الوسائل تقدم على انها الغزال لكنها في الواقع مجرد حلد محشو بغزال ميت.ثم يبدأ السياسي حدديثه عن تقديم الحرية التي اعطوها لنا كلعبة جاهزة.فنحن ننتقد السياسة والسياسيين,ونتحدث في الفضائيات عن ملفات.ان مجرد الكلام صار هبة لانهم يقارنون حياتنا بما كانت عليه ايام صدام,ولا يقارنونها بحياة مواطن في كوريا الجنوبية او اليابان.ان مرض المقارنة يلاحق السياسيين,وهم يعتقدون انهم نجحوا في نقلنا الى حياة افضل من حياتنا السابقة:فلدينا الموبايل وسائل التواصل,الحديث العابر المكرر عن بلد فاسد ثم نصمت.هكذا صمموا حياتنا.وضعوا الديكور وعليهم ان يحافظوا عليه.

 «ان يخوط الانسان بصف الانسان» يعني انه يقول ما يكفي.لكن لن نرى حوتا فاسد يسقط في شبكة النزاهة.وهذا حد احتمال هذه الديمقراطية التي لا تشبه اي نظام اخر في العالم.

اعرف صديقا فضل «ان يخوط في الاستكان نفسه» رحمه الله فقد اغتيل قبل سنوات.لا اعرف هل كان يتوقع انه سيقتل.لكنه في النهاية قتل.ذلك لان «استكان الفساد ضبط سكره ولا يمكن لملعقة اخرى ان تحركه,فالملاعق معروفة جيدا لصانعي اللعبة.

 حين انتهينا من حوارنا خرجنا نسير مثل اربعة ملوك مخلوعين عن العرش.وبعد ان اطلنا الدكتور وابنه محمد الى البيت عدنا محمد ثامر وانا الى البيت..   بعد ساعتين تحدثت له عبر الواتساب عن حزني الشخصي الذي يشبه صلاة داخلية.